ذكريات ضابط مسيحي ( فؤاد بريك ) مع بائع الجولان حافظ الاسد

fuadbrikد. محمد الزعبي: كلنا شركاء

هذه الخاطرة المتحررة من أي رقم، هي شهادة المرحوم فؤاد بريك (ابو منصور) أحد الضباط النجباء والشرفاء، الذي كان يرأس كتيبة استطلاع أحد الألوية في جبهة الجولان، إبان حرب حزيران عام 1967. وهي (الخاطرة) مقتطعة من رسالة مطولة بعثها لي من مقر إقامته في كندا، حيث زرته مودعاً، وذلك قبل أن يتوفاه الله في 23 أذار 2012، بعد معاناة طويلة مع مرض السرطان. لقد وضع لرسالته المذكورة عنواناً هو” على فراش المرض (للمرة الثانية)”، مما يشير إلى صدق مضمونها وبعدها عن أية مبالغة.
كتب المرحوم فؤاد منصور بريك، الضابط في الجيش السوري وآمر كتيبة استطلاع أحد الألوية التي اشتركت في حرب حزيران 1967، وتحت عنوان “حرب 1967″ (حرفياً) مايلي: [علماً أن ماوضع بين قوسين معقوفين [ ]هو من مسؤوليتي].
“أهم خلاصة استنتجتها من هذه الحرب، [هي] أننا كحزب وكأفراد قد أجرمنا بحق المجتمع، وفشلنا في القيام بواجبنا بالدفاع عن أرض الوطن. (…) ولا تزال في مخيّلتي الصورة المهينة التي تم فيها انسحاب الجيش السوري من الجولان. وكان استطلاع اللواء وحدتي العسكرية…؟ [هكذا وردت في الرسالة].
الوقت صباحاً، وآليات اللواء الذي تتبع له وحدتي تواصل انسحابها. لفت نظري وجود كثير من الصناديق المغلقة متناثرة على جانبي الطريق، طلبت من الآليات التي بإمرتي التوقف، ونزلت وتفحصت بعض الصناديق الخشبية، ففتحت أحدها ليتبين لي أنها مدافع مضادة للدبابات > RBG7 < [وجدت الرمز قد انزلق إلى مكان آخر في النص الأصلي للرسالة وأنا من وضعه هنا]، مغلقة ومغطاة بالشحم، وعلى الفور طلبت من الجنود إنزال أكياس البحارة وكل الألبسة الخاصة بالجنود من المصفحات، وطلبت منهم إحراقها ووضع الصناديق (48) في المصفحات. وهكذا نقلتها جميعاً إلى الموقع الجديد الذي نقلنا إليه.
في اليوم التالي زارنا في الموقع اللواء صلاح جديد لأنه صدر أمر بتسريح اللواء الاحتياط، وكنت قد توليت موضوع الإشراف على اسلحة اللواء وعتاده لحين التسريح. أخبرت اللواء صلاح جديد باني طلبت من الجنود إحراق أكياس البحارة من أجل تحميل الأسلحة المضادة للدبابات التي وجدتها في الطريق، وطلبت منه أن يستثني الجنود الذين بإمرتي من التغريم بثمن المعدات الشخصية التي فقدوها. وتم فعلاً اصدار أمر من القيادة باستثناء عناصر استطلاع اللواء من غرامة المعدات الشخصية للأفراد. وقال لي اللواء صلاح جديد، سيأتيك مندوبين عن ألوية الجبهة الجديدة ويحملون ورقة بتوقيعه أو توقيع اللواء حافظ الأسد من أجل استلام الأسلحة المضادة للدروع التي جلبتها معي، وأكمل قائلاً تعطي كل مندوب ثلث الكمية من المدافع!!!
بعد تسليم الأسلحة إلى الجهات المعنية في الجيش ذهبت إلى قيادة الأركان، لأضع نفسي تحت التصرف، فقابلت اللواء حافظ الأسد في مكتبه، فسلمني أمر تعييني في فرع فلسطين، (…).”
[ثم تنتقل رسالة الأخ فؤاد بريك للتكلم عن موضوع يتعلق بعمله الجديد في فرع فلسطين تحت عنوان] ” منزل حافظ الأسد والساعة الثانية عشرة ليلاً “:
خلال عملنا في فرع فلسطين، أحيل إلى قسم التحقيق شخص يحمل جواز سفر أردني ألقي القبض عليه على الحدود السورية العراقية، ووجد معه لائحة بأسماء ضباط عاملين في الجيش السوري مما أثار الريبة والشكوك.
أثناء التحقيق أفهمته أن المخرج الوحيد من هذا المأزق هو معرفة لصالح من تعمل بعد ثلاثة أيام اتصل معنا قسم التحقيق ليقول إن السجين جاهز ليقول كل ماعنده، وليخبرنا بالحقيقة التي نبحث عنها، (..).
وهنا كان الخبر الصاعقة!!، قابلنا الرجل وقال: كل ماأستطيع قوله لكم أنني أعمل لصالح اللواء حافظ الأسد!!! وليس لدي كلام آخر. ارتسمت على وجوهنا أنا و(…) علامات الدهشة!!.
قررنا أن نكسر الشك باليقين، وقررنا الاتصال برئيس مكتب اللواء حافظ الأسد من أجل مقابلته، بالفعل ولمجرد وصولنا لمكتبنا قمنا بهذا الاتصال، وبعد ربع ساعة وحوالي الثانية عشرة ليلاً جاء الجواب سريعاً. هل تريدون الذهاب إلى بيت اللواء ام تفضلون مقابلتكم في الأركان. أجبت رئيس المكتب: البيت جيد.
وصلنا المنزل وحضر سريعاً واستقبلنا وسالنا مالأمر؟. أخبرناه بما لدينا، وما ادعاه من العمل للواء حافظ الأسد. صمت قليلاً وكأنه يحاول أن يتذكر، وأجاب: الحقيقة هذا الاسم وهذه التفصيلات ليست حاضرة في ذهني، ولكن لحظة.. قام واتصل أمامنا بأحد الضباط العاملين بإمرته وحدثه عن الموضوع، وطلب منه جواباً عن هذا الشخص. جلس بعد ذلك وقال أعتقد أنهم سوف يعلموني سريعاً عن هذا الموضوع، وبدأ يتحدث حديث مجاملة في مواضيع عامة. بعد ربع ساعة، رن جرس الهاتف، تناول السماعة، وقال، نعم أنا معك، دقيقتين أو ثلاثة، انتهت المكالمة، ونظر إلينا وقال: نعم إنه
يعمل لنا؟ وسوف يأتيكم شخص غدا أو بعد غد لاستلام السجين. أقفلوا الإضبارة؟
قلنا إذا بعد إذنك، لقد صار الموضوع عندك وعلينا أن نمشي. نهضنا وهممنا بالمغادرة، فوقف وقال: مارأيكم بما يجري؟ وكان يقصد العلاقة السيئة بينه وبين صلاح جديد، أي أزمة الحكم التي انتشرت روائحها لابل تفاصيلها في كل مكان.
أجبته: سيادة اللواء لقد تعلمت درساً مهماً من حرب حزيران ألا وهو (…) بالنسبة لي، إذا رأيت كتيبة دبابات لصلاح جديد متجهة إلى الأركان لتحتلّها وأنت فيها، فلن أخبرك، ولن أنزل معها، قال أريد من يخبرني عنها، أجبته: عليك بشخص أخر غيري (…). في صباح اليوم التالي كان أمر نقلي من فرع فلسطين إلى شعبة تجنيد دمشق وبلّغت به حوالي الساعة العاشرة صباحاً، ولم أستقر بشعبة التجنيد طويلاً، حيث طلب مني الذهاب لدورة قادة كتائب، وقبل نهاية الدورة كان قد تم زجي في السجن 1969 ـ 1970 للمرة الثانية، حيث وضعت مع مجموعة اتهمت بأني أعمل معها ولكن فعلاً لم يكن لي أية علاقة مع هذه المجموعة.
بعد ستة شهور تم الإفراج عني، أي قبل ثلاثة أيام من وضع صلاح جديد وقيادة الحزب المدنية في السجن (… بعد شهر من الإفراج عني، صدرت نشرة تسريحات عدد من ضباط الجيش، النشرة كانت تحتوي حوالي 160 ضابطاً، واشارت النشرة إلى التالي: كل من له خدمة أقل من 15 سنة يحال إلى وظيفة مدنية، وكل من له خدمة أكثر من 15 سنة يحال إلى التقاعد، ماعدا اسم واحد هو فؤاد بريك يسرح بتعويض رغم أن خدماتي كانت 14 سنة ونصف!!! (…) أي أني خرجت من الجيش لا وظيفة ولاتقاعد ومديون بـ 1000 ل.س للجيش (…) “. (انتهى الاقتباس)
وتقتضي الأمانة العلمية والأخلاقية هنا، أن أشير إلى مسألتين، الأولى، هي أن المرحوم فؤاد، قد أبلغني عندما كنت أزوره في كندا قبيل وفاته، أنه عندما رأى بأم عينيه سقوط ” الصنم”( تمثال حافظ الأسد) علي يد أبطال حوران، قال: الآن وصلني حقي كاملاً، ولم يعد يهمني شيء (يقصد الموت). أما الثانية، فإنه في تعليق نقدي له على مقالة لي بعثت بها إليه ذات يوم تدور حول العلاقة بين العروبة والإسلام من وجهة نظري. ذكر المرحوم فؤاد في رسالته منتقداً ماورد في مقالتي مايلي: ” أنا عربي غساني سليل جبلة والأيهم ،أنتمي إلى امرؤ القيس وزهير بن أبي سلمى وشعراء المعلقات وأسماء أم معاوية، ( … ) نعم الجاهلية تكفيني لأكون عربياً ومواطناً من الدرجة الأولى ( … ) المشكلة الحقيقية برأيي ليست الفصل التعسفي بين الإسلام والعروبة ، بل هي الجمع التعسفي بين الإسلام والعروبة.”.
ليرحم الله صديقي وأخي ورفيقي فؤاد، وأقول وأنا مازلت على قيد الحياة لروحه الطاهرة: إن الخلاف في الراي لا يفسد للود بيننا قضية، أيها الصديق العزيز. ولعل رسالة العزاء التالية التي بعثت بها إلى عائلة فؤاد عندما علمت بوفاته يوم 23 آذار 2012 تغنيني عن المزيد:
” من ميت بالقوة، إلى ميت بالفعل، من محمد الزعبي إلى فؤاد بريك،
السلام عليك ياصديقي ويااخي وياأكثر من ذلك بكثير. عندما أرسلت إلى قبل سنتين ذكرياتك التي لخصت فيها كل ماجرى ويجري وسيجري في سورية، عرفت أنها كانت رسالة الوداع. لقد ذكرت في رسالتك كيف أنك قد اخترتني لأكون ـ وأنا المسلم ـ “شبينك” واختارت تركية زوجتي عليا ـ وهي المسلمة ـ لتكون ” شبينتها”، ودخلت وعليا معكما الكنيسة، كما لوكنا ندخل إلى المسجد، لم نكن يومها نقف عند الإشكاليات النظرية المتعلقة (بعالم الغيب) ولكن فقط عند الإشكالات العملية المتعلقة (بعالم الشهادة).
لفد سبقك من تعرف، وسيلحق بك من تعرف ومن لاتعرف يافؤاد.. ولعلّ من جمعنا في عالم الشهادة يجمعنا مرة أخرى في عالم الغيب. لك مني أيها الصديق والحبيب قبلة وداع… وإنا لله وإنا إليه راجعون. محمد الزعبي”.

This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.