في حدود العام 1980 وصلت الى مدينة الرملة في زيارة لعائلة زوجتي والوقت كان عشية ما يسمى “عيد الاستقلال”.
لفتت انتباهي اعلانات ضخمة تملأ شوارع الرملة ومداخلها تدعو السكان الى الاحتفال ب “تحرير” مدينة الرملة وعرب الرملة “المحررة” مدينتهم، الذين يسكنون في احياء مهملة تسمى ب “الغيتو العربي” يقرأون عن احتفالات تحرير مدينتهم.
لست هنا في باب الرد على “رواية التحرير” الصهيونية ولا تفاصيل النكبة الفلسطينية وحصة الرملة فيها وهي حصة كبيرة جدا. انما ساذهب الى تاريخ الرملة التي “حررت” والتي يشملها تشويه تاريخ الوطن الفلسطيني. في حالتنا قد تتحول الرملة الى هدية أخرى من ابراهيم الخليل لأبناء اسرائيل.
كانت الرملة خلال فترة طويلة، خاصة في عهد الدولة الأموية عاصمة للولاية الفلسطينية، لعل في استعراض التاريخ ادراك ان الغطرسة والاستعلاء هي نتيجة طبيعية للصوصية والتزوير.
بنى سليمان بن عبد الملك بن مروان مدينة الرملة عام (710ميلادية) يوم كان واليا على فلسطين في عهد أخيه الخليفة الأموي الوليد (705 – 715م) وواصل سليمان بناء المدينة بعد ان تولى الخلافة بعد الوليد، لكنه لم يعمر طويلا. اذ توفي بعد عامين ونصف العام (717م) لكنه حول الرملة الى عاصمة الولاية بدل مدينة اللد المحاذية لها.
جاء بعده عمر بن عبد العزيز الذي تابع ما بدأه سليمان من بناء مدينة الرملة، فبنى الجامع الأبيض، اذكر هذا الجامع منذ تلك الأيام ببنائه المتهالك، لكنه رمم فيما بعد. قام عمر بن عبد العزيز ببناء “العنزية” وهو مجمع لسقي المعزة، ما زال ذلك الموقع من اجمل آثار الرملة التاريخية ومن معالمها السياحية الجميلة. العنزية عبارة عن نبع وبركة ضخمة تحت الأرض، ينزلون اليها بدرج شديد الانحدار، بالإمكان ركب قارب صغير والتجديف به في ارجاء البركة.
كانت تنشل المياه من البركة لسقي القطيع، لكن المكان مهمل نسبيا وتاريخه مشوه.
هناك رواية اخرى تقول ان العنزية بالأصل هي كنيسة اسمها “سانتا هيلانه”، وهو من الأسماء اللتي يعرف بها الموقع حتى اليوم، بنتها حسب الرواية الملكة هيلانه ام الإمبراطور قسطنطين، التي يعتبر دخولها للمسيحية انطلاقة عظيمة للمسيحية حولت المسيحية الى دين امبراطورية قسطنطين وبداية لانتشار عالمي واسع للمسيحية. رُسمت هيلانه قديسة بسبب اعمالها في بناء عشرات الكنائس في الأماكن التاريخية للمسيحية ونشر المسيحية.
هناك رواية تقول ان العذراء مريم في طريقها الى القدس هربا من هيرودوس، استراحت في ذلك المكان، وان كنيسة سانتاهيلانه المذكورة غمرت ارضها مياه الينابيع بسبب انخفاضها وتحولت الى بركة ماء تحت ارضية، بني فوقها مسقى العنزية. بسبب اهمال دائرة الآثار للآثار العربية والاسلامية، لم يتم الكشف عن الكثير من سراديب وطرق وابنية الرملة التاريخية، ظلت مغلقة بالأتربة ولا يجري الكشف عنها، هذا عدا عشرات المقامات والأضرحة الدينية الاسلامية ذات القيمة التاريخية، أبرزها مقام النبي صالح ببرجه الشامخ ، البعض يقول ان اسمه النبي الصالح مع “ال” التعريف.
كان وقتها مهملا واشبه بمجمع للنفايات. اليوم نظف واستغلت الأرض لمشاريع بلدية .. وقد علمت ان مهندسة رملاوية تقوم بالعمل على كشف “اسرار” الرملة العربية ومعالمها التاريخية، لكن يبدو ان المهمة أكثر صعوبة من رغبة شخصية ودافع وطني.
من الجدير ذكره ان آخر رئيس لبلدية الرملة قبل النكبة هو الشيخ مصطفى الخيري، البعض يقول انه يعقوب القصيني، مهما كان الخلاف فالإثنان هما آخر رئيسان لبلدية الرملة العربية قبل ان “تحرر” – الأول مسلم والثاني مسيحي وتلك دلالة هامة لحياة التآخي والتفاهم التي سادت المجتمع الفلسطيني ومدينة الرملة العربية ، قبل الظواهر الطائفية المقلقة التي بدأت تنتشر اليوم وتزيد مجتمعنا تفسخا.
مدينة الرملة التي “حررت” على آخر زمان، كانت خلال تاريخها الطويل، مركزا للثورات العربية التحررية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، منذ اواخر العصر الأموي وحتى الفتح الصليبي، أي لفترة تزيد عن اربعة قرون وهذه أهم معالم تلك الثورات.
اول ثورة يحدثنا عنها التاريخ كانت ثورة عام(743م) نصب خلالها الثوار احد ابناء سليمان بن عبد الملك قائدا لهم وذلك حفظا منهم لعهده وقد بايعوا ابنه يزيد أميرا للمؤمنين، لكن الوليد الثالث خليفة دمشق استطاع القضاء على الثورة بمعارك دامية.
بعدها كانت ثورة المبرقع اليماني، الذي انتفض على المعتصم خليفة بغداد عام (841م)وقد هزمت جيوش الخلافة المبرقع وأسرته ونقلته الى سامراء العراق.
حين تولى الشيخ عيسى بن عبدالله الشيباني ولاية الرملة ( فلسطين) قام بجهود مضنية لإقناع المعتمد الخليفة العباسي باستقلال فلسطين، لكن جهوده فشلت، فتمرد على المعتمد، الذي ارسل الجيوش وقضى على تمرد الشيباني ومحاولته اقامة دولة فلسطينية وطرده من بلاد الشام كلها.
في النصف الثاني من القرن العاشر الميلادي والنصف الأول من القرن الحادي عشر، جرت محاولات كثيرة قام بها آل جراح في سبيل استقلال فلسطين عن دولة الخلافة… وذلك من عاصمة ولاية فلسطين مدينة الرملة، لكن ثوراتهم وتمرداتهم المتواصلة فشلت في مواجهة جيوش الخلافة العباسية، رغم الفترة الطويلة التي صمدوا بها.
هذا التاريخ يبين ان الشعب الفلسطيني ليس وليد الصدفة، كما تحاول ان تصوره الرواية التاريخية الصهيونية، انما هو شعب جذوره عميقة بالتاريخ والنضال من أجل الاستقلال. له ثقافته وحضارته الخاصة والتي هي جزء من الثقافة والحضارة العربية، من الضروري ان نؤكد ان العرب في بلاد الشام ، كانوا قبل الاسلام بعشرة الاف سنة.
nabiloudeh@gmail.com
-
بحث موقع مفكر حر
-
أحدث المقالات
-
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **بقلم سرسبيندار السندي
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **بقلم سرسبيندار السندي
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **بقلم سرسبيندار السندي
- ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.بقلم مفكر حر
- ** تساءل خطير وحق تقرير المصير … هل السيّد المَسِيح نبي أم إله وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- ابن عم مقتدى الصدر هل يصبح رئيساً لإيران؟ طهران مشغولة بسيناريو “انقلابي”بقلم مفكر حر
- ** ما سر تبرئة أل (سي .آي .أي) لبوتين من إغتيال نافالني ألأن **بقلم سرسبيندار السندي
- المجزرة الأخيرةبقلم آدم دانيال هومه
- ** بالدليل والبرهان … المعارف سر نجاح ونجاة وتقدم الشعوب وليس الاديان **بقلم سرسبيندار السندي
- رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسيةبقلم طلال عبدالله الخوري
- كيف تفكك مجتمعا ما وتدمر حاضره ومستقبله؟بقلم علي الكاش
- مباحث في اللغة والادب/ 78 وسامة الرجل في التراثبقلم مفكر حر
- دراسة موجزة عن ديوان (فصائد في قصيدة واحدة) للشاعر والأديب ميخائيل ممو.بقلم آدم دانيال هومه
- ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- ** لماذا الإطاحة بالنظام الايراني … غدت ضرورية غربية ودولية **بقلم سرسبيندار السندي
- الحزب الشيوعي لايختلف عن الاحزاب الدينية الفاشية .. الداخل مفقود والخارج مولودبقلم مفكر حر
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **
أحدث التعليقات
- مفكر حر on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- معتز العتيبي on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- James Derani on ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **
- جابر on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- صباح ابراهيم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **
- الفيروذي اسبيق on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- س . السندي on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- عبد الحفيظ كنعان on يا عيد عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا.. عبد الحفيظ كنعان
- محمد القرشي الهاشمي on ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسية
- صباح ابراهيم on ** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on علماء النصارى كانوا يتسمون اسماء اسلامية
-
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **
-
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **
-
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **
-
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **
-
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **
-
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **
-
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **
-
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **