رسالة من مسلم الى مسيحي يدعوه بها الى الاسلام (الجزء الاول)
رسالة من مسلم الى مسيحي يدعوه بها الى الاسلام 2
رسالة من مسلم الى مسيحي يدعوه بها الى الاسلام ـــ ج2
رسالة من مسلم الى مسيحي يدعوه بها الى الاسلام ــ ج٣
رسالة من مسلم الى مسيحي يدعوه بها الى الاسلام ـــ ج4
[مكتوب على العرش]
وأما قولك إنه مكتوب على العرش لا إله إلا الله. محمد رسول الله فلقد كثُر تعجُّبي منك. كيف أمكن أن تتصور مثل هذا أنه صحيح حتى ترويه وتكتب به إلى مثلي من أهل اليقين وصحة الانتقاد، لأنك في حكمتك لم تترك شيئاً لليهود الذين يحدّون الله ربَّهم أنه جالس على عرشٍ محدود، فلم ترض أن أجلسته على عرش محدود حتى تكتب على العرش اسمه واسم آخر من خَلْقه. هل هو الذي كتب ذلك الكتاب أم كُتب له؟ ولمَ كتب ذلك؟ هل لنفسه لئلا ينسى اسمه، أم لتعرفه الملائكة؟ فليس لها حاجة إلى أن يكون لها كتاب نصب أعينها يذكّرها لئلا تنسى اسم خالقها، وهي تسبّح اسمه وتقدسه من غير انقطاع، وتنفّذ أمره في كل لحظة. وإن كان كتب ذلك للناس، فهم غير منتفعين به، لأنهم لم يروا ذلك العرش ولا قرأوا ما عليه من الكتابة! فإنْ قلت إن ذلك كُتب ليُقرأ يوم القيامة، فأقم لنا دليلاً على ذلك، فإنك تعلم أن الناس كلهم يوم القيامة يُعطَون المعرفة الكاملة بخالقهم، ويحصلون على اليقين الصحيح، يوم تُجزَى كلُّ نفسٍ بما كسبت. فإن صدَقْت نفسك علمت حقاً أن هذا محال، لا معنى له، ولا منفعة. وإن الله في حكمته لا يفعل المحال وما ليس له معنى. وقد وجدنا إجماعكم على أن الرجل إذا قام خطيباً فيكم يبالغ في دعائه ويظن في نفسه أنه قد بلغ الغاية القصوى في خطبته، فيفتح كلامه قائلاً: اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم فأراك ظننت أنك قد بالغت له في الدعاء والصلاة عليه إذ تمنيَّت له أن يصير مثل إبراهيم وكأحد آل إبراهيم، فهذا نهاية الشناعة أن رجلاً اسمه مع اسم الله جلَّ ذكره وتقدَّست أسماؤه مكتوب على العرش من نور، وأن آدم بل الدنيا كلها إنما خُلقت بسببه كزعمكم، تتمنى له اللحاق برجل من آل إبراهيم! وكتابك يشهد في عدة مواضع قائلاً: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (سورة البقرة 2:47 ، 122) فقد وجب عليك في هذا القول إن بني إسرائيل أفضل منك وممن ذكرته بالفضائل.
[ما دعوتني إليه] وأما ما دعوتني إليه من الصلوات الخمس وصيام شهر رمضان، فالجواب في ذلك إقرارك في ما كتبته من أمر صلواتنا وصومنا ومواظبتنا، فقد رأيت ذلك معاينةً وسمعتَهُ وشاهدتَ تلك الأمور الإلهية المخالفة لما دعوتني إليه من الأمور المبهرجة. فاكْتفِ بما رأيت، وليكن لك دليلاً وجواباً. فلست أجيبك في هذا بأكثر مما عندك من المعرفة، وكفاك بذلك حجة عند نفسك. وأما قولك أن نستعمل الوضوء ونغتسل من الجنابة ونختتن لنقيم سُنَّة أبينا إبراهيم، فجوابه قول المسيح لما سأله اليهود لماذا لا يغتسل تلاميذه: لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ خَارِجِ الْإِنْسَانِ إِذَا دَخَلَ فِيهِ يَقْدِرُ أَنْ يُنَجِّسَهُ، ل كِنَّ الْأَشْيَاءَ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْهُ هِيَ الَّتِي تُنَجِّسُ الْإِنْسَانَ. إِنْ كَانَ لِأَحَدٍ أُذْنَانِ لِلسَّمْعِ فَلْيَسْمَعْ . وَلَمَّا دَخَلَ مِنْ عِنْدِ الْجَمْعِ إِلَى الْبَيْتِ، سَأَلَهُ تَلَامِيذُهُ عَنِ الْمَثَلِ. فَقَالَ لَهُمْ: أَفَأَنْتُمْ أَيْضاً هكَذَا غَيْرُ فَاهِمِينَ؟ أَمَا تَفْهَمُونَ أَنَّ كُلَّ مَا يَدْخُلُ الْإِنْسَانَ مِنْ خَارِجٍ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُنَجِّسَهُ، لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ إِلَى قَلْبِهِ بَلْ إِلَى الْجَوْفِ، ثُمَّ يَخْرُجُ إِلَى الْخَلَاءِ، وَذ لِكَ يُطَهِّرُ كُلَّ الْأَطْعِمَةِ . ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الْإِنْسَانِ ذ لِكَ يُنَجِّسُ الْإِنْسَانَ. لِأَنَّهُ مِنَ الدَّاخِلِ، مِنْ قُلُوبِ النَّاسِ،تَخْرُجُ الْأَفْكَارُ الشِّرِّيرَةُ: زِنىً، فِسْقٌ، قَتْلٌ، سِرْقَةٌ، طَمَعٌ، خُبْثٌ، مَكْرٌ، عَهَارَةٌ، عَيْنٌ شِرِّيرَةٌ، تَجْدِيفٌ، كِبْرِيَاءُ، جَهْلٌ. جَمِيعُ ه ذِهِ الشُّرُورِ تَخْرُجُ مِنَ الدَّاخِلِ وَتُنَجِّسُ الْإِنْسَانَ (مرقس 7:15-23). وما معنى غسل اليدين والرجلين والقيام على الصلاة وقد صمّم الإنسان على قتل الناس وسلْب أموالهم وسبي ذراريهم؟ إنما ينبغي للإنسان أولاً أن يغسل داخل قلبه ويطهره من الأفكار الرديئة. وإذا نظفَتْ نيّته وطهر ضميره من ذلك الاعتقاد الرديء حينئذ يغسل ظاهر بدنه بالماء. فميِّزْ هذا القول وانظر فيه بعقلك. أليس هو قول مقنع وجواب شافٍ؟ وأما الختان فينبغي لك أولاً أن تعلم قصته، ثم تحثّ الناس على أن يمتثلوا سُنَّة إبراهيم أبيهم. فإن الله لما كان مُزمعاً أن يُدخل بني إسرائيل (الذين هم نسل إبراهيم) أرض مصر، وهو يعلم أن الشرّ سيحملهم على ارتكاب الزنا، جعل هذا سبباً لحفظهم منه، فالمصرية التي ترى علامة الختان في جسد اليهودي تمتنع وترفض. فكيف تحث الناس على الختان وأنت تعلم أن صاحبك لم يختتن على ما نقلت الرُّواة عنه أنه لم يكن مختوناً بتَّةً ، لأنهم شبَّهوه بآدم أبي البشر وشيث ونوح وحنظلة بن أبي صفوان؟ فإن قلت إن المسيح قد اختتن، قلنا لك قد اختتن لإقامة سُنَّة التوراة لئلا يحسبوه قد استخفَّ أو أنقص شيئاً من سُننها، فأكد ذلك بقوله: لَا تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لِأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الْأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لِأَنْقُضَ بَلْ لِأُكَمِّلَ (متى 5:17) وكذلك قال الرسول بولس: فَإِنَّ الْخِتَانَ يَنْفَعُ إِنْ عَمِلْتَ بِالنَّامُوسِ. وَل كِنْ إِنْ كُنْتَ مُتَعَدِّياً النَّامُوسَ، فَقَدْ صَارَ خِتَانُكَ غُرْلَةً! إِذاً إِنْ كَانَ الْأَغْرَلُ يَحْفَظُ أَحْكَامَ النَّامُوسِ، أَفَمَا تُحْسَبُ غُرْلَتُهُ خِتَاناً؟ وَتَكُونُ الْغُرْلَةُ الَّتِي مِنَ الطَّبِيعَةِ، وَهِيَ تُكَمِّلُ النَّامُوسَ، تَدِينُكَ أَنْتَ الَّذِي فِي الْكِتَابِ والْخِتَانِ تَتَعَدَّى النَّامُوسَ؟ لِأَنَّ الْيَهُودِيَّ فِي الظَّاهِرِ لَيْسَ هُوَ يَهُودِيّاً، وَلَا الْخِتَانُ الَّذِي فِي الظَّاهِرِ فِي اللَّحْمِ خِتَاناً، بَلِ الْيَهُودِيُّ فِي الْخَفَاءِ هُوَ الْيَهُودِيُّ، وَخِتَانُ الْقَلْبِ بِالرُّوحِ لَا بِالْكِتَابِ هُوَ الْخِتَانُ، الَّذِي مَدْحُهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ بَلْ مِنَ اللّ هِ (رومية 2:25-29).
فإن أنصفتنا علمت أن الختان ليس عليك فريضة واجبة، لأن كتابك لا يذكر أن الختان شريعة واجبة، وإنما هو سنَّة، من شاء عمل بها ومن شاء لم يعمل بها. ومن اختتن من أصحابنا وأسبغ الوضوء واغتسل من الجنابة فلا يفعل ذلك لأنه سنّة وفريضة، بل يفعله على سبيل العادة الجارية عند أهل الزمان للنظافة الظاهرة لا غير، لعِلْمنا أن من تغوَّط كان أحق أن يُفيض عليه الماء السابغ بالغسل بقدر ما يخرج منه نتن الرائحة وقبيح المنظر، بخلاف من تصيبه الجنابة التي لا لون لها منكر ولا رائحة منتنة، بل يتولّد منها إنسان كامل المعرفة والعقل والعلم، يكون منه النبي المرسَل والملك المتسلّط والحكيم الناقد والعبد الصالح المسبِّح لله ليلاً ونهاراً. وكذلك يفعل من اجتنب منّا أكل لحم الخنزير كاجتنابه أكل لحوم الحمير والجمال، لأن ذلك غير محرَّم عليه، لأن الله لم يخلق شيئاً قبيحاً كقوله في التوراة: وَرَأَى اللّ هُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدّاً (تكوين 1:31). أفأجترئ أنا وأقول عن شيء خلقه إنه قبيح أو حرام؟ إذاً أكون معانداً لله مقاوماً ما خلقه واستحسنه! ومعاذ الله أن أكون لربي معانداً، بل كل ما خلقه الله مما تقبله نفسي ويجوز لي في طبيعتي آكله، فهو مطلق لي ولجميع أبناء آدم. غير أكل الدم والميتة وما ذُبح للأصنام، فإنه نزل في تحريمه أمر من الله (أعمال الرسل 15:20).
أما السبب في تحريم الخنزير والجمل وغيرهما على بني إسرائيل فذلك لعلة معروفة، لأنهم عندما كانوا مقيمين بمصر كان المصريون يعبدون الأصنام التي تشبه الثيران والبقر والكباش وسائر الغنم. ألا ترى كيف قال موسى لفرعون: لا يجوز أن نقرب لله قرابين تُجاه المصريين، لأننا نريد أن نقرِّب القرابين التي يعبدونها. فإذا فعلنا ذلك أمامهم يرجموننا إذا قربنا آلهتهم وذبحناها! ودليل آخر: أن موسى لما أقام في طور سيناء طلب بنو إسرائيل من هارون أخيه أن يصنع لهم عِجْلاً يعبدونه لأن موسى أبطأ عليهم، فصنع لهم صنماً على صورة العجل على منهاج ما كانوا يرون من عبادة أهل مصر. فليس الحرام والنجاسة أن يؤكل لحم الثيران والبقر وسائر الغنم والكباش والخنزير والجمل والحمار والفرس، بل الحرام والنجاسة أن نعبد هذه ونتَّخذها آلهة. فأما من لم يعبدها ولم يكن اعتقاده أنها آلهة أو قرَّب منها شيئاً للأصنام، فليس ذلك بحرام عليه ولا بالنجس عنده. وأكل لحوم الثيران والبقر والكباش وسائر الغنم والخنزير والجمل والحمار والفرس حلال ورزق من الله طيب، يأكله الإنسان ما لم تُعفْه نفسه أو ينفر منه طبعه. فإن ترك أكل الجميع أو بعضه فذلك إليه لا لوم عليه فيه. فأما تحريم لحم الخنزير فقط من بين البهائم كلها، وإطلاق أكل الجمل وتقريب القربان منه ولحم الحمار والفرس الذي أتى به صاحبك، فالسبب فيه من ذينك اليهوديين: عبد الله بن سلام، ووهب بن منبه اللذين أفسدا الدنيا وأهلكا الأمة. وصاحبك بريء من هذا كله.
وأما دعوتك لي إلى حج بيت الله الذي بمكة ورمي الجمار والتلبية وتقبيل الركن والمقام، فسبحان الله! كأنك تكلم صبياً أو تخاطب غبياً! أليس هو الموضع الذي عرفناه جميعاً حق معرفته، ووقفنا على أصول أسبابه، وكيف كانت القصة في ثباته، وكيف جرى أمره إلى هذه الغاية. أَوَلا تعلم أن هذا فعل الشمسية والبراهمة الذي يسمّونه النُّسك لأصنامهم بالهند، فإنهم يفعلون في بلدهم ما يفعله المسلمون اليوم من الحَلْق والتعري الذي يسمونه الإحرام والطواف ببيوت أصنامهم إلى هذا الوقت على هذه الحالة، فلم تزد عليه أنت شيئاً ولا نقصت منه ذرة، فإنك أخذته بذلك الفعل الذي سمَّيته النُّسك . إلا أنك تفعله في السنة مرة واحدة في وقت مختلف، وأولئك يفعلونه في السنة مرتين، عند دخول الشمس أول دقيقة من الحمل (وهو الربيع)، وفي دخولها أول دقيقة من الميزان (وهو الخريف). ففي الأول لدخول الصيف وفي الثاني لدخول الشتاء. فهم يضحّون كما تضحّي أنت، وينسكون كنسكك. وأنت وأصحابك تعلمون أن العرب كانت تنسك هذه المناسك وتفعل هذه الأفعال منذ بَنَتْ هذا البيت. فلما جاء صاحبك بالإسلام لم نره زاد في هذه الأفعال ولا أنقص منها شيئاً، غير أنه لبُعد المشقة وطول المسافة وتخفيف المؤونة جعله حجة واحدة في السنة، وأسقط من التلبية ما كان فيه شناعة. وإني أستصوب قولاً لعمر بن الخطاب وقد وقف على الركن والمقام فقال: والله لأعلم أنكما حجران لا تنفعان ولا تضرّان، ولكني رأيت رسول الله يقبّلكما، فأنا أقبّلكما كذلك . فإن كان الرواة الصادقون الذين رووا هذه الرواية عنه كذبوا عليه أو لم يكذبوا، فقد صدقوا في ما حكوه عن هذين الحجرين. وإن كانوا صدقوا عنه أنه قال ذلك، فلقد قال قولاً حقاً. وأقبح من هذا كله ما جاء في ذكر الطلاق ونكاح المرأة رجلاً آخر يسمى الاستحلال، وأن يذوق من عسيلتها وتذوق من عسيلته، ثم مراجعة الرجل الأول بعد ذلك. هذا، وقد يكون لها أولاد رجال نبلاء، وبنات كبار ذوات بيوت، والزوج الذي له الشرف النفيس والحسب الخطير وتكون هي المرأة النبيلة في قومها. فهل تدعوني إلى مثل هذا الذي تستشنعه البهائم وتستقبح فعله؟
وأما قولك إنك تنظر إلى حرم رسول الله وتشاهد تلك المواضع المباركة العجيبة، فقد صدقتَ في قولك إنها مواضع عجيبة. وأما قولك إنها مواضع مباركة، فخبِّرني ما الذي صحَّ عندك من بركتها؟ أي مريض مضى إليها فبرئ من مرضه، أو أي أبرص زار ذلك المكان فذهب عنه برصه، أو أي أعمى ذهب إلى تلك البقعة فانفتحت عيناه، أو أي مخبط من الشيطان حُمل إلى ذلك البلد فرجع صحيحاً سليماً؟ فما أظنك تفكر في مثل هذا وتقول إن مثل ذلك الموضع فعل مثل ذلك! وليس أحد على وجه الأرض يقدر أن يدَّعي شيئاً مما طالبناك به إلا من آمن بالنصرانية. فقد عرفنا البركات تحل في المواضع التي يُعبد الله فيها حق عبادته ويسكنها الأبرار الصالحون الأتقياء الذين وهبوا أنفسهم لله، فهم في طاعته دائبون ليلهم ونهارهم، وقد رفضوا الدنيا ونزعوا عن قلوبهم الفكر منها والاهتمام بشيء من أمرها، فهم أحقّ بأن تنزل البركات من عند الله عليهم وعلى مساكنهم، وتنزل الأشفية والعوافي على أيديهم، وإذا سألوه أعطاهم، وإذا طلبوا أنجح طلبتهم، وإذا تشفَّعوا إليه شفعهم، وإذا دعوه أجابهم، لأن موعده لا يُخلَف فيه ولا يضيع عنده أجر المحسنين. وكذلك قال الله على لسان داود النبي: عَيْنَا الرَّبِّ نَحْوَ الصِّدِّيقِينَ وَأُذُنَاهُ إِلَى صُرَاخِهِمْ (مزمور 34:15). والرَّبُّ قَرِيبٌ لِكُلِّ الَّذِينَ يَدْعُونَهُ، الَّذِينَ يَدْعُونَهُ بِالْحَقِّ (مزمور 145:18). وأكد المسيح هذا بقوله: اِسْأَلُوا تُعْطَوْا. اُطْلُبُوا تَجِدُوا ثم قال في موضع آخر: إِنِ اتَّفَقَ اثْنَانِ مِنْكُمْ عَلَى الْأَرْضِ فِي أَيِّ شَيْءٍ يَطْلُبَانِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُمَا مِنْ قِبَلِ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ (متى 7:7 و18:19). فقد أنجز وعده وحقق قوله، فليس من مكروب ولا ملهوف ولا محزون ولا مريض ولا مستغيث يسأله بإيمان صحيح ونية صادقة وقلب سليم من أولياء المسيح باسم المسيح المقدس الطاهر، إلا فرج عنه همه وغمه كربه. فهذه الديارات العامرة بالبِيَع، وجميع المواضع التي يُذكر فيها اسم المسيح مخلص العالم، ويأوي فيها الرهبان ممتلئة من هذه البركات تفيض على جميع من صار إليها وقصدها بإخلاص نيته، لا يطلب من أحد ثمناً ولا مكافأة، ولا ينال على ذلك جزاءً ولا شكراً، لأن المسيح مخلص العالم قال في إنجيله الطاهر: مَجَّاناً أَخَذْتُمْ مَجَّاناً أَعْطُوا. لَا تَقْتَنُوا ذَهَباً وَلَا فِضَّةً (متى 10:8 و9). فهم حافظون لوصيته تابعون أمره مقتفون أثره.
( يتبع الجزء السادس)