الشرق الاوسط: هاناه ثوبورن
كل ما تفعله روسيا، يمكنك فعله أيضا، هذه هي الرسالة التي تبعث بها واشنطن إلى كل حكومة قمعية متعطشة للسلطة حول العالم. فكل خطوة يتخذها الرئيس فلاديمير بوتين للحد من حريات الشعب الروسي، يتابع القادة الذين يمتلكون نفس عقلية بوتين ردود الفعل الأميركية، (والأوروبية)، وعند رؤية هذه الاستجابات الضعيفة يزدادون جرأة على انتهاك حقوق الإنسان بصورة مشابهة.
ينبع الدافع من حملة بوتين ضد حقوق الإنسان من رغبته في قمع الحركة الاحتجاجية التي اندلعت في ديسمبر (كانون الأول) 2011، عندما نزل مئات الآلاف من الروس إلى الشوارع للتظاهر ضد الانتخابات البرلمانية غير النزيهة. وفي مارس (آذار) 2012، ازداد غضب المحتجين على الانتخابات غير العادلة التي أعادت بوتين إلى الرئاسة.
ردا على ذلك، طورت الحكومة الروسية أدوات قمعية وتكنولوجية جديدة – كان أبرزها استعمال القانون كسلاح – استخدمها بوتين في محاولاته لتأكيد وتوطيد سلطته ومكانته. وكانت الاعتراضات الأميركية على انتهاكاته مؤلمة وضعيفة ولا مبالية.
وإلى الجنوب من روسيا، تنبهت أذربيجان لذلك، ويأمل الرئيس إلهام علييف الذي يدخل انتخابات الرئاسة في أكتوبر (تشرين الأول) تجنب الاضطرابات التي أعاقت بوتين. ويبدو أن تصرفات روسيا التي أضعفت على ما يبدو المعارضة بشكل فاعل، دفعت علييف إلى انتهاج ذلك النموذج القمعي بصورة استباقية. فلإضعاف العزائم على المشاركة في المظاهرات، زادت روسيا قبل عام من غرامة المشاركة في المسيرات غير المصرح بها من 1.000 روبل (31.50 دولار) كحد أقصى إلى 300.000 روبل (9.450 دولار). وقد تحدثت منظمة «هيومان رايتس ووتش» عن رفع عقوبة السجن القصوى لانتهاك القواعد والمشاركة في التجمعات غير المصرح بها من 15 يوما إلى شهرين.
في يوليو (تموز) وفي خطوة تستهدف التضييق على حرية الكلمة، أعادت روسيا اعتبار التشهير جريمة، وعلى نحو متوقع تمضي أذربيجان في طريقها هي الأخرى نحو توسيع تعريف «الإهانة» و«التشهير» وتخطط لضم التصريحات على الإنترنت في سياق قانون التشهير، وسيكون التأثير على حرية التعبير مرعبا.
وبالمثل، راقب قادة أوكرانيا رد الفعل الغربي على انتهاكات حقوق الإنسان الروسية وخلصوا إلى أنه لن يكون هناك ثمن حقيقي لخطاياهم بحق شعوبهم. ويبدو واضحا أن الرئيس فيكتور يانكوفيتش عازم على تعزيز سلطته كما فعل بوتين قبل عشر سنوات، وبدأ في السير على نهج بوتين في ذلك الاتجاه. لعل أبرزها هو استمرار أوكرانيا في اعتقال رئيس الوزراء السابق يليا تيموشنكو – ذي الدوافع السياسية – والذي دفع الأوكرانيين إلى تشبيهه بسجن بوتين لإمبراطور صناعة النفط الروسي ميخائيل خودوركوفسكي.
كما تخضع حرية الإعلام في أوكرانيا للهجوم أيضا، فقد تم الاستحواذ على قناة «إنتر» التلفزيونية العام الحالي من قبل كبير موظفي الرئاسة، وأورد موقع «إي يو أوبزرفر»، أن قناة «إنتر» تخلت عن برامجها الحوارية السياسية، «سبرافيدليفست» – برنامج كان يبث في وقت الذروة لمنتقدي يانكوفيتش – وتم استبدال برنامج يقدمه داعم ليانكوفيتش به.
ووصلت دول أخرى بعيدة من مجال النفوذ الروسي إلى استنتاجات مماثلة، فعندما بدأت حركة الاحتجاج في روسيا في أواخر عام 2011، اتهم بوتين الدول الأجنبية بدعم وإثارة الاضطرابات. وكانت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية من بين أول أهدافه. تم طرد المنظمة بشكل غير رسمي من روسيا العام الماضي، وأوقفت عملياتها وأغلقت منحها. وبعد ذلك ببضعة أشهر، طرد الرئيس البوليفي إيفو موراليس الوكالة بتهمة «التدخل في الشأن البوليفي والتآمر ضد الحكومة».
ومع بدء حركة الاحتجاج التركية في الأسابيع الأخيرة، انتهج رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان خطا مماثلا، مشيرا إلى أن الاحتجاجات كانت بتحريض من «قوى أجنبية». وبدأ أردوغان التطلع نحو تغيير الدستور في تركيا لضمان استمرار حكمه. وقد سمحت التعديلات الدستورية التي أجراها بوتين بإطالة فترة ولايته في رئاسة روسيا، وألهم رئيس الوزراء المجري فيكتور أوروبان للسير على نفس النهج.
هذه السوابق التي وضعتها الولايات المتحدة والغرب بشأن قضايا حقوق الإنسان في روسيا كان لها تداعيات أبعد من الحدود الروسية.. فالتصريحات الأميركية والأوروبية بشأن «خيبة الأمل» في القانون الروسي التقييدي أو السجن السياسي ليست كافية، فالكلمات التي لا تترجم أبدا إلى أفعال ليس لها أي أثر.
يجب علينا أن نوضح لروسيا، وإلى كل الذين يراقبون، أننا لن نساوي أو نكافئ بزيارات وزارية الدول التي تنتهك حقوق مواطنيها بصورة منهجية. إن إقرار قانون «ماغنيتسكي» والعقوبات ضد مجموعة مختارة من منتهكي حقوق الإنسان كانت خطوات واعدة في الاتجاه الصحيح، لكن هناك ضرورة لاتخاذ خطوات أكثر وأقوى.
* محللة شؤون أوراسيا ومقيمة في واشنطن، وإحدى قادة المستقبل لمبادرة السياسة الخارجية لعام 2012 – 2013.
* خدمة «واشنطن بوست»