*الكذب هو جزء من الشرعية السياسية: كل الزعماء يكذبون، مثلا في الناصرة هُزم حزب عتيق من علي سلام، فسموها مؤامرة صهيونية *
******
انتظر مثل الاف المواطنين المخلصين والقلقين على ما يجري في وطننا وشرقنا الحبيب، موعد القاء رئيس حكومتنا الرشيدة النظيفة اليدين والساقين والجيوب العليا والدنيا، السيد بيبي نتنياهو خطاباته. لعل عجيبة تحصل ونستمع الى طرح لحل مشكلة الشرق الأوسط التي كانت تسمى المشكلة الفلسطينية .. او النزاع الاسرائيلي فلسطيني وأصبحت نزاعا أخطبوطيا تمتد أطرافه المؤلمة الى مختلف انحاء الأرض .. وبات الطرف الآخر يسمى الاسلام المتطرف او داعش او القاعدة أو ما شئتم من تسميات رديفة.
اعترف أني معجب بالقدرات الخطابية لبيبي نتنياهو، وأعشق الاستماع اليه حتى لو لم تعجبني مواقفه، وأكثر ما يعجبني بخطاباته ديماغوغيته بخلط الأوراق، لدرجة انه يمكن القول انه استاذ الفن الديماغوغي في السياسة. وهو فن يحتاج الى مستوى كبير جدا من الذكاء، او من التغابي، الذي يعتبر ذكاء فطريا أيضا…ودائما يفاجئ الاعلام ببدع ديماغوغية جديدة، لدرجة أني لو كنت مديرا لمعهد جامعي للعلوم السياسية، لجعلت من خطابات بيبي نتنياهو الديماغوغية مادة دراسية مركزية في علوم السياسة.
طبعا هذا جانب واحد، اما الجانب الثاني في فن الخطابة لبيبي نتنياهو، فهي قدرته على ان يكون خطيبا لامعا جدا، وفارغا جدا بنفس الوقت، وهي ميزة نادرة جدا، حتى في الخطاب الصهيوني الذي زيف تاريخ الشرق الأوسط وفلسطين، وجعل الخرافات والأساطير منهجا لتشريد الفلسطينيين من وطنهم والاستيلاء على ارضهم وسائر ارزاقهم، بحجة اسطورية اسمها وعد الرب، بحثت في الطابو فلم اجد ذلك الوعد .. اذن أين سجل القدير وعده ..؟ ربما في الطابو الأمريكي ؟.. او البريطاني؟ لا أحد يعلم. طبعا الأهم ليس وعدا لا شهود عليه كما يشترط القانون .. بل خطابات نتنياهو حيث ان لمعان خطاباته يضاهي فراغها رغم انها تثير هزة بدن موازية لعشر درجات بسلم ريختر ..
لو كنت محررا لصحيفة او لموقع اعلامي بالشبكة العنكبوتية، لوضعت عنوانا ضخما: «خطابات بيبي نتنياهو: عظيمة ولامعة بقدر ما هي فارغة».
طبعا ارجو النظر الى اعجابي الكبير في موقفي وتقييمي لرئيس حكومتنا، الذي يعشق الغواصات والطائرات والسيجار الكوباني الفاخر والشمبانيا الوردية والبيضاء وأشياء أخرى كثيرة لم يكشفها الاعلام الإسرائيلي، ربما بسبب سريتها الأمنية ..؟
خطابه الفارغ، لكن اللامع جدا في الأمم المتحدة مثلا، وخاصة وقفته الصامتة لدقائق معدودة مبحلقا بممثلي الدول. ظن بعضهم ان مكروه الم به شله عن الحركة .. وحررهم من سماع جمله المكررة والتي حفظوها عن ظهر قلب، اعاد الى ذاكرتي قصة رواها لي استاذ الفلسفة حين كنت طالبا في الاتحاد السوفييتي في سبعينات القرن الماضي. طبعا انا لا اكرر قصته، انما أحرفها واقلب مضمونها لأطبقها على واقع مختلف نعيشه في أيامنا ..
يقال ان يوم الحساب لزعماء العالم يختلف عن حساب الناس العاديين. فرؤساء الدول سيجري لهم استقبال يليق بمكانتهم السابقة على الأرض، قبل ان يقرر القدير المكان المناسب لهم، في الجنة او جهنم، او ربما منعا لحدوت قلاقل سياسية في جهنم، سيحتفظ بهم في منفى خاص يسمى “محمية الزعماء الطبيعية” حيث يكونوا معزولين تماما عن اهل الجنة، كي لا يصيبوهم بجراثيم فسوقهم .. كذلك لا بد من ابقائهم بعيدين عن أهل النار حتى لا يثيروا القلاقل والاحتجاجات والمطالب بالتغيير واسقاط نظام الاستبداد الجهنمي، والسبب ان القدير تدخل مرات كثيرة لإعادة النظام الى جهنم حين وصل اليها الفاسقون من قادة دول، زعماء أحزاب، رؤساء نقابات، اعضاء برلمانات ووزراء… وكاد الشيطان يفقد سيطرته على النظام، لذلك تقرر بعد المشاورة عزل هذه الفئات المشاغبة عن بقية الخلق داخل محمية طبيعية لا يخرج منها أحد ولا يدخلها احد .. ويجري تسليمهم للعقاب في جهنم بالتدريج وبدون ارسال أكثر من واحد في كل مرة .. لكن المشكلة التي يجري بحثها بشكل طارئ ان عددهم يتزايد والمحمية تضيق بهم.
هذا من جهة أولى، من جهة ثانية حتى يجري الضبط الدقيق لأقوال الزعماء، ومدى مصداقيتهم، وتقييم نوع العذاب الذي يستحقونه، اقيمت في السماء غرف خاصة لوزراء الدول والأحزاب، حيث امتلأت حيطان الغرف وأسقفها بساعات، بمعدل ساعة لكل شخصية، وأوكلت المهمة الى جبرائيل، الذي كلف من القدير بمهمات عديدة سابقا مثل التبشير بميلاد ابن الله يسوع المسيح، واعتماد الأنبياء .. وانزال النصوص الدينية، مرة بالسريانية ومرة بالعبرية وآخرها بالعربية الفصحى .. وأصبح خبيرا بخلق الله، لذلك أوكل برصد هذه الساعات، التي تتحرك كلما تفوه صاحب الساعة بوعد كاذب، او بكلام لا يقصد ناطقه الالتزام به، او بموقف سياسي يقلب الحقائق بفن سياسي يسمى بعلوم السياسة ديماغوغيا، أو بخطاب لامع وفارغ .. او بمشروع من مليارات الدولارات لتخفيف التمييز في الميزانيات الذي تعاني منه الأقليات، إذا تبين مثلا انه مجرد مشروع ورقي غير قابل للتنفيذ، كما هي حال وعود حكومات إسرائيل للأقلية العربية المميز ضدها.
مثلا توفي قبل سنوات زعيم سياسي هام لحزب ثوري، اثناء الجولة التي نظمها له جبرائيل في “المحمية الطبيعية” شاهد في غرفة حزبه ساعات كثيرة معلقة على الحيطان والسقف، تفاجأ من كثرتها، وقال: ان ساعة واحدة تكفي، لماذا هذا التبذير؟ من سيدفع تكاليفها؟ لكن جبرائيل شرح له ان لكل قائد من قادة حزبه توجد ساعة خاصة به ترصد كلامه، وكلما كذب أحدهم تدور عقارب ساعته مسجلة ساعات كذبه بالمقارنة مع ساعات صدقه، وعلى العموم مصداقية زعماء الأحزاب والدول هي صفر كبير، تجعل عقارب الساعة تدور .. اما الكذبة ثقيلة الوزن فتجعل عقارب الساعة تدور بسرعة كبيرة. سأل الزعيم: واين ساعتي؟
اشار جبرائيل الى ساعة في وسط سقف الغرفة وقال: هذه ساعتك!!
يبدو ان بها خلل، قال الزعيم، وأضاف: انظر ان عقاربها تدور بسرعة؟ وانا لم اكذب منذ وفاتي قبل أسبوعين، الا تعلم يا جبرائيل ان الميت لا يتكلم؟
شرح له جبرائيل ان اكاذيبه كانت كثيرة جدا لدرجة ان الساعة لم تنته بعد من مهمة تسجيل اكاذيبه كلها .. وان الأمر كما يبدو سيستغرق عدة أيام قبل ان تنتهي ساعته من تسجيل اكاذيبه وعندها تتوقف العقارب عن الدوران!
قال الزعيم: في السياسة الكذب هو جزء من الشرعية السياسية، ومن فن السياسة وأضاف: كلهم يكذبون، والصدق في السياسة يقود الى الفشل… مثلا في الناصرة هُزم حزب عتيق من شخص اسمه علي سلام، فاز برئاسة البلدية، رغم انه بلا حزب وتنظيم سياسي عريق .. هل يعترف الحزب بالهزيمة؟ ابدا لأنه حزب لا يهزم، عقدوا اجتماعا طارئا وقرروا ان يسموا هزيمتهم مؤامرة صهيونية وان علي سلام عضو حزب صهيوني بل وعميل للشاباك أيضا؟
أجابه جبرائيل: هذه التبريرات الحزبية تليق بألعاب صبيانية، لا يمكن تسويقها في السماء، وأضاف: تعال معي لترى ساعة وزير المالية .. كيف تدور بسرعة مروحه هوائية. أخذه الى غرفة أخرى وأشار الى ساعة معلقة في سقف الغرفة، ورغم ان الجو في المحمية الطبيعية في الجنة لا يحتاج الى مروحة للتبريد، فكل شيء مضبوط بدقة بإذنه تعالى.
شرح جبرائيل: هذه ليست مروحة تبريد انما ساعة وزير المالية، تدور بسرعة مروحة هوائية لأن كل وعوده تتلاشى بعد التصريح بها.
وهنا سأل الزعيم السياسي عن ساعة رئيس الحكومة نتنياهو ..
أجاب جبرائيل: خصصنا لها مكانا خارج الغرف لأن سرعة دورانها تحدث ضجة كبيرة، ضجيجها لا يمكن احتماله داخل الغرف المغلقة، لذا وضعت ساعته بساحة المحمية .. .. أخذه الى النافذة وأشار الى ساعة في ساحة المحمية، قال له انظر الى سرعة دوران عقاربها، انها تقارب سرعة دوران المحركات النفاثة !!
*- ديماغوغيا: ترجمت للعربية بكلمة “غوغائية” وهي تدل على مجموعة الأساليب والخطابات والمناورات والحيل السياسية والكذب التي يلجأ إليها السياسيون من اجل تنفيذ أفكارهم واستمرار تزعمهم.
nabiloudeh@gmail.com
-
بحث موقع مفكر حر
-
أحدث المقالات
-
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلاميةبقلم صباح ابراهيم
- ستبقى سراًبقلم عصمت شاهين دو سكي
- #إيران #الولي_الفقيه: تأجيل قانون العفة والحجاب… ما القصة؟!بقلم مفكر حر
- إشكالية قبول الأخربقلم مفكر حر
- موسم إسقاط الدكتاتوريات في #الشرق_الأوسط!بقلم مفكر حر
- ردود فعل مسؤولي #النظام_الإيراني على #سقوط_الأسد: مخاوف من ملاقاة نفس المصيربقلم حسن محمودي
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **بقلم سرسبيندار السندي
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **بقلم سرسبيندار السندي
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **بقلم سرسبيندار السندي
- ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.بقلم مفكر حر
- ** تساءل خطير وحق تقرير المصير … هل السيّد المَسِيح نبي أم إله وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- ابن عم مقتدى الصدر هل يصبح رئيساً لإيران؟ طهران مشغولة بسيناريو “انقلابي”بقلم مفكر حر
- ** ما سر تبرئة أل (سي .آي .أي) لبوتين من إغتيال نافالني ألأن **بقلم سرسبيندار السندي
- المجزرة الأخيرةبقلم آدم دانيال هومه
- ** بالدليل والبرهان … المعارف سر نجاح ونجاة وتقدم الشعوب وليس الاديان **بقلم سرسبيندار السندي
- رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسيةبقلم طلال عبدالله الخوري
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلامية
أحدث التعليقات
- منصور سناطي on من نحن
- مفكر حر on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- معتز العتيبي on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- James Derani on ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **
- جابر on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- صباح ابراهيم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **
- الفيروذي اسبيق on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- س . السندي on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- عبد الحفيظ كنعان on يا عيد عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا.. عبد الحفيظ كنعان
- محمد القرشي الهاشمي on ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسية
- صباح ابراهيم on ** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :