لفتَ انتباهي فيديو لإحدى النساء اللواتي تحمّلنَ بفطرتهنّ مآسي بحياتهنّ جمّة ولما حمله
وضعها من معاني ليست كالمعاني التي أرادتها تلك الكلمات , حيث حملت كلماتها من العبودية ما لا يستطيع حمله الإنسان السوي , وأضافت لعبوديتها ذلك الخنوع والرضوخ للقدرٍ المحتوم الذي التصق بشعوبنا دون فكاك , فعجزنا عن أي عملٍ نبتغي من ورائه تحسين حياتنا , بمعنى إن المفاهيم اختلطت علينا وتاهت مقاييسنا بزحمة مشاكلنا بسبب تلك المفاهيم , ولم نعُد نُميز بينهما كما سيتوضّح هذا من خلال اللقاء لهذه المرأة المبسوطة والتي أرادوا لها أن تكون رسالة موجهة لكل العالم دون أن يكتفوا بأوطانهم والخراب الذي لحق بها , فكان الهدف من لقائها هو زرع فكرة الصبر على البلوى والقناعة بها , لتصاحبها حالة من السعادة ترافقها نشوة غريبة .
فكيف لا ينتشي العبد وكيف لا يشعر بالسعادة في اليوم الذي يتلقى فيه نفس الضربات من سيّده دون زيادة فيها ؟
وكيف لا تشعر المرأة بالسعادة والممنونية من زوجها الذي لم يفكر بالزواج عليها , وكيف لا تُسعد في حالة رضاه عنها لما قدمته له من طاعة مصحوبة بخدمتها له ؟
هي نشوة من غاب عقله بفعل تخدير الأفيون الذي رضعه من ثدي أمة غاب عنها وعيها , هي الاكتفاء بسعادة سلبية ووهمية لا تُحسب على السعادة الحقيقية , كأن يكتفي العبد برضا وسعادة سيده فقط رغم القهر الواقع عليه بعد أن يقارن وضعه مع من هم أتعس منه حالا من العبيد أمثاله الذين يتلقون كل يوم وبرحابة صدر جلد سيدهم لهم , ليكتفي بوضعه ويعتبره نعمة وفضل عليه , مقارنة بغيره ممن هم أتعس منه حالاً ليزداد خنوعا ويُسعد بوهمه هذا .
والمرأة التي اكتفت بقدرتها على إسعاد زوجها دون أن يتذمر منها ودون ان يضربها كما هو وضع النساء من حولها , وربما يرميها إلى الشارع بعد أن سلبها جهدها وعمرها الذي قضته بخدمته , كل هذه أوهام لا علاقة لها بالسعادة الحقيقية التي تأتي من طموحنا وآمالنا ومن ثم أفعالنا وإبداعنا وما ينتج عنهما من تغيير .
هذه رسالة الست مبسوطة إلى كل العالم …أرادوا بها أن تكون قدوة لنا جميعاً لما تحمله من معانٍ للصبر
أنها مبسوطة وعلامات الانبساط تعلو وجهها , ابتسامتها ابتسامة الرضا والقناعة والقبول ببؤسها وبعفوية المرأة الساذجة القانعة بحياتها رغم البلاء ورغم ما حل بها من كوارث , فالأمور لديها صارت معكوسة بعد أن اعتبرت نكبتها حباً عظيماً , وإغداقاً للنعمة وللرحمة عليها , هي ارتضت بذل الحياة وقسوتها لأنها تنتظر العوض من الله في الآخرة بعد موتها , أما الحياة الدنيا فهي ليست بذات أهمية لديها , رغم عذابات السنين ورغم مآسيها , لكنها تعيش الانتظار على أمل تركّزَ لديها في ما بعد موتها .
هي واحدة من الملايين الذين ابتلوا بمآسي الحياة , فبعد موت زوجها الذي ترك لها ارثه المتكون من خمسة أبناء معاقين يحملون مرض ضمور العقل , مات منهم اثنان بعد أن أكملوا السبعة عشرة عاماً , وبقي لديها ثلاثة يصارعون الموت أمامها وهي سعيدة بقولها أنا راضية بقسمتي .
لا أريد البحث هنا عن حالة التخلف والجهل الذي جعلها تنجب أبناءها الخمسة بالرغم من معرفتها بأنها ستنجب أبناءً معاقين , ولا أريد ألبحث هنا عن وضعها فيما لو كانت لا تستطيع أن ترفض طلب زوجها لو حاول أرغامها على الإنجاب كونها لا تستطيع أن ترفض له طلب , ولكن ما يعنيني هنا هو تلك العقول التي رضخت للذل وتعوّدت عليه .
كل من سيرى هذا الفيديو سيراه بالعيون التي تعوّد أن يرى بها الأمور ومن وجهة نظره التي شكّلت قناعاته وأفكاره , البعض سيقول بأن الصبر مفتاح الفرج , والآخر سيقول القناعة كنز لا يفنى , وآخر سيقول انه الصبر على البلاء وهذه نعمة فضيلة أغدقها الله علينا لنتحمل بلاوينا , والبعض سيرى من تلك المرأة بأنها عظيمة لأنها استطاعت أن تتحمل بأيمانها قسوة الحياة وتواجه بلاءها بابتسامة عريضة اعتبروها ابتسامة القوة والتحدي .
والبعض سيفكر بالأسباب الحقيقية التي اختفت وراءها تلك الابتسامة , وهي أننا شعوب مرهقة أتعبتها آلاف السنين من الانتظار , انتظار الحياة وهي بين أيديهم , معتبرين سعادتهم الحقيقية تكمن ما بعد موتهم !!, وتركوا بلا أباليتهم حياتهم الحاضرة والحقيقية لوجود البديل لها .
تقول مبسوطة : ربنا محبش حد من البشر زي محبني , وأنا شاكراه لأن ابني المعوق يقدر يدخل للحمام لوحدو { كما هو العبد الذي يشعر بالسعادة كون سيده لم يضربه يوم ” قناعة الذل” والشعور بالممنونية لنعمة أنفاسه فقط }
هي لا تستطيع وصف النعمة ألي أغرقها الله بها !!
ثم تقول : عمري مطلبت منه طلب وتأخر عليّ !!
فسألها المقدم : هل طلبتِ من ربنا أن يشفي عيالك ؟
أجابته : طلبت , لكن هو عايزهم عنده كدة ( محاولة أيجاد العذر دوما) وأنا مش زعلانة , أنا فرحانة لأن الله عارف ألصح فين , وعشان عمرُ مزعّلني في حاجة !! ( انتهى )
ما نفع إرادتنا وما نفع عقولنا أذن ؟
أرادوا لمبسوطة أن تكون رسالة لكل العالم وليس للوطن العربي فقط !! ليرتضوا ويسعدوا بمصيرهم الذي اعتبروه محتوماً , قانعين وخانعين له , ولأجل أن تكون قدوة يُقتدي بها من يحاول أن يستخدم عقله للنهوض بواقعه , وأن ينسى شيء اسمه عدم الرضا والتمرد , في محاولة لرفع عنهم كاهل المسؤولية , ليسكنوا وهم مرتاحين البال والضمير .
الرضا سكون على الحاضر ومن ثم سيكون رجوع مستمر إلى الماضي لأن قانون الحياة هي الحركة الدائمة والتغيير المستمر , لكننا خضعنا ضد رغبة الحياة وارتضينا بالسكون والحياة تسير إلى الأمام , فصرنا في رجوع نسبة لها .
فالحيوان يشعر دوما بالرضا والقبول بحياته منذ قرون , ولا زال يشعر بهذا الرضا ووضعه كما هو منذ قرون بلا أدنى تقدم ولا حتى تأخير , وذلك بسبب ميكانيزم عقله وآلية عمله المختلفة عن عقل الإنسان , فما بال ألإنسان الذي امتلك الوعي والعقل الذي يستطيع به من تحسين أوضاعه ؟
لا زالت شعوبنا تعيش على فطرتها الأولى , تشبثت بالقناعة واعتبرتها كنزاً , وصار لها صبرها مفتاحاً لفرجها , معتبرة أن حقيقتها مجرد وهم وسراب , ووهمها هو الحقيقة التي تكمن في ما بعد موتها فقط , اكتفت باستنساخها لحياة أجدادها بل وسُعِدت بحياتها دون أية إضافات .
الرضا والقبول بالواقع التعيس هو نتيجة للجهل بهذا الواقع وهو أكبر عبودية , فالزوج لا يريد لزوجته الوعي بأن لها حقوق مسلوبة لأنها ستتمرد عليه وتحاول أن تتساوى معه بالحقوق بعد وعيها بتلك الحقوق , ووعيها فقط هو الذي سيرجع لها ما سلبه منها , والسيد لا يريد لعبده الوعي بحقوقه الإنسانية التي لا تفرق بينه وبين سيدّه الذي يحاول حصر تفكيره لمعرفته المسبقة بأن الوعي هو مفتاح الفرج له , والمنكوب الجاهل لا حيلة له سوى ان يوهم نفسه بتغييب عقله , ليشعر بنشوة المتأمل الحالم بحياته ما بعد موته! , فأي حكمة يا أصحاب العقول الغافلة عن مصائبها من صبركم على الذل دون محاولة للتغيير متأملين تعويضكم فقط , وبأن هناك من يقف ويتأمل حالكم ويمتحن إرادتكم وصبركم ؟
إبداعنا بوعينا وقوتنا بأملنا …. بهم نهزم التخلف وننصر ألإنسانية