فاطمة ناعوت
نشرتُ هنا يومَ الأحد الماضي، في نافذتي الأسبوعية بجريدة “اليوم السابع”، الجزءَ الأول من الرسالة التي أرسلها لي طبيبٌ مصريًّ يعيش في كندا، من أجل أن أرسلها بدوري إلى فضيلة شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب. ولأن ما على الرسول إلا البلاغ، فإنني أقوم بدوري كاملا غير منقوص في نقل الرسالة يدًا بيد، دون أدنى تدخّل مني في مضمونها لا بالزيادة ولا بالنقصان؛ طامحةً في أن يقرأها مَن أُرسلت إليه، ومَن يعنيه الأمر. واللهُ، وإفشاءُ السلام والمحبةُ، من وراء القصد.
في الأسبوع الماضي وصلنا إلى الملاحظة رقم (3) من الرسالة، التي خلُصت إلى نتيجة تقول إن “النصرانية” تختلف كُليًّا عن “المسيحية”، وإن القرآن الكريم يرفضُ ويُحرّم هرطقاتٍ يرفضها المسيحيون أنفسُهم، مثلما يرفضها الإيمانُ المسيحيّ ولم ينادِ بها مطلقًا، والعهدةُ دائمًا على كاتب الرسالة وراسلها لي: الدكتور هاني شنودة/ كندا. وإليكم الجزء الثاني:
4- استنكر القرآنُ الكريم أن يكون لله ولدٌ كما جاء في الآيتين: “بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.” الأنعام 101، “أَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا.” الجن 3. تفسير الآية الأولى دليلٌ ساطعٌ واضحٌ قاطعٌ حاسم على أن البنوّة التي يستنكرها القرآن هى بنوة تناسلية. يقول الطبري: “الولدُ يكون من الذكر والأنثى.” ويقول الزمخشري: “الولادة من صفات الأجسام.” ويقول ابنُ كثير: “الولد يكون متولّدًا بين شيئين متناسبين.” ويقول البيضاوي: “الولد ما يتوّلد من ذكر وأنثى متجانسين.” والله سبحانه وتعالى مُنزهٌ عن الُمجانسة. إذن فالقرآنُ الكريم يستنكر بُنوةً تناسلية لا تعرفها المسيحية وإنما كانت تعرفها هرطقةٌ كانت متواجدة في الجزيرة العربية في القرن السابع الميلادي سمّاها القرآن: “النصرانية”. من ناحية أخرى يتضح من التعبير: “اتخذ”؛ وجود الولد قبل اتخاذه. أى أن المسيح عليه السلام كان موجودًا بالجسد قبل أن يتخذه الُله ولدًا له. وهذا لا تقول به المسيحيةُ على الإطلاق. ومرة أخرى، يشير هذا بجلاء إلى أن القرآن الكريم يتحدث هنا أيضًا ومن جديد عن “الهرطقة” التي دُعى أصحابُها بالنصارى ولا يتحدث عن الرسالة المسيحية كما يعرفها المسيحيون.
5- القرآنُ الكريمُ يستنكر تثليثاً غريبا على المسيحية، لم تقله ولم تُقرّ به. جاء هذا في سورة المائدة: “وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ.” المائدة 116.
وليس هناك أدنى شكّ في أن الأمهات من كتب التفسير في تناولها لهذه الآية تتكلم عن آلهةٍ ثلاثة، هم: الله – المسيح – مريم. وهي بدعةٌ نُصرانية، وليست مسيحية، تواجدت في الجزيرة العربية وقت ظهور الإسلام، قبل 1400 عامًا، وليس للمسيحية أدنى علاقة بها، من قريب أو من بعيد. فالقولُ في الآية بالغ الوضوح: “إلهين من دون الله”، أي أن هناك “ثلاثةَ” آلهة، أو إلهين إلى جوار الله! حاشاه الواحد الأحد. وهذا ما لا يقوله أي مسيحيِّ على الإطلاق، ولا يُقرُّ به الإيمانُ المسيحيّ. إن القرآن يتكلم عن تثليث لا تعرفه المسيحية.
وللرسالة بقية.