روبرت فورد
لم تبلغ الانتخابات البرلمانية العراقية في 12 الشهر الحالي حد الكمال بحال. وبلغتنا أنباء عن محاولات التزوير وفرض السطوة وغير ذلك من الضغوط. ورغم ذلك، هناك لجنة الانتخابات العراقية التي تضم مجموعة من المواطنين العراقيين الذين ينتمون إلى مختلف الأحزاب والتيارات العراقية، أشرفوا على إجراء الانتخابات، ويبحثون ملياً في المشاكل المتعلقة بها، ويعلنون نتائجها على الملأ. ودائماً ما يكون إعلان النتائج النهائية للانتخابات أبطأ قليلاً نظراً لأنه يتعين على اللجنة الانتخابية النظر في كافة مزاعم التزوير المقدمة إليها. وحتى الآن، لدينا النتائج الأولية فقط ومن شأن النتائج النهائية أن تختلف عنها بعض الشيء. والأهم من كل ذلك، أنه نظام عراقي لصالح الشعب العراقي.
وحتى قبل أن يعرف الشعب العراقي والعالم بأسره بشأن النتائج النهائية للانتخابات، أرسلت دولتان كبيرتان مبعوثين مسؤولين عن الملف العراقي للبدء في الاجتماع مع القادة السياسيين في بغداد؛ إذ كان السيد بريت ماكغورك في العراق بتاريخ 13 مايو (أيار) للاجتماع مع بعض الشخصيات العراقية البارزة من الذين يعرفهم السيد ماكغورك جيداً وعبر سنوات طويلة. وكانت المحادثات تتسم بالمودة وربما لم تتطرق إلى الكثير من التفاصيل الدقيقة.
ومع ذلك، كان حرياً على أي مراقب للشأن العراقي أن يتذكر كيف تدخلت الولايات المتحدة في أعقاب الانتخابات العراقية في أعوام 2005، و2006، و2010. ولا يزال الكثير من العراقيين يعتقدون بالتورط الأميركي في إنشاء تنظيم داعش الإرهابي. ولقد انتقد حسن سالم من كتلة
«الصادقون» العراقية وائتلاف «الفتح» في بغداد زيارة ماكغورك، وحذر من أنه يبدو أن الجانب الأميركي يحاول التلاعب في نتائج الانتخابات. وهذا ليس بالتوقيت الجيد، كي يبدأ الأميركيون في صراع جديد ضد مقتدى الصدر لأن كتلته هي الأكبر داخل مجلس النواب العراقي. ولعل الأهم من ذلك هو أن انتقاد نزاهة الانتخابات العراقية يجلب المزيد من الشكوك العميقة بين الكثير من المواطنين العراقيين بشأن نظامهم السياسي. ولم تصوّت نسبة 44 في المائة بالفعل من المواطنين العراقيين في الانتخابات الأخيرة، ويرجع ذلك جزئياً إلى دعوة عامة غير رسمية لمقاطعة الانتخابات. ويرغب الأميركيون في استقرار البلاد، وإرساء أسس الديمقراطية في العراق، ولذلك فإنهم في حاجة لأن يتوخوا المزيد من الحذر لئلا يخلقوا مشاكل تتعلق بمصداقية الانتخابات والمفاوضات لتشكيل الحكومة الجديدة.
وبطبيعة الحال، وصل الجنرال قاسم سليماني، قائد «فيلق القدس» المتفرع عن الحرس الثوري الإيراني، إلى بغداد في 14 مايو. ووفقاً إلى التقارير الإخبارية الصادرة من العراق، كان قد اجتمع مع تحالف «دولة القانون» بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، كما اجتمع أيضاً مع زعماء ائتلاف «الفتح». وذكرت وسائل الإعلام العراقية أن سليماني يحاول بالفعل تشكيل كتلة برلمانية تضم ائتلاف «الفتح»، وتحالف دولة القانون، وتحالف رئيس الوزراء حيدر العبادي. وربما يحاول سليماني ممارسة بعض الضغوط على مقتدى الصدر للانضمام إلى الكتلة المذكورة كذلك حتى مع أن مقتدى الصدر كان قد لمح إلى أنه لن ينضم إلى حكومة ائتلافية تضم ائتلاف «الفتح» وتحالف دولة القانون. ولقد انتقد مقتدى الصدر الميليشيات المدعومة من إيران في البلاد الكثير من المرات، وهو يحاول إظهار استقلاليته عن الولايات المتحدة وعن إيران.
إن هاجم الصدر الحكومة العراقية الجديدة باعتبارها نتاجاً للتدخل الإيراني، فإن الحكومة الجديدة، والنظام العراقي بأسره، سوف يواجهان مشاكل كبيرة في الثقة والمصداقية بمجرد البدء في العمل. لا شك أن الجانب الإيراني قد لاحظ أنه في الليلة التي أعلنت فيها لجنة الانتخابات عن النتائج الأولية، انطلق الكثير من المواطنين العراقيين إلى الشوارع يهتفون قائلين: «إيران برا برا! العراق حرة حرة!». ولدى إيران نفوذها الكبير في العراق من دون شك، ولكن كل مواطن عراقي شيعي المذهب ممن قابلتهم خلال سنوات وجودي الخمس في العراق كان لديه شعور قوي بالهوية والوطنية العراقية وذلك لأنهم جميعاً ينطقون باللغة العربية، وهناك شعور قوي بالعلاقة الرابطة بالبلدان العربية الأخرى. وكتب ناشر صحيفة «الزمان» العراقية، فاتح عبد السلام، في 15 مايو أن هناك مخاطر على إيران إذا ما اتخذ زعيم تحالف «سائرون» العراقي موقفاً معارضاً قوياً ضد الحكومة العراقية الجديدة المدعومة من إيران في بغداد.
وفي نهاية المطاف، ينبغي على الولايات المتحدة وإيران التحلي ببعض التواضع. عندما كنت أعمل في العراق، دائماً ما صنع الساسة العراقيون الذين أيدناهم في انتخابات أعوام 2005، و2006، و2010، الكثير من المشاكل الكبيرة. ونحن لم نفهم العراق بصورة جدية للغاية ما أسفر عن ارتكابنا الكثير من الأخطاء هناك. ومارس الجانب الأميركي الضغوط الكثيرة على الساسة العراقيين في عام 2010 لقبول نوري المالكي رئيساً لوزراء البلاد آنذاك. وحذرنا العراقيون من كافة أنحاء البلاد من خطورة هذا القرار غير أننا لم نصغ إليهم ألبتة.
كما مارست طهران هي الأخرى ضغوطاً كبيرة لصالح ترشيح المالكي. ولقد شهدنا نتائج خطوات التدخل الأجنبي في عامي 2013 و2014 عندما لم تتمكن حكومة نوري المالكي الفاسدة من السيطرة على مشكلة تنظيم داعش الإرهابي.
وفي عام 2018 الحالي، يجب على الأجانب البقاء بعيداً تماماً عن العراق وترك العراقيين وشأنهم للتفاوض بمعرفتهم في تشكيل الحكومة الجديدة في بلادهم. فمن شأن الصفقات السياسية أن تستغرق الكثير من الوقت.
والشعب العراقي يتسم بالذكاء ومفاوضوه صارمون للغاية. (اعتدت أن أقول إن كانت لديّ قضية أرفعها في يوم من الأيام سأستعين بمحام كردي درس القانون في مدينة النجف!) فإن كانت الصفقات السياسية العراقية دون المستوى، على الأقل سيتفهم الشعب العراقي مسؤوليته ولا يلقي باللائمة على الأجانب. ويمكنهم القيام بالخطوات الكبيرة بأنفسهم. فإن نجح الشعب العراقي في إبرام الصفقات السياسية الناجحة، ربما ينبغي على الولايات المتحدة طلب المساعدة الفنية من بغداد لمعاونة الكونغرس الأميركي والحزبين الجمهوري والديمقراطي!
الشرق الأوسط