يدلي بشار الأسد بتصريحاتٍ عنترية، يريد بها إظهاره بمظهر رئيس مستقل، وإنكار حقيقة أنه صار “دميةً” بيد موسكو وطهران، منذ استدعى جيشي الدولتين لاستعمار سورية، ووافق على أن يكون لهما وجود عسكري وسياسي غير محدود زمنيا فيها.
عندما يدعو حاكمٌ على وشك السقوط قوىً استعمارية لاحتلال بلاده، يتحوّل إلى دميةٍ يتلاعب بها، ويحرّكها سادتها الذين يحمونها؟ وبما أن بشار الأسد غدا دميةً في أيدي غزاة استعماريين يحتلون بلاده، فإنه لم يعد رجل خيار وقرار، للسبب السابق، ولأن الحرب السورية تتحوّل إلى حرب إقليمية كونية الأبعاد، لا علاقة له برسمها وتقريرها، ولا سيطرة له على قواتها. لذلك، يضحك السوريون، عندما يعلن تصميمه على استعادة كل شبر من بلادٍ غدا دميةً بيد محتليها الذين ربط مصيره الشخصي بمرتزقتهم، ويتساءلون: بأي قواتٍ ستستعيد “الدمية” أكثر من 70% من الأرض السورية، إذا كان ما بقي من عسكره عاجزين عن صد أي هجوم على مواقعهم، كما حدث، أخيراً، في ريف حماة، حيث نشرت صور الفرار الجماعي لمئات من ضباطه وجنوده الذين كان قد أخبرهم، مراتٍ عديدة، في عامي الثورة الأولين بأنها “خلصت”، وها هو يحتمي بجيش الاحتلال الروسي، بعد مرور نحو من ستة أعوام على حربه ضد شعب يدّعي أنه موال له، بدلالة ما يلقيه عليه، هو والروس، من براميل متفجرة وقنابل ارتجاجية وفراغية وفسفورية، من طائرات جيشه الذي فرّ ثلاث مراتٍ خلال أقل من خمسة عشر عاماً أمام الجيش الإسرائيلي، بعد أن سلمه الجولان، وسوّغ فراره بافتقاره إلى أسلحة وذخائر، ثم تبين بعد الثورة أن لديه من الأسلحة والذخائر ما مكّنه من شن الحرب ضد شعب سورية الأعزل طوال ستة أعوام، لم يستخدم خلالها معظم الذخائر التي تزوّده روسيا بها يومياً.
قال حسن نصر الله عام 2013 إنه أرسل مرتزقته إلى سورية لإنقاذ بشار الأسد الذي كان على وشك السقوط. وفي نهاية عام 2015، قال بوتين لجنرالاته إنه تدخل في سورية لإنقاذ بشار الأسد من السقوط. لكن من كان على وشك السقوط طوال ثلاثة أعوام يستمتع بدور المهرّج، ويتعنتر على السوريين، مؤكّدا اقتناعهم بأنه يستقوي عليهم بمن يحرسونه منهم، من دون أن يدرك أن تدخلهم جعله من مخلفاتٍ ماضٍ ثاروا عليه، نصّب هلفوتاً مثله رئيساً عليهم، لن يذكر التاريخ من “إنجازاته الوطنية”، غير استدعاء غزاة أجانب، وقطاع طرق، وأفاقين، ومرتزقة من حثالات البشر، لشن الحرب عليهم.
إذا كانت إيران وروسيا قد أنقذتا رجلاً متهالكاً، تسبب في حربٍ يرجّح أن تتسع لتصير إقليمية في الأشهر المقبلة، هل يكون من المقبول التمسك به، بحجة تحقيق حل سياسي، هو الجهة الرئيسة التي تحبطه؟ أم يجب التخلي عنه، وردع منقذه وحاميه: فلاديمير بوتين الذي غزا سورية، ودمر ما كان سليماً من عمرانها وقتل شعبها، وها هو ينقل حربها إلى المجال الدولي، بسياسات حافة الهاوية التي تثير توتراً خطيرا مع أميركا، يرتبط منع انفجاره باتفاق موسكو مع واشنطن على تسوية خلافاتٍ ليس لسورية علاقة بها، وحلول لها تلبي مصالح الكرملين، صار من المؤكد أن الحل السياسي السوري لن يتحقق قبل بلوغها، بعد أن كان اتفاق واشنطن وموسكو على أولويته سبيلهما إليها؟
من دون ردع بوتين، سياسياً وعسكرياً، لن يحول شيء دون انتقال الحرب على سورية إلى المجال الإقليمي، أو تتوقف حرب روسيا ضد سورية. والآن: هل تخطط واشنطن لردع روسيا، أم إنها تخطط لحربٍ إقليمية تمعن في تمزيق دول المنطقة، وتغرق روسيا في لجاجها، كانت دوماً هدف البيت الأبيض وقصده الخفي الذي ساق سورية، ويسوق اليوم الدول الإقليمية، وبوتين الأحمق، إليه؟
العربي الجديد: 23/10/2016