كان الشيخ مصطفى الزرقا استاذنا في كلية الحقوق وكان وزيرا للعدل مرارا وهو من زعماء حلب وكان متشددا في إظهار ولائه الإسلامي .
مرة دخلت درسه متأخرا فجلست على اول مقعد فارغ وتجلس في اخره طالبة, ففوجئت بالأستاذ الزرقا يقطع محاضرته ويأمرني بالانتقال الى مقعد اخر لانه أعلن مسبقا انه في دروسه لا يحبذ جلوس الطالبات بجانب الطلاب .
قلت: اولا أنا لا اجلس بجانبها بل في الزاوية الأبعد وبيني وبينها فراغ يتسع لخمسة طلاب وثانيا الجامعة لا تمنع الاختلاط أصلا.
غضب الأستاذ الزرقا وقال اخرج, قلت لا اخرج فقال انتهى الدرس وخرج غاضبا .
استدعاني الدكتور احمد السمان وقال لي لو انتقلت من مكانك وشكوته يكون أفضل, واحترام رغبته لا تتعلق بالقانون الذي لا يمنع الاختلاط وطلب الي الاعتذار منه فقلت لا مشكلة عندي في الاعتذار وانا من الطلاب الذين لا يفوتون درسا له ولَم اقصد غير الدفاع وقد أحرجني فتقدمت وتصالحنا .
في درس له كان البحث فيه عن الارث في قانون الأحوال الشخصية وخاصة حصة الأنثى . قلت يا أستاذي عندما أعطى الاسلام للمرأة نصف حصة الرجل كان ذلك ثورة في مجتمع كان يحرمها من اَي إرث وسؤالي هل نصف الحصة هو حد الحلال الشرعي لها ؟
قال نعم قلت إذا أعطيت اقل من النصف يكون ذلك حراما ؟ قال نعم.
قلت إذن الزيادة في هذا الحلال غير ممنوع في الاسلام ويمكن لولي الامر بالقانون زيادته؟
قال لا تتحدث فيما لا شان لك فيه . وفعلا لم أناقشه بعد ذلك.
في الفحص الشفهي قال سأسألك سؤالا واحدا فقط وكنت مرعوبا من انتقامه فأجبت وصرفني فقلت يا أستاذ اذا أعطيتني علامتي التي استحق ارتاح بدلا من ان أفكر في عدالتك .
ضحك الاستاذ الزرقا وقال : ارتاح علامتك ٦٥
فشكرته وخرجت .
عندما أعلنت النتائج وجدت علامتي لديه ٧٥ لا ٦٥ كما ابلغني وصدف ان رايته في الكلية متجها الى مكتب العميد فقلت لماذا أضفت لي ١٠ ؟
قال لا عليك هي زيادة في الحلال.
كان رجلا محافظا وعالما واحترام عدالته تبقى في الذاكرة كمؤمن ولكن غير متعصب ويحترم الرأي الاخر رحمه الله.