مقالة رائعة للاخ الكريم الحكيم البابلي اسمها خوذة الجندي العراقي عبد علي اثارت في نفسي شؤونا وشجونا كثيرة
http://www.ahewar.org/debat/show.
art.asp?aid=489493
بسبب هذه المقالة تذكرت او بالاحرى اعاد ذهني تشغيل شريط قديم لكن لازال تام الوضوح عن سنوات قضيتها في جبهات القتال خلال الحرب العراقية الايرانية رأيت فيها من المآسي الانسانية ما لايمكن ان انتزعه من مستودعات الذاكرة التي امتلأت رفوفها بصور وخيالات ضحايا وابرياء ، قتلى وجرحى ، بعضهم ربما حالفني التوفيق في ابقائهم احياء بغرس ابرة سائل مغذي في اوردتهم قبل ان يصلوا الى مرحلة نسميها الصدمة غير الراجعة والتي يتضاءل بعدها جدا اي امل في انقاذ المصاب ، وكل ذلك يعتمد على كم نزف الجريح حتى تم ايصاله الى من يستطيع تقديم الاسعافات له
طلب مني الاخ البابلي في رده على تعليقي على مقالته المؤثرة كتابة ذكرياتي كطبيب عن تلك الحرب…وانا بالفعل لدي خزين كبير من تلك الاحداث المريرة …لكني اتساءل مع نفسي هل كتابة مقالات تصف الجثث الممزقة والجروح الغائرة وصرخات الالم والانين التي لازال بعضها يرن في اذني فيه ما يمكن ان يجذب القاريء الكريم للمتابعة ؟ ومن ذا الذي يريد تعذيب نفسه بالقراءة عن تلك المآسي ، انها تختصر ببضعة كلمات … حروب مجنونة ليس فيها من قصص البطولة والاقدام الا بقدر مايترافق معها من شراسة وهمجية في قتل المقابل بلا رحمة ، نعم في كل انحاء العالم يصورون شجاعة المقاتل في قدرته على اهلاك العدو متناسين ان الاعداء ليسوا الا بشرا ايضا مغلوبين على امرهم غالبيتهم لم يحضر الى ساحات القتال بمشيئته بل مرغما بسبب جنون العظمة لدى حفنة من السياسيين والقادة الذين لا تهمهم سوى الامجاد الاعلامية عند تحقيق الانتصارات ولا يأبهون البتة بما يقدمون في سبيلها من ضحايا من اولاد الفقراء والضعفاء.. كان العراقيون يتفرجون كل يوم تقريبا على البرنامج المسمى (صور من المعركة) والذي كان يعرض علينا وعلى اطفالنا صورا مقززة لجثث الاعداء المتناثرة هنا وهناك مع وصف لبطولات مقاتلينا في قتل هؤلاء البشر ، وبالمقابل كان الجانب الاخر يعرض بدوره صورا مشابهة لكنها عن ضحايانا نحن ، وهكذا كانت تختصر بطولات الطرفين بجثث يتجمع عليها الذباب ويخرج الدود من فتحات الانف والفم … اجسام فارقتها الحياة ملقاة في العراء حتى انتنت وفاحت منها رائحة الموت الكريهة … كنا نعرض صورا لتلك الجثث ونتفاخر بأننا نحن من قتلناهم …. الا تبا لتلك البطولات
اذكر في احدى الايام حدث هجوم ليلي ايراني في منطقة الشيب قتل فيها اكثر من 50 من جنودنا وهم نائمون وبقيت جثثهم في العراء 3 ايام في شهر آب حتى امكن اخلاؤها وجلبها الى الموقع الطبي الذي كنت فيه بمفرزة طبية حيث كان من ضمن واجباتي ان اكتب وصفا لاصابة كل شهيد وان ابحث في جيوبه عما يدل على شخصيته وان اضع مالديه من امانات في كيس بلاستيكي ليتم تسليمها فيما بعد مع جثته الى ذويه ، ما رأيته من اكوام من اللحوم البشرية المتعفنة والمتخشبة جعل معنى البطولة بالنسبة الي في تلك اللحظة يتمثل في اولئك الجنود الذين يصعدون الى حافلة ملأى بالجثث ويقومون بانزالها الواحدة بعد الاخرى رغم ان رائحة العفونة تصيبك بالغثيان من على بعد كيلومترات ، قمت بشراء قنينة ماء كولونيا رخيصة وكنت اقوم برش كمية من ذلك العطر على قبضة من القطن واطلب من اولئك الابطال ان يضعوها داخل كمامات تغطي انوفهم وافواههم عسى ان تقلل من حدة الرائحة العفنة ، ومع ذلك كان البعض منهم يصاب بنوبة قيء فيفرغ ما في معدته ثم يعود بكل شهامة الى ذلك الواجب . في ذلك اليوم المشؤوم الذي لا يمكن ان اقتلعه من ذاكرتي …كنت اقلب الجثث كي اثبت وصف الاصابات في النموذج الخاص المسمى بطاقة الميدان، وكانت الدموع تنهمر من عيني وتختلط بالعرق الغزير الذي يملأ وجهي بسبب الحر القائض دون ان اعرف ان كانت دموع حزن واسى ام دموع الغثيان بسبب ما اراه واشمه ، ام الاثنان معا..عثرت في الجيوب على هويات فيها صور لشباب يتطلعون الى الحياة دون ان يعرفوا ما تخبئه لهم الاقدار المجرمة ، وعلى صور لمن كان متزوجا مع اطفاله ، وعلى اوراق كتب عليها آية الكرسي ، وعلى عناوين واسماء اقارب للاتصال بهم في حالة الاستشهاد وكأنهم يتنبأون بمصائرهم ، واحيانا لم اكن اعثر على اي شيء واضطر الى كتابة شهيد مجهول الهوية الى ان يتم ارسال من يمكن ان يتعرف عليه من منتسبي لوائه
في ذلك اليوم الذي قضيته مع جثث الشهداء المساكين تغير مفهومي للبطولة كما قلت ، اصبح البطل من يسعى الى السلام حتى عندما يكون هو الاقوى ،و البطل هو من يساهم في اخلاء شهيد من ساحة الحرب ويحمل جثته غير مبال بما ينبعث منها من روائح الموت والعفونة
اخي البابلي …هذا قليل مما اختزنه في عقلي من تلك الذكريات …فهل تريد المزيد ؟
-
بحث موقع مفكر حر
-
أحدث المقالات
-
- #سورية الثورة وتحديات المرحلة.. وخطر #ملالي_طهرانبقلم مفكر حر
- #خامنئي يتخبط في مستنقع الهزيمة الفاضحة في #سوريابقلم مفكر حر
- العد التنازلي والمصير المتوقع لنظام الكهنة في #إيران؛ رأس الأفعى في إيران؟بقلم مفكر حر
- #ملالي_طهران وحُلم إمبراطورية #ولاية_الفقيه في المنطقة؟بقلم مفكر حر
- بصيص ضوء على كتاب موجز تاريخ الأدب الآشوري الحديثبقلم آدم دانيال هومه
- آشور بانيبال يوقد جذوة الشمسبقلم آدم دانيال هومه
- المرأة العراقية لا يختزل دورها بثلة من الفاشينيستاتبقلم مفكر حر
- أفكار شاردة من هنا هناك/60بقلم مفكر حر
- اصل الحياةبقلم صباح ابراهيم
- سوء الظّن و كارثة الحكم على المظاهر…بقلم مفكر حر
- مشاعل الطهارة والخلاصبقلم آدم دانيال هومه
- كلمة #السفير_البابوي خلال اللقاء الذي جمع #رؤوساء_الطوائف_المسيحية مع #المبعوث_الأممي.بقلم مفكر حر
- #تركيا تُسقِط #الأسد؛ وتقطع أذرع #الملالي في #سوريا و #لبنان…!!! وماذا بعدك يا سوريا؟بقلم مفكر حر
- نشاط #الموساد_الإسرائيلي في #إيرانبقلم صباح ابراهيم
- #الثورة_السورية وضرورات المرحلةبقلم مفكر حر
- هل تعديل قانون الأحوال الشخصية يعالج المشاكل الاجتماعية أم يعقدها.. وأين القيم الأخلاق من هذه التعديلات ………..؟بقلم مفكر حر
- تلغراف: تأثير #الدومينو علی #ملالي_إيران وتحولات السياسة الغربيةبقلم حسن محمودي
- الميلاد آتٍبقلم مفكر حر
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلاميةبقلم صباح ابراهيم
- ستبقى سراًبقلم عصمت شاهين دو سكي
- #سورية الثورة وتحديات المرحلة.. وخطر #ملالي_طهران
أحدث التعليقات
- عبد يهوه on اسم الله الأعظم في القرآن بالسريانية יהוה\ܝܗܘܗ سنابات لؤي الشريف
- عبد يهوه on اسم الله الأعظم في القرآن بالسريانية יהוה\ܝܗܘܗ سنابات لؤي الشريف
- منصور سناطي on من نحن
- مفكر حر on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- معتز العتيبي on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- James Derani on ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **
- جابر on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- صباح ابراهيم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **
- الفيروذي اسبيق on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- س . السندي on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- عبد الحفيظ كنعان on يا عيد عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا.. عبد الحفيظ كنعان
- محمد القرشي الهاشمي on ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسية
- صباح ابراهيم on ** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر