“ديار بكر”.. بداية التصدي لألاعيب الأسد والمخططات الإيرانية

صالح القلاب
قبل يومين فقط من زيارته إلى ديار بكر التركية، ذات الأغلبية الكردية، التي وصفت إقليميا وعالميا بأنها «تاريخية» أطلق رئيس إقليم كردستان العراقي مسعود بارزاني تصريحا اتهم فيه حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (السوري) بالوقوف إلى جانب نظام بشار الأسد وندد بإقدام هذا الحزب، الذي يعتبر امتدادا تنظيميا لحزب العمال الكردستاني التركي، على الإعلان عن إنشاء إدارة مدنية (مؤقتة) في منطقة شمال شرقي سوريا التي يسميها الأكراد «كردستان الغربية» وذلك على اعتبار أن هناك أيضا كردستان شمالية في تركيا وكردستان شرقية في إيران وكردستان جنوبية في العراق.

وبالاتفاق مع هذا الذي قاله مسعود بارزاني، الذي يعتبره الأكراد في كل أقاليمهم (الجنوبية والشمالية والشرقية والغربية) وفي كل مكان زعيمهم القومي من دون أي منافس وعلى الإطلاق، كان مسؤول كردي سوري من منطقة القامشلي، التي أصبحت بؤرة مثلث ملتهب يتوسط المنطقة الحدودية العراقية – التركية – السورية، هو فواز الناصر، قد تحدث عن «مخططات» قال إن نظام بشار الأسد أعدها لإشعال هذا المثلث بفتنة بين العرب والأكراد وبين الأكراد أنفسهم من علويين وسنة، كما تحدث عن أن حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي)، الذي يعتبر امتدادا لحزب الـ«بي كيه كيه» الذي هو حزب عبد الله أوجلان، يتلقى المال والسلاح «من النظام الأسدي ومن حكومة الملالي في إيران».

وهذا يعني أن زيارة مسعود بارزاني إلى ديار بكر، التي تعتبر مركز قوة حزب الاتحاد الكردستاني (التركي) وزعيمه عبد الله أوجلان السجين في إحدى الجزر القريبة من إسطنبول، حيث استقبل هناك من قبل أردوغان ومن قبل طوفان جماهيري غير مسبوق في هذه المدينة الجميلة التاريخية، تتعلق بكل ما يجري في تلك المنطقة التي باتت توصف بأنها «المثلث الملتهب» بعدما حولها نظام بشار الأسد إلى ميدان لتصفية حساباته مع تركيا وأيضا مع رئيس إقليم كردستان العراق الذي اتخذ مواقف معلنة منذ انفجار الأزمة السورية المتفاقمة لم ترضِ لا إيران ولا النظام السوري وأيضا وبالطبع نوري المالكي الذي بات يلعب دور «وكيل الولي الفقيه» على الساحة العراقية.

وهكذا فإن زيارة مسعود بارزاني التاريخية إلى ديار بكر قد أظهرت كم أن رجب طيب أردوغان قد أصبح بحاجة إلى هذا الزعيم القومي للأكراد، إن في بلده تركيا وإن في العراق وسوريا، وإن في إيران أيضا، وفي كل مكان وبخاصة أن نظام بشار الأسد مدعوما بالولي الفقيه وبإيران الخمينية تمادى في التلاعب باستقرار تركيا الداخلي، وأنه تمكن في الآونة الأخيرة من زعزعة الاتفاقية التي كانت وقعتها الحكومة التركية مع حزب العمال التركي الكردستاني لوقف إطلاق النار ولعودة هذا الحزب إلى العمل السياسي في إطار التحولات الديمقراطية المهمة التي شهدتها تركيا في السنوات الأخيرة.

والغريب هو كيف أن هذا الحزب، حزب العمال الكردستاني التركي، قد قبل بالعودة إلى أحضان المخابرات السورية والقيام بهذا الدور المراوغ الذي يقوم به الآن ضد المعارضة السورية وضد الأكراد السوريين الذين انحازوا إلى الشعب السوري وحركته الوطنية في مواجهة نظام كان عنوانه محمد طلب هلال، سيئ الصيت والسمعة، ونسي كيف أن حافظ الأسد في عام 1998 قد طرد زعيمه عبد الله أوجلان، شر طردة، تحت ضغط الجنرالات الذين كانوا يحكمون تركيا في تلك الفترة بل إنه سلمه تسليم اليد ليصبح سجينا انفراديا في سجن إحدى الجزر القريبة من إسطنبول منذ ذلك العام وحتى الآن.

إن المعروف أن حزب العمال الكردستاني التركي هذا كان صنيعة المخابرات السوفياتية الـ«كي جي بي» وأن مهمته كانت استهداف تركيا من الداخل التي كانت ولا تزال تشكل الجبهة المتقدمة لحلف شمال الأطلسي في مواجهة حلف وارسو سابقا وروسيا الاتحادية الآن وكل هذا بالتنسيق مع المخابرات السورية، ولهذا فإن المفترض أن هذا الحزب قد بادر مبكرا إلى إنهاء كل علاقاته السابقة هذه، وأن ولاءه أصبح لتطلعات أكراد تركيا الذين لا شك في أن الجماهير التي استقبلت مسعود بارزاني قبل أيام في ديار بكر تمثلهم أكثر مما يمثلهم حزب عاد إلى ارتباطاته القديمة ووضع نفسه في خدمة نظام بشار الأسد ضد الشعب السوري الذي قدم ولا يزال كل هذه التضحيات الجسيمة من أجل التخلص من نظام استبدادي يعتبر، وهو كذلك، من مخلفات مرحلة بائسة ماضية.

إن هذا يعتبر تحولا تاريخيا كبيرا؛ فلقاء ديار بكر بين مسعود بارزاني ورجب طيب أردوغان لا بد وأنه أرسى دعائم توجه فعلي وجاد لإنصاف أكراد تركيا الذين عانوا من الظلم والتهميش طويلا ولإطفاء النيران التي أشعلها نظام بشار الأسد في مثلث الحدود التركية – السورية – العراقية وللتصدي لتلاعب إيران في هذه المنطقة وإنعاشه لفتنة طائفية لتحويل الصراعات المحتدمة الآن إلى صراعات مذهبية ستستمر لسنوات طويلة إن لم يتم التصدي لها منذ الآن، ومن المفترض أن أول من يتصدون لها هم الأكراد الذين مثلهم مثل العرب والأتراك يعانون من «ثغرات» طائفية كثيرة.

وهنا فإنه من المؤكد أن من التقوا في ديار بكر قبل أيام يعرفون تمام المعرفة أن إيران هي التي كانت وراء العملية الإرهابية التي استهدفت مديرية أمن أربيل ومقر «أساشي» في 29 سبتمبر (أيلول) الماضي وأن تنظيم دولة العراق وبلاد الشام الإسلامية (داعش) الذي كان أعلن مسؤوليته عن هذا العمل الإجرامي هو صناعة إيرانية، وأن الإيرانيين ومعهم الأجهزة الأمنية السورية يستخدمونه كاستخدام حزب الله اللبناني لأولئك الذي ينتمون للطائفة السنية اللبنانية الذين قاموا بجريمة تدمير مسجد سني بمن فيه من المصلين في مدينة طرابلس الشمالية.

إن هدف هذه العملية القذرة، التي استهدفت «أساشي» في أربيل، هو الضغط على القيادة الكردية وعلى الزعيم مسعود بارزاني تحديدا للانسجام مع السياسات الإيرانية – السورية في هذه المنطقة وللتخلي عن تفاهمه مع تركيا ورئيسها عبد الله غل ورئيس وزرائها رجب طيب أردوغان ولإرغامه على الموافقة على ما قام به حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (السوري)، الذي يشكل امتدادا لحزب العمال الكردستاني التركي، بالإعلان عن إدارة ذاتية في المنطقة التي يعتبرها الأكراد «كردستان الغربية» لإرباك تركيا والمعارضة السورية، ولتوجيه الأكراد أنفسهم بعضهم ضد بعض وإشعال نيران الفتنة بين السنة وبين العلويين منهم.

ربما أن ما يجدر ذكره ونحن بصدد الحديث عن هذا الأمر هو أن إيران لم تعجبها نتائج آخر انتخابات تشريعية (برلمانية) في إقليم كردستان العراق التي حقق فيها الحزب الديمقراطي الكردستاني فوزا كاسحا على حزب جلال طالباني، حزب الاتحاد الوطني، فالإيرانيون يخشون من أن هذا الفوز سيعزز النزعة التحررية والاستقلالية لدى الأكراد كلهم وأولهم أكراد إيران، والإيرانيون كانوا خططوا لإضعاف مسعود بارزاني من خلال هذه الانتخابات ليستطيعوا فرض بعض إملاءاتهم عليه وعلى حزبه ولهذا فإنهم هم من كلف «داعش» بمهمة ضرب «أساشي» وأنهم هم من دفعوا حزب الاتحاد الديمقراطي (التابع لحزب أوجلان) لإعلان ما أعلنه لإضعاف الكتلة الكردية الوطنية (السورية) التي لا تخفي ولاءها للقيادة البارزانية.

كان بشار الأسد قد هدد وأعلن مرارا وتكرارا أنه سينقل ألسنة النيران التي أشعلها هو وليس غيره في سوريا إلى الدول المجاورة، وحقيقة أن كل هذا الذي يجري في هذا المثلث الحدودي الملتهب هو من صنع أجهزته المخابراتية، ومعها المخابرات الإيرانية وأن دفع حزب أوجلان للتخلي عن اتفاقه مع الحكومة التركية يأتي في إطار هذه التهديدات وكذلك الأمر بالنسبة للعملية الإجرامية التي نفذتها «داعش» ضد «أساشي» في أربيل التي هي عاصمة إقليم كردستان العراقية.

نقلاً عن صحيفة “الشرق الأوسط”

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.