رؤية واقعية لحل الأزمة السورية

جيمي كارتر – روبرت إيه. باستر- واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس- ترجمة الاتحادsyr

في السادس والعشرين من نوفمبر، أطلق أمين عام الأمم المتحدة «بان كي مون»، دعوة أخرى إلى عقد مؤتمر للسلام حول سوريا في جنيف في الثاني والعشرين من يناير المقبل. والواقع أن هذه الدعوات ما فتئت تطلق منذ يناير 2011، ولكن أياً من الفرقاء لا يستجيب لها لأنه سُمح لكل واحد منهم بتحديد الشروط المسبقة للمفاوضات. والحال أن الطريقة الوحيدة للخروج من هذه الطريق المسدودة تكمن في تحديد الولايات المتحدة وقوى كبرى أخرى لشروط المشاركة وفرضها.

وخلال فترة العامين ونصف العام الماضية، مات أكثر من 100 ألف سوري، وفر أكثر من مليونين من البلاد كلاجئين، فيما اضطر 6 ملايين آخرون للنزوح إلى مناطق أخرى داخل سوريا. كما ازدادت الحرب المستعرة بين المجموعات الطائفية الكثيرة في سوريا وحشية في وقت أخذت فيه بعض البلدان المجاورة تتدخل بشكل أكبر في محاولة لمساعدة هذا الطرف أو ذاك على الانتصار. ولكن آن الأوان لطرح هذا السؤال: لماذا ظلت الدعوات المستمرة إلى الجنوح للسلام من دون فائدة؟

يشدد خصوم نظام الأسد على أن الهدف من مؤتمر جنيف ينبغي أن يكون هو استبدال الحكومة، وهو شيء يرفضه الأسد على نحو متوقع. وفي المقابل، تطالب حكومة هذا الأخير بأن تقوم مجموعات المعارضة المتشرذمة على نحو متزايد، والتي تصفها جميعها بأنها «مجموعات إرهابية»، بوضع كل أسلحتها قبل أي حديث عن التفاوض حول السلام. وهذا الطريق المسدود هو الذي يفسر لماذا يبدو من المستبعد أن تكلل أحدث دعوة للتفاوض في يناير المقبل بالنجاح.

والواقع أن الأمم المتحدة كانت محظوظة لتوفرها على مبعوثين خاصين لامعين مكلفين بالملف السوري -هما كوفي عنان والأخضر إبراهيمي- إلا أنه لم يُسمح لهما باستعمال مهاراتهما التفاوضية لأن اللاعبين الرئيسيين يشددون على شروط مسبقة للنصر بدلاً من التراضي والتكيف المتبادل، وهو أمر أساسي من أجل وضع حد للحرب.

وعلاوة على ذلك، فإن هذه الشروط المسبقة تهدف إلى الفوز في حرب غير قابلة أصلاً لفوز أي طرف بدلاً من صنع سلام ناقص، وتحرم في الوقت نفسه الشعب السوري من حقه السيادي في الاختيار.

والحال أن ثمة مجموعة بديلة من الشروط المسبقة التي من الصعب على كل الأطراف قبولها، ولكنها يمكن أن تفضي إلى الديمقراطية والتسامح؛ غير أن ذلك يتطلب من اللاعبين العالميين والإقليميين اتخاذ الخطوة الأولى وتشجيع حلفائهم السوريين على استكمال الخطوات التالية.

وفي هذا الصدد، سيتعين على كل اللاعبين تقديم تنازلات صعبة إذا ما كانوا يرغبون في إنهاء الحرب. أما إذا فشلوا في اتخاذ هذه الخطوات الصعبة، فإن من الممكن جداً أن تستمر الحرب لعقد آخر من الزمن وتخلق دائرة أوسع من الدمار والموت.

وتأسيساً على ما تقدم، فإننا نقترح هنا ثلاثة مبادئ كأساس لمحادثات جنيف بين فرقاء النزاع في سوريا:

– تقرير المصير: إذ يتعين على الشعب السوري أن يقول كلمته بشأن الحكومة المقبلة للبلاد في عملية انتخابية حرة تتم تحت إشراف المجتمع الدولي ومنظمات غير حكومية مسؤولة، على أن يتم قبول النتائج إذا اعتبرت الانتخابات حرة ونزيهة.

– الاحترام: إذ يتعين على المنتصرين في الانتخابات أن يضمنوا ويكفلوا الاحترام لكل المجموعات والأقليات الطائفية.

– قوات حفظ السلام: إذ من أجل ضمان تحقق الهدفين الأولين، يجب على المجتمع الدولي أن يضمن قوات قوية لحفظ السلام.

والحقيقة أن أي لاعبين محليين أو إقليميين أو عالميين يقبلون هذه الشروط المسبقة ينبغي الترحيب بهم إلى مفاوضات جنيف.

وهذه الشروط المسبقة يفترض ألا تكون خلافية، وتعني أنه سيتعين على الفصائل السورية -وداعميها- أن يتراجعوا عن مطالبهم السابقة غير المعقولة. والواقع أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه مؤخراً بشأن السيطرة على الأسلحة الكيماوية يشير إلى أن التنازلات غير المتوقعة ممكنة إذا استطاعت الأمم المتحدة ولاعبوها الدوليون الكبار التقرير بشأن هدف مشترك والعمل جنباً إلى جنب.

ومما لا شك فيه أنه لا أحد يمكنه الفوز في هذه الحرب. ومن الواضح أن جميع الأطراف تعتقد أنها لا تستطيع تحمل تكلفة أن تخسر فيها لأنها تخشى الإبادة والموت. وهذا هو ما يفسر لماذا ستستمر إذا لم يفرض المجتمع الدولي بديلاً شرعياً.

ومن بين الخطوات الأولى المهمة التي يمكن اتخاذها في هذا الاتجاه، خلق لجنة انتخابية غير حزبية مستقلة وذات مصداقية. ومن بين الخطوات المهمة كذلك بناء آلية أمنية تمنع أي جهة من تخريب الانتخابات أو الحيلولة دون تنفيذ نتائجها. غير أننا سنحتاج إلى موافقة على هذه المقاربة من قبل روسيا والولايات المتحدة، وإيران ولاعبين إقليميين آخرين، من أجل الكف عن دعم وكلائهم في سوريا، ونحتاج من الأمم المتحدة رفع الموضوع إلى مرتبة الأولويات.

وخلاصة القول، إن الوقت قد حان لتغيير الأجندة والشروط المسبقة والاستراتيجية في سوريا -وإنهاء هذه الحرب!

جيمي كارتر

الرئيس التاسع والثلاثون للولايات المتحدة

روبرت إيه. باستر

أستاذ بالجامعة الأميركية في واشنطن ومستشار مركز كارتر لحل النزاعات

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.