منذ أيام، يسود التوتر بعض أحياء اللاذقية وقرى ريفها الذي شاعت تسميته بالحاضنة الطائفية للنظام السوري، غداة تشييع جثمان العقيد حسان الشيخ الذي قتل، مساء الخميس 6 أغسطس/آب الجاري، على يد سليمان الأسد، نجل هلال الأسد، ابن عم رئيس النظام، والذي كان قائداً لقوات الدفاع الوطني، وسقط قتيلاً قبل أشهر في معركة مع الثوار السوريين.
كان مركز عمل العقيد حسان في مطار المحطة الرابعة العسكري، المعروف بالتيفور شرق الطريق الواصل بين حمص وتدمر. وكان معروفاً في أوساط القوى الجوية باستبساله في الدفاع عن النظام، وإيغاله في الإجرام، المتنوع المهارات، ضد عامة الشعب السوري. لكن ذلك كله لم يشفع له، حين ذهب في إجازة لزيارة أهله في اللاذقية التي تعتبر عرين الأسد، وربما عاصمة دولة الساحل المزعومة. وحين تجول المذكور فيها مع عائلته، خلال اليوم الأول، كان من سوء طالعه وقدره أن تجاوز بسيارته سيارة الشبيح المعروف، سليمان الأسد ابن العم الأقرب إلى الرئيس المجرم، فما كان من ذلك الشبيح إلا أن أرداه قتيلاً ومباشرة، بإطلاق النار عليه من نافذة سيارته، وأمام أعين أولاده وباقي العابرين، عقاباً على ذلك التمادي والتجاوز، والذي ربما لم يكن في أسوأ الأحوال أكثر من شطارة أو مخالفة مرورية.
قد يبدو الخبر لبعض القراء غير قابل للتصديق، أو مجرد ادعاء وتهويلة من تهويلات معارضي النظام، لكن إعلان السلطات السورية ومصادرها عن اعتقال القاتل الشبيح وبدء استجوابه والتحقيق معه، وتصريحات المسؤولين السوريين بصدد الحادثة، والتفاعلات التي تبعتها، ومن بينها تبرؤ إخوة القاتل وزوجة والده من فعلته، واستنكارات محافظ المدينة، واعتصام حوالي ألف شخص، عند المدخل الشرقي للّاذقية، احتجاجاً في اليوم التالي، ذلك كله يؤكد الحادثة، وينفي أي مبالغة عنها.
“إنه نظام حكم الشبيحة، نظام التجاوز في كل شيء. تجاوز للقانون، وتجاوز للأعراف والأخلاق، وتجاوز للقيم والتاريخ الوطني السوري”
والتشبيح، أو التجاوز بتعبير آخر، هو سمة العائلة السورية الحاكمة وسلوكها العميق خلف كل غطاء آخر. وكانت له ذاكرة مؤلمة، صارت نكتها السوداء جزءاً من الثقافة الشفوية في الثمانينات، وأبطال قصصها، الشديدة الغرابة، كانوا شيخ الجبل وفواز الأسد وباقي أبناء عم الرئيس الراحل وإخوته. صحيح أنها تراجعت أو خفّت لاحقاً، لكنها بقيت متوافرة دوماً، ولم يعد هناك مجال لمقارنتها بما حدث لسورية كلها، من تشبيح تجاوز تاريخها ووحدتها وبنيتها الاجتماعية والوطنية، على يد النظام منذ قيام الثورة، قبل أكثر من أربع سنوات.
فقط، يكفي تذكر أن الرئيس الحالي نفسه شبّح على الدستورالسوري وتجاوزه، حين تم تعديل مواده في أقل من نصف ساعة، كي تناسب عمره، بعد رحيل والده. أما أكثر الحوادث رمزية ودلالة في ظاهرة تشبيح العائلة، فكانت أيام إعداد باسل، الابن الأكبر الذي كان يتجاوز الآخرين دوماً، ليكون الأول في كل شيء استعداداً لولاية العهد. فهوالناجح الأول، والمهندس الأول، والضابط الأول، والفارس الأول.. إلخ.
ولم يكن مسموحاً لأحد بتجاوز ذلك الأول في كل المجالات، فهو وحده الذي يحق له ذلك. وفي إطار ذلك، يروى أن حصاناً خرج عن طوع فارسه (عدنان قصار) بطل الفروسية السورية في مرحلة سابقة، وتجاوز حصان باسل الأسد في أحد سباقات الفروسية السورية، فكان السجن المطول، وبدون أيّ محاكمة، من نصيب الرجل، ولم يخرج منه إلا أشيب الشعر قبل سنتين، إثر مبادرة عفو عام وتنظيف بعض المعتقلات. ولم يتوقف عقاب ذلك الفارس عند السجن فقط، بل كان من سوء حظه أن باسل الأسد توفي بعد توقيفه، إثر الانقلاب الشهير لسيارته على طريق المطار، لأنه كان يسوقها بسرعة فائقة، وهو الأول دوماً!. فانعكس ذلك على السجين عدنان، وصار ينال عقابه بالضرب المبرّح على قصة التجاوز في كل ذكرى لوفاة باسل، بحيث أصبح العقاب نظاماً دورياً متكرراً، لا يتغير مهما تغير السجانون.
أما موت باسل حينها، فلم يجرؤ أحد على ذكر سببه، العائد طبعاً إلى تهوره وحماقته وجنون إحساسه بالتفوق، بل سمي شهيداً بصفة رسمية. وقالت الثقافة الشفوية يومها في تحديد الفرق بينه وبين الميت: الشهيد هو الذي يسوق سيارته بسرعة 240 كم في الساعة على طريق مطار دمشق، أما الميت فكل من يقول عكس ذلك.
الأكثر أهمية في حادثة اليوم، مهما أدت إليه أو تمت لفلفتها على جري العادة، أنها تكشف، مجدداً وبصورة شديدة الوضوح، حقيقة النظام السوري، وعلى طريقة من فمهم أدينهم وفي عقر دارهم. فهو باختصار شديد، وبصرف النظر عن كل محاولة للتنظير والدراسة الاجتماعية والسياسية لا يستحقها. إنه نظام حكم الشبيحة، نظام التجاوز في كل شيء. تجاوز للقانون، وتجاوز للأعراف والأخلاق، وتجاوز للقيم والتاريخ الوطني السوري.
إنه التشبيح، الذي يتجاوز سورية والسوريين ويدمرهما، حفاظاً على حكم العائلة.
-
بحث موقع مفكر حر
-
أحدث المقالات
-
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلاميةبقلم صباح ابراهيم
- ستبقى سراًبقلم عصمت شاهين دو سكي
- #إيران #الولي_الفقيه: تأجيل قانون العفة والحجاب… ما القصة؟!بقلم مفكر حر
- إشكالية قبول الأخربقلم مفكر حر
- موسم إسقاط الدكتاتوريات في #الشرق_الأوسط!بقلم مفكر حر
- ردود فعل مسؤولي #النظام_الإيراني على #سقوط_الأسد: مخاوف من ملاقاة نفس المصيربقلم حسن محمودي
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **بقلم سرسبيندار السندي
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **بقلم سرسبيندار السندي
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **بقلم سرسبيندار السندي
- ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.بقلم مفكر حر
- ** تساءل خطير وحق تقرير المصير … هل السيّد المَسِيح نبي أم إله وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- ابن عم مقتدى الصدر هل يصبح رئيساً لإيران؟ طهران مشغولة بسيناريو “انقلابي”بقلم مفكر حر
- ** ما سر تبرئة أل (سي .آي .أي) لبوتين من إغتيال نافالني ألأن **بقلم سرسبيندار السندي
- المجزرة الأخيرةبقلم آدم دانيال هومه
- ** بالدليل والبرهان … المعارف سر نجاح ونجاة وتقدم الشعوب وليس الاديان **بقلم سرسبيندار السندي
- رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسيةبقلم طلال عبدالله الخوري
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلامية
أحدث التعليقات
- منصور سناطي on من نحن
- مفكر حر on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- معتز العتيبي on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- James Derani on ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **
- جابر on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- صباح ابراهيم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **
- الفيروذي اسبيق on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- س . السندي on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- عبد الحفيظ كنعان on يا عيد عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا.. عبد الحفيظ كنعان
- محمد القرشي الهاشمي on ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسية
- صباح ابراهيم on ** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :