الجماعات المتطرفة مثل «تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)» تعتبر التصوف تحريفًا للإسلام، وبذلك فإن أتباع الصوفية دمهم مهدر، ولكن هذا الفهم الخاطئ ليس محصورًا بالمتطرفين.
ما زالت أصداء الهجوم المروع الذي تعرض له مسجد تابع لإحدى الطرق الصوفية في محافظة شمال سيناء في مصر – الذي أودى بحياة المئات – تتردد حول العالم. إذ قال الكاتب إتش. إيه. هيلر في مقال له في مجلة «ذي أتلانتك» في معرض تعليقه على الحدث: «إن الهجوم الذي يعد من أسوأ الهجمات الإرهابية في العصر الحديث، قد سلط الضوء على الطائفة الصوفية ومعتقداتها».
(الصورة لمتصوف يدخل أدوات حادة في جسمه, اقرأ عنه هنا: ممارسات الطرق الصوفية وتفسيرها الطبي)
وأوضح هيلر أن الجماعات المتطرفة، مثل «داعش» تعتبر التصوف تحريفًا للإسلام، وبذلك فإن أتباع الصوفية دمهم مهدر. ولكن هذا الفهم الخاطئ ليس محصورًا بالمتطرفين. إذ ادعى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أن «الخطر الأكبر للإرهاب المتطرف، هو تشويه سمعة ديننا المتسامح»، مع أن المذهب السلفي الوهابي في السعودية يعادي التصوف بشدة.
لا يعني هذا أن جميع السلفيين يرون أن قتل المتصوفين واجب – يستدرك هيلر – لكن الكثيرين منهم – إن لم يكن معظمهم – ينكرون وجودها في الإسلام السني. ومن المؤكد أن المؤسسة الدينية السعودية تتبنى هذا الاعتقاد، وهو تحد كبير يتعين على ولي العهد معالجته، إذا كان جادًا بشأن وعده بنشر الإسلام «المعتدل».
محاولات تاريخية لتبرئة الإسلام من الصوفية
إن دعاة الحركة السلفية المعروفة باسم « «الوهابيةيتبنون رأي الداعية محمد بن عبد الوهاب – ظهر في القرن السادس عشر – الذي يهاجم فيه التصوف بطريقة غير مسبوقة. وبينما يعتبر السلفيون أنفسهم النسخة الصحيحة من الإسلام – يؤكد هيلر – فإن نهجهم غير متجانس؛ فقد تجاهل العديد منهم أجزاءً كبيرة من التاريخ الإسلامي – أو أعادوا صياغتها – بغرض إظهار الصوفية بمظهر الشاذ عن نطاق الإسلام.
يشاع عن أحمد بن تيمية – الأب الروحي للسلفيين – أنه كان أحد أتباع الصوفي عبد القادر الجيلاني. وقد طمست التيارات السلفية العديد من حكايات شخصيات صوفية من القرون الوسطى من مؤلفاتها. ومع ذلك لم تستطع أية شخصية إسلامية بارزة شطب الصوفية من التاريخ الإسلامي. فعندما حاول أتباع بن عبد الوهاب أن يصفوا الصوفية على أنهم غير مسلمين؛ عارضتهم الأغلبية الساحقة من الطائفة السنية، واعتبرت أنهم ينغمسون في نوع من التعصب.
وبينما يعتبر المتشددون أن التصوف بدعة خارجة عن نطاق الإسلام – يضيف هيلر – فإن العديد من أتباع الصوفية في الغرب يعتقدون أيضًا أن التصوف بدعة – لكنهم يفضلون هذه البدعة عن التيار التقليدي للفكر الإسلامي، الذي يعتقدون أنه يختلف عن مفهوم الصوفية – والمفارقة هنا هي أن هذا المنظور الخاطئ يكرر المغالطة التي يروج لها المتطرفون.
كان الطلاب في المجتمعات المسلمة ينظرون إلى التصوف كجزء لا يتجزأ من التعليم الإسلامي الشامل حتى وقت قريب. كانت أساسيات اللاهوت، والممارسة، والروحانية – أي الصوفية – تعتبر عناصر أساسية في التعليم الإسلامي الأساسي. وإذا لم تكن قد اعتُبرت العديد من الشخصيات الدينية المعروفة من المتصوفة أقلية؛ لكانت تعاليمها هي السائدة. في الواقع إن تسمية «الأقلية الصوفية» المصرية التي يتم تداولها منذ هجوم المسجد غريبة؛ فالصوفية ليست طائفة، بل جزء لا يتجزأ من التيار السني الإسلامي، بحسب الكاتب.
يعتبر الشاعر الأفغاني جلال الدين الرومي أشهر شخصية صوفية لدى الغرب؛ إذ تحتل مؤلفاته صدارة مبيعات الكتب على موقع «أمازون». يليه في الشهرة ابن عربي الأندلسي من القرن الثاني عشر، لكن الكثيرين في الغرب يجهلون أن هذه الشخصيات كانت في صلب التيار الإسلامي. كان الرومي – على سبيل المثال – مؤلفًا للفتاوى، ومنظرًا للمدرسة الحنفية السنية. بينما كان ابن عربي أكثر انغماسًا في القانون السني لدرجة جعلت العديد يصفونه بأنه قادر على تأسيس مدرسة القانون الخاصة به.
لا يعني هذا أن الصوفية لم تتعرض للانتقاد قط – يشدد هيلر – بل هذه الانتقادات صدرت من قبل علماء الصوفية أنفسهم، كما انتقد الفقهاء ما اعتبروه محاولات باهتة للتنظير في الفقه، وانتقد اللاهوتيون المتخصصون بعض الهواة الذين أفتوا في علم اللاهوت.
الصوفيون – دائمًا – كان منهم سياسيون وثوار
ثمة أسطورة أخرى تقول: «إن الصوفيين يتجنبون أي نشاط سياسي أو عسكري»، ولكن التاريخ ينفي ذلك. كانت الشخصيات الصوفية مثل أبي الحسن الشاذلي وابن عبد السلام، وهو الفقيه الشهير في زمنه، في طليعة الحملات للدفاع عن مصر ضد الملك لويس الفرنسي. وكان النضال الليبي ضد الاحتلال الفاشي الإيطالي بقيادة الطريقة السنوسية الصوفية، بما في ذلك عمر المختار.
كما تصدى الشيخ عبد القادر الجزائري للغزو الفرنسي للجزائر في القرن التاسع عشر، في حين حارب الإمام شامل من القوقاز ضد التوغل الروسي في أرضه، ولكن انتهاجهم المسعى العسكري – الذي يطلق عليه الجهاد – تضمن دفاع الجزائري عن المسيحيين، ورفض المختار إساءة معاملة أسرى الحرب؛ بعبارة أخرى: كانوا يؤمنون بالجهاد المقيد بالفهم السائد للإسلام السني.
يقول هيلر: «إن هذا الاتجاه لا يزال قائمًا لدى المتصوفين اليوم». في بحثه الخاص على مر السنين، تعرّف على دعاة للصوفية، مثل: شيخ سراج هندريكس من جنوب إفريقيا والشيخ الراحل عماد عفت في مصر. اعتقل الأول بسبب نشاطه ضد الفصل العنصري، في حين قتل الأخير في خضم الاحتجاجات في أواخر عام 2011. ناهيكم عن عشرات الصوفيين في سوريا الذين شاركوا في الانتفاضة ضد نظام الأسد، وتصدوا لداعش، ولكن من الصحيح أيضًا أن بعض الشخصيات الصوفية تشارك في دعم الحكومات القمعية – التي انتقدها الصوفيون الآخرون؛ لما رأوه من عدم اتساق مع معتقداتهم.
ويخلص هيلر في نهاية مقاله إلى أنه من السهل جدًا القول إن الصوفية طائفة منفصلة بطريقة ما عن الإسلام. ولكن لم يخن التصوف أبدًا الإسلام. بل هو أنقى صوره. وكل من يسيء إلى الصوفية، مثل «داعش» والمؤسسة الدينية السعودية، وأولئك الذين ينتمون إلى الصوفيين العاشقين للرومي – بحسب الكاتب – يجدر بهم الاعتراف بذلك. وإلا فإننا جميعًا نخاطر بخيانة التاريخ الإسلامي.
مترجم عن
The Dangerous Myths About Sufi Muslimsللكاتب H.A. HELLYER
ساسة بوست