أحمد صبحى منصور
كتاب : نشأة وتطور أديان المسلمين الأرضية
الباب الأول : الأرضية التاريخية عن نشأة وتطور أديان المحمديين الأرضية
الفصل التاسع : إنتشار الوهابية فى دولتها السعودية الراهنة
رسائل بعث بها عبد العزيز للمصريين عبر الصحفى المصرى المغمور
مقدمة :
فى مقابلاته مع الأميرين سعود وفيصل ووالدهما الملك عبد العزيز تم تحميل الصحفى المصرى رسائل غرامية فيها الهيام بالشعب المصرى وصحافته ، فى وقت كانت الوهابية لا تزال ممقوتة وكانت أصداء مذبحة الطائف لا تزال حيّة . كان لا بد من هذه الرسائل للتخفيف وللتبريد وللتلطيف . وإبتلع الصحفى المصرى الطُّعم وقام مخلصا بتوصيل الرسالة منبهرا بالجو الأسطورى الذى أحاطوه به ، فكان هو الأكثر إقتناعا بما ينقل . ونعطى تفصيلا :
أولا : لقاؤه مع الأمير فيصل حاكم الحجاز باسم والده عبد العزيز .
1 ـ فى ص 57 ، يقول : ( وفي مساء ذلك اليوم بلغنا أبواب مكة ، فكان أول ما قمنا به أن طفنا حول البيت الكريم وسعينا بين الصفا والمروة سبع مرات ، وهذا فرض واجب على كل داخل مكة . وكان رجال الحكومة قد أعدوا لنا منزلاً خاصاً قضينا فيه ليلتنا ، وفي اليوم التالي قابلنا سمو الأمير فيصل نائب جلالة والده في حكم الحجاز فشاهدنا فيه أميراً عربياً حلو الشمائل عذب الحديث ذكي الفؤاد ، وكان ارتياحه إلى رحلتي عظيماً ، ولم ينس أثناء الحديث أن يذكر مصر وجلالة مليكها ورجال الأقلام في مصر بنوع خاص بأحسن ما يذكر من طيب الحديث . ). اكرموا الصحفى بمنزل خاص ، ثم إلتقى الأمير فيصل ، ومدحه ، ونقل عنه مدحه للمصريين وملكهم فؤاد الأول ، وصحافة مصر وكُتّابها ( بنوع خاص ).! رسالة موجّهة لمن يهمه الأمر . وقد وصلت لمن يهمه الأمر .
2 ـ ونصب الصحفى نفسه مدافعا عن إحتلال عبد العزيز للحجاز وتولية فيصل حكم الحجاز بعد الشريف حسين . هذا يدل على تعمق تأثره بما أحاطوه به من رعاية وعناية . يقول ص 62 تحت عنوان ( الأمير فيصل ) : ( ولما كان جلالة الملك عبدالعزيز بحكم اضطراره لمباشرة شئون نجد على الأخص ، ولأنه في الواقع لا يريد أن يحصر همه في إدارة شئون الحجاز فقد اقتضت حكمته أن يولي سمو الأمير فيصل ، ثاني أنجاله ، بمثابة قائمقام له في إدارة حكم الحجاز ، بعد ما آنس من تعلق الحجازيين بذاته وميل الشعب الحجازي إلى تسيير شئون الحكم على مقتضى نظام الشورى . وقد أصاب في ذلك كل الإصابة ، وقد أظهر هذا الأمير الصغير السن حكمة الشيوخ ولباقة الحكماء ، فجمع القلوب حوله ، حتى إن ممثلي الدول الأجنبية الذين خالطوه بحكم مهامهم الرسمية شهدوا له بحدة الذكاء وبُعد النظر ورقة الجانب، وكانت رحلته في عواصم أوربا في خلال الصيف الفائت مما أيد حسن ظن هؤلاء وأولئك فيه فنشر دعاية العرب بين أمم الغرب من طريق غير مباشر، وعاد يحمل إلى قومه وبلاده ثقة الأمم المتمدينة بعد أن كان الاعتقاد السائد بينهم أن بلاد العرب يحكمها أناس بعيدون عن المدنية مجردون عن صفات التهذيب الإنساني . ).
الكاتب هنا فى إغراقه فى مديح الأمير فيصل يعرّض بطريق غير مباشر بالشريف حسين الذى ساءت سُمعته بعد هزيمته وظهور خيبته . ونعيد التذكير هنا أن مصطلح ( بلاد العرب ) و ( العرب ) كان يعنى سكان الجزيرة العربية خصوصا نجد والحجاز. كانت فكرة الغرب عنهم سيئة ، ويقول الكاتب فى مدحه لفيصل أنه فى لقاءاته مع الأوربيين نجح فى تغيير هذه الفكرة عن ( العرب ).
ثانيا : لقاؤه مع الأمير سعود .
1 ـ يقول ص 40 تحت عنوان ( عند الأمير سعود ) : ( وقد دعاني سمو الأمير سعود إلى زيارته في قصره الخاص ، فكان أول ما ابتدرني به قوله : لن أنسى ما عشت أهل مصر وحفاوتهم بي ، كما لا تبرح عن مخيلتي تلك المكارم التي طوقت بها عنقي الحكومة المصرية ، ولا أنسى على مدى الدهر عطف حضرة صاحب الجلالة الملك فؤاد الأبوي ، أثناء تشريفي بمقابلته السنية ، فهي صفحات ما فتئت أقلبها منذ وطئت قدماي أرض بلادي بعد عودتي من مصر .وإن قومي ليحفظون كل ذلك لمصر ، ويعدون كل ما نلته من مظاهر الحفاوة والتكريم إنما اختصوا هم به ، فكان موجههاً لهم بالذات .وقال : ولن أنسى كذلك أن أخص بالشكر رجال الصحافة المصرية الذي برهنوا على عظيم محبتهم للإسلام وأهله ،وإني لذلك ما زلتُ أدعو لمصر بكل خير ، وأتمنى من صميم قلبي إحكام صلات الود والصفاء بين البلدين ) .
هذه رسالة غرامية بلا شك .!!
ثالثا : اللقاء الأول بالملك عبد العزيز
ثم إلتقى فى نهاية المطاف بالملك عبد العزيز ليرحّب به الملك عبد العزيز .!!
1 ـ تحت عنوان ( أول حديث ملكي معنا ) يقول ص : 36 : ( وما يجدر بي ذكره أنه بعد أن مثلت بين يدي جلالة الملك كان أول ما ابتدرني به من الحديث أنه هنأني بسلامة الوصول ، وطفق يسألني باهتمام عما شاهدته أثناء سفري الطويل الشاق ، فكان يبتسم ابتسامات الإعجاب كلما أجبته عن سؤال بما لا يخرج عما أسلفتُ بيانه في مقالاتي السابقة . )
عبد العزيز يبدأ بتهنئة الصحفى المصرى ( المغمور ) بسلامة الوصول فى اول كلامه معه . ثم يأخذ من الصحفى تقريرا عن مشوار رحلته وما حدث له فى سفره الطويل ، أى يريد الاطمئنان على نجاح الخطة التى وُضعت لابهار الصحفى . وجاءت الاجابة إيجابية . بعدها أخذ الملك يحدث الصحفى ليزيد إبهاره . نعود الى المؤلف ، وهو يقول:
2 : ( ومن ثم بدأ جلالته يحدثني قائلاً : ” وليس عندنا سوى دين واحد ، ومذهب واحد ، والجميع يؤذن للصلاة وراء إمام واحد ، وهذا ما نشكر الله سبحانه وتعالى عليه ، نعم إن المذاهب أربعة ، ولكننا نعتقد أن مذهب الإمام ابن حنبل هو أقرب المذاهب للسنة النبوية السمحة . فلا نجد عندنا إلا ما يقوله المسلم لأخيه المسلم : السلام عليكم ، وهم مرتبطون جميعاً بكلمة التوحيد ، وعلى هذا الأساس يقوم ملكنا والحمدلله ، نحن لا نبغي الملك لذاته ، فالملك لله الواحد القهار ، فوالله وبالله ، لو أُعطينا ممالك الأرض طراً وأحسسنا أن ببعضها شركاً لبعدنا عنها بُعد السماء عن الأرض ، وليس يعيننا أن نقاتل الكفار ، ولا نبغي عليهم إلا أن يهديهم الله سواء السبيل ، فما داموا بعيدين عنا فليس ينالنا منهم شيء ، ولا نحب أن نذهب إلى ديارهم ، ولا أن نتشبه بهم ، حتى ولا نرتدي شيئاً يلبسونه ، إن المسلم الحقيقي هو الذي يتبع أُصول دينه ، ويرعى أمر الله ، فمن شابه الكفار أو تشبه بهم فلا خير له في الدنيا ولا الحياة الآخرة “
2 / 1 : بعد أن وضع عبد العزيز ضيفه الشاب فى حالة الإبهار جعله يبتلع الأكاذيب ، منها أنه جعل مذهب الحنبلى أقرب المذاهب للتسامح.
2 / 2 : ـ وقوله : ( فلا نجد عندنا إلا ما يقوله المسلم لأخيه المسلم : السلام عليكم ) هو صحيح وفق الدين الوهابي الملاكى الذى يجعل أتباعه يحتكرون الاسلام لأنفسهم ، فهم وحدهم المسلمون يشيع بينهم السلام لأنهم وفق تشريع الدين السنى هم ( دار السلام ) وما عداهم ( دار الكفر والحرب ) ، لأن من عداهم فهم مشركون ( من بقية المحمديين ) أو كفرة ( أهل الكتاب ).
2 / 3 ـ وهذا هو معنى التوحيد عندهم ، فهم أصحاب مذهب واحد يقوم عليه ملكهم . وهم المسلمون الحقيقيون الذين لا يتشبهون بالكفار ، فمن شابه الكفار فلا خير فيه فى الدنيا والآخرة . أى إن لم تكن وهابيا فلا خير فيك فى الدنيا ولا فى الآخرة . والوهابيون وقتها كانوا يرمون غيرهم من المحمديين بالتشبه بالكفار .
ثانيا : حضور المؤلف مجلس عبد العزيز مع مستشاريه :
1 ـ نشرت صحيفة سورية خبرا يقول إن عبد الله بن عابد ترك مكة وحشد جيشا يحارب به عبد العزيز . هو خبر كاذب فقد أصبح ابن عابد من المقربين لعبد العزيز . وجدها عبد العزيز فرصة للتأثير على الصحفى المصرى ، فدعاه لحضور المجلس الملكى الاستشارى ، وقبله تعرف الى عبد الله بن عابد . وحضر الصحفى المصرى المجلس الملكى وكان ضمن الحضور عبد الله بن عابد . ووضعوا نسخة الصحيفة السورية بخبرها الكاذب بجانب الصحفى المصرى ، فقرأه واندهش من الكذب لأن ابن عابد المذكور يجلس فى المجلس مستشارا لابن سعود وليس ثائرا عليه ، لذا تجرّا الصحفى وتكلم منتقدا وناصحا وأثنى على الصحف المصرية فى تثبتها وعدم كذبها . وإلتقط منه عبد العزيز الخيط ، يمدح الصحف المصرية ويلفت النظر الى أنه ليس كل ما تكتبه الصحف يكون صحيحا ، . بالتالى فإن ما يقال ــ مثلا ـ عن مذبحة الطائف ليس كله صحيحا . هذا هو الغرض من إبهار هذا الصحفى الشاب بحضوره هذا المجلس الملكى . أن يرسل رسالة دعائية ودفاعية للشعب المصرية .
2 ـ نرجع الى رواية الصحفى فى كتابه : يقول ص 42 تحت عنوان (في المجلس الكبير ): ( ولهذه المناسبة أذكر أن جلالته تفضل بدعوتي إلى هذا المجلس . وفي الأثناء لفت نظري إلى نبذة في إحدى الصحف السورية جاء فيها أن السيد عبدالله بن عابد ترك مكة وانه حشد جيشاً على جلالة الملك ابن السعود ، في حين أن السيد المشار إليه كان بين الحاضرين في المجلس ! فلما قرأت هذا ابتسمتُ وقلتُ لجلالته :(وما آفة الأخبار إلا رواتها ) فلا يصح يا صاحب الجلالة أن تكون مثل هذه الرواية المكذوبة دليلاً قائماً على أن الصحف سواسية في هذا الباب ،يدلك على ذلك أن الصحافة المصرية مثلاً شديدة التدقيق في رواية الأخبار ، فهي لا تقنع من صحة رواية بما يصل إليها من مصدر معين إلا إذا تثبتت كل التثبت من صدقه ، وكذلك الشأن في كل صحيفة تحترم نفسها ، ولا تبغي سوى تقرير الحقائق وإنارة أذهان الجمهور بها . وهنا قال لي جلالته : إنه يجل الصحف المصرية ويعتبرها في طليعة صحف العالم الإسلامي ، وما كان يقصد من لفت نظري إلى تلك النبذة إلا ليلفتني كصحفي إلى أن كل ما يقال غير صحيح ، وأن جلالته وجيرانه وكل من يتصل بملكه من كبار رجال العشائر وأقطابها على اتفاق ووئام ، فأمن المجلس على قول جلالته وفي مقدمتهم السيد عبدالله المذكور. ).
دهاء عبد العزيز تلاعب بهذا الصحفى المصرى ذات اليمين وذات الشمال .!!