فشلت الحريات في أوروبا فشلا ذريعًا في حماية بلادها من هجمات الإرهاب، و باسم الإنسانية قامت كثير من الدول الأوروبية بإيواء كل من هب ودب، فلم تفرق بين المسالم والإرهابي ولا بين اللاجئ من ويلات الحروب وبين مجرمي الحروب، ووضعت المؤمنين بالحريات والتعددية الثقافية على قدم المساواة مع الكافرين بحرية العقيدة والفكر، فأنتجت مسخًا مخيفًا أضحي يلتهم الجميع، وبات يهدد الحريات في أوروبا والعالم بأسره.
تسببت الهجمات الإرهابية على يد الحركات الجهادية في ظهور الأحزاب اليمينية في أوروبا وهكذا باتت القارة على شفا حفرة من فقدان تعدديتها الثقافية وقيم التسامح والتعايش لتبدأ بوادر النزعات العنصرية والطائفية والأمر أشد خطورة مما نتخيل.
ذاقت تلك البلاد الأوروبية ويلات الحروب على مدى قرون، وانتهت الحروب الدينية وأسست حضارتها على حجر زاوية أسمته العلمانية الإنسانية، لتسع الأوطان الجميع، على فرضية التعايش السلمي لا على فرضية حماية الإرهابيين.
لا حرية لأعداء الحرية هي المقولة الشهيرة للفيلسوف الفرنسي فولتير والتي قالها منذ أكثر من ثلاثمائة عام ويزيد، والتي لكثرة ما تم ترديدها أصبحت مبتذلة على مسامعنا. فالأمر لا يحتاج إلى التكرار أو الاعادة ، فالمعادلة ليست عسيرة، بكل بساطة … لا حرية لمن ينشرون خطاب الكراهية ، لا حرية لمن يحملون الأحزمة الناسفة، لا حرية لمن يفخخون السيارات ويقتلون بدم بارد.
ولطالما حذر الفيلسوف النمساوي البريطاني كارل بوبر من خطر التسامح الأحمق قائلا التسامح اللامحدود لابد أن يقود إلى اختفاء التسامح , لأننا إن تسامحنا بلا حدود مع المتطرفين، عندها يموت المتسامحون ويموت التسامح معهم.. وبالتالي يجب علينا, وباسم التسامح, أن نعلن حقنا في عدم التسامح مع المتعصبين, ويجب علينا أن نعلن أن أية حركه تدعو للتعصب والتطرف تكون قد خرجت عن القانون , ويجب أن نعتبر أي تحريض على العنصرية والتطرف جريمه.
كفرت الحكومات الأوروبية المتعاقبة والمتحاذقة بما قاله فولتير وكارل بوبر وضربت به عرض الحائط فسقط الحائط على رأسها ليحدث دويًا هائلا.
إيواء الإرهابيين تحت شعارات اللجوء السياسي أضحى سلاحا ذو حدين، قد تستسغله حكومات بعينها في أجندات سياسية لضرب الخصم وقد ينقلب عليها ويفتك بها لتجني الحصاد المر.
لربما نتساءل كم من عملية إرهابية ستشهدها أوروبا لتعي أن الدواء فيه سم قاتل ” للجميع “.
في كتابه “العلاقات السرية” الصادر عام 2010 ، حاول المؤرخ البريطاني ” مارك كيرتس ” أن يحلل سبب إيواء البلاد الأوروبية وعلى رأسها العاصمة البريطانية للإرهابيين من الشرق الأوسط، الهاربين من العدالة في بلادهم، على خلفية جرائم إرهابية شنعاء، لمجرد تحقيق أهداف قصيرة المدى.
وقد استفحل الزحف المقدس للحركات الجهادية على لندن للدرجة التي جعلت الصحف الإنجليزية ذاتها تطلق علي العاصمة ” لندنستان” في سخرية من سياسة انجلترا في عقد الصفقات والموائمات مع النازحين الجدد من الجماعات الإسلامية الراديكالية وما على شاكلتها.
أورد ” مارك كيرتس ” وهو المتخصص في شئون السياسة الخارجية للحكومات الغربية وعلاقاتها الآثمة مع جماعات الإرهاب سببين لمنح هؤلاء المتطرفين حق اللجوء السياسي في أوروبا وهو ما أسماه في كتابه نظرية ” الملاذ الآمن للإرهاب”
السبب الأول هو اعتقاد صانعي القرار بأنه إذا تحولت بلادهم لملاذ آمن للإرهابيين سيأمنون شرورهم، على اعتبار أن هؤلاء الارهابيين ينفذون هجمات تستهدف ضرب الاستقرار في البلاد العربية والتقليل من شأن الحكام العرب .
والسبب الثاني حسب المؤلف أن كثير من تلك البلاد استشعرت صعود الحركات الإسلامية في الشرق الأوسط ورأت فيها بديلا للحكام العرب . فأرادت أن تكون في مشهد عملية الانتقال السياسي مهما كان عنيفًا .
و الرؤيتين حسب مارك كيرتس فيهما قصور كبير من صانعي القرار الذين لم يقدروا خطورة انقلاب الإرهاب الأسود على أوروبا وها قد ضربت القارة عدة هجمات إرهابية كان آخرها ما شهدته باريس قبل يومين والتي أودت بأكثر من 130 قتيل .
ألم تتعلم أوروبا الدرس؟ ألا يوجد مستشارين للشئون الأمنية ليضعون سياسات تبتر خطر الجماعات الراديكالية بدلا من منحها الملاذ وحقوق اللجوء السياسي .
كتاب ” أبجديات التصور الحركي في الإسلام ” وهو كتاب أشبه بالكتالوج للحركات الإسلامية في الخارج ، يسرد الهدف من هجرة الجهاديين إلى ربوع العالم وحثهم على ضرورة العمل من القارة الأوروبية والأمريكية معًا.
الكتاب يستند إلى الآية القرآنية “ألم تكن أرض الله الواسعة فتهاجروا إليها” ويدعو المجاهدين بالتمركز في أراض جديدة واتخاذها قواعد لنشر الدعوة وتنفيذ الهجمات نصرة لله وهو “تخطيط استراتيجي” يهدف لغزو العالم بما فيها البلاد الأوروبية التي فتحت أبوابها لهم.
وأضحت أوروبا اليوم في موسم الحصاد المر