في بلاد بعيدة … ملامحي الشرق أوسطية تجعلهم يسألون عن موطني، هل أجيب عليهم بدبلوماسية ؟ هل أخبرهم عن جنسيتي المدونة في وثيقة السفر ؟ أنا لا أعرف ماذا عساني أن أقول ؟ فالوطن ليس كلمة تدون في الوثائق الرسمية ، فأنا أتيت من بقعة مباركة أسموها أرض الكنانة ، بلاد الحضارات ، التي كانت سباقة في علوم شتى ، حضارة لم تأمر المرأة بأن تتلفح بالسواد و لم تخبرها بأنها عورة ولم تؤمرها أن تختبئ خلف حجاب أو تحت حجاب ، حضارة لم تعتبر والدي ديوثًا لأنني غير محجبة أو مستقلة ، حضارة لم تعتبرني ناقصة عقل ، حضارتي لم تخبرني بأن هناك 70 ألف ملك في السماء سيلعنوني حين يطلب مني زوجي أن أقفز إلى الفراش فلا ألبي طلبه ، حضارتي لم تعتبرني كاسية عارية ، حضارتي لم تخبرني أنني أكثر أهل النار في الآخرة .
أنا مصرية خالصة و أفتخر بمصريتي ،أنا مصرية أبًا عن جد ، و مصرية أمًا عن جدة ، أعيش على ضفاف نيلها ، و أعشق ترابها حتى و إن ٌقذف التراب في وجوهنا ليكمم أفواهنا ، فالتراب سيعود إلى الأرض الطيبة وتظل أفواهنا حرة ، فالسجون تحبس الأجساد لا الأرواح ، رصاصهم يسلب الأنفس لكنه لا يقتل ثورة أفكارنا ، رصاصهم ُيسكت ألسنتنا لكنه لا يخرسها . رصاصهم قتل فرج فودة و عاش فودة بيننا ، سجونهم حبست أنفاس اسلام البحيري و تظل كلماته و أفكاره بيننا تحثنا على المزيد من البحث و التنقيب .
أنا مصرية و مصريتي لا تكفي و عشقي لتراب الوطن لا يكفي ، فأنا لا أريد أن أموت في سبيل الله ، أريد أن أحيا في سبيل الوطن ، إلا أن عقيدتي لدى دولة الرب أهم من مصريتي ، حتى لو ُدون في الدستور كلامًا معسولًا عن المواطنة ، لأن بين طياته ستجد الثغرات ، ثغرات خبيثة لئيمة ، ستجدهم يدسون سم الطائفية و التطرف في عسل دولة القانون و المواطنة ، و ما هي إلى دولة الرب .
إنها بلاد ثارت دفاعًا عن حق الكلمة الحرة ، و من ثم أعطت نيابتها العامة حق تحريك الدعاوى ضد أصحاب الكلمة الحرة ، بلادي ثارت لتظفر بحقوق المرأة ثم وضعتها في إطار ما لا يخالف الشرع و عبارات تكريم المرأة الغير مفهومة ، و من يقوم بتأويل الشرع في دولة الرب ؟
بلادي ثارت من أجل المواطنة و المساواة بين العقائد ، ثم قامت أجهزتها الأمنية بالاشراف على تهجير المسيحيين ، بلادي وقف رئيسها يتحدث عن تجديد الخطاب الديني ثم سجنت محاكمها المجددين .
فأنا أعيش في مصر، أرض الكنانة ، مصر المحتلة من دولة الرب، دولة عزفت عن مسئوليتها على الأرض و تفرغت للدفاع عن الله في السماء ، فأصبحت تتحدث باسمه و تصوغ التشريعات لمحاكمة من يخرج عن النص حسب تأويلات الفقهاء و الأئمة الذين يتقاضون رواتبهم في دولة الرب .
مصر احتلتها دولة الرب ، احتلتها ثقافة و قانون حرصا على التفتيش في عقيدة المرء لا صلاحه و دوره المجتمعي ،أعيش في مصر التي تتسع لكل الأديان و العقائد و الأعراق ، لكنها لم تتسع للكاتب المصري علاء حامد ، موظف الضرائب الذي كتب رواية ” مسافة في عقل رجل ” في مطلع التسعينيات ، و ُاتهم بازدراء الأديان ، فتشوا في عقيدته و قلمه ، اعتبروه مجرمًا كافرًا ملحدًا فسجنوه ثمانية سنوات في سجون الرب ، نظافة يده و رفضه قبول الرشاوى في وظيفته لم تشفع له ، دولة الرب شفعت لزميله الماسك بالسبحة كمن يمسك على دينه بيد و يتقاضى الاتاوات و الرشاوى باليد الأخرى ، فليس مهما أن تكون صالحًا أم فاسدًا في دولة الرب ، المهم أنك تسبح بحمده ، تسبح بحمد رب الدولة و دولة الرب .
في دولة الرب التي ظنت أنها ظل الله على الأرض ، سيطلب القاضي من المطرب الشهير أن ينطق الشهادتين تكفيرًا عن غناء قصيدة كما حدث مع موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب عام 1989 ، فنال الأخير البراءة ليس لسخافة القضية و إنما نالها بعدما طالبه قاضي القضاه بنطق الشهادتين في محاكم الرب .
في دولة الرب سيتم تفريق زوج و زوجة لأن الزوج ينادي بتنوير العقول و إعمال العقل في النص الديني، كما فعلوا مع استاذ الفلسفة المصري د. نصر حامد أبو زيد في تسعينات القرن الماضي ، ففرقوه عن زوجته د. ابتهال يونس و شعر يومها المفكر بأن القاضي يتبول في عقله كما قال ، لقد جن جنون المفكر ، ألا يعلم أنه يتحدث عن قاضي في محكمة الرب ؟!
في دولة الرب سيطالب الشيوخ و الاعلاميين بل و الرياضيين برجم الأديبة المصرية نوال السعداوي ، فهي ترى المرأة صوت الثورة و هم يرونها عورة ، و لا حياة لمن تنادي في دولة الرب .
ماذا فعلت دولة الرب مؤخرًا ؟ أوعزت إلى نائبها العام أن يحيل د. سيد القمني إلى المحاكمة بتهمة ازدراء الدين ، ألم يدرك سيادة النائب العام أن من اغتال النائب العام السابق له لم يكن القمني و لا كتاباته ، بل ُاغتيل بشظايا الارهاب و مناهج التطرف و التمويل الوهابي الذي نخر في عقول شبابنا و هو الفكر الذي يحاربه القمني نفسه ، النائب العام أحال القمني في أغسطس 2016 إلى أمن الدولة العليا بتهمة ازدراء الاديان و ماذا عن من يزدرون الأوطان يا سيادة النائب العام ؟
لماذا تسطحون فكرتنا عن الله في دولة الرب ؟ ، الله هو العدل هو الرحمن هو الرحيم هو الغفور هو السلام هو الحميد هو الكريم هو الجليل هو الشكور هو الحليم ، أليست هذه أسماء الله يا دولة الرب ؟ لماذا تشوهون أنتم الله و تجعلون منه سجانا كلما اختلف أحد معكم في الفكر و التأويل ؟
لماذا تختزلون الله في نطق الشهادتين في ساحة المحاكم ، فكم من قاتل سفاح نطق الشهادتين و هو ينحر ضحيته ، أفهو مؤمن و أنا كافرة في دولة الرب ؟ هل من يدعو إلى تقبل الآخر و التعايش و التفكر و إعمال العقل كافر ماجن عابث !
يرسلون إليّ برسائلهم مهددين أنني لن أفلت منهم و لن أفلت من دولة الرب و سجونها ، يصفونني بالكافرة الداعرة ، نعم انا كافرة ، آمنت بوطني و مصريتي و ترابها و نيلها و صحراءها و سمائها و أرضها و كفرت بدولة الرب ، كفرت بالقاضي الذي سيسألني عن ديني و عقيدتي و سأشهد أنني مصرية لا سلطان عليكم إلا بمصريتي . فالوطنية ليست حكرًا على رئيس أو نائب عام أو قاضي أو رئيس جهاز أمن الدولة حتى لو كنت أنا المصرية الحرة التي تحيا في دولة الرب
و تحيا مصر تحيا مصر تحيا مصر لأن تحيتها ليس حكرًا على أحد …