ثمة نظرية رائجة، ولاسيما في الولايات المتحدة، بأن الخصام السني – الشيعي هو محور وجوهر أزمات العالم الإسلامي وحروبه، خصوصا في الشرق الأوسط . ويظهر أن اوباما من المتأثرين بهذه النظرية حيث كرس للصراع الطائفي مكانا مهما في خطابه أمام الأمم المتحدة. كما يظهر ذلك من إشاراته المتكررة إلى دور الدول السنية في مكافحة الإرهاب الداعشي وسواه. وبموجب النظرية إياها، فإن التشيع أكثر تحصنا أمام التيارات والقوى الإرهابية، في حين أن اختراقها للإسلام السني أقل صعوبة وتعقيدا. ومن هنا، دعوات في الغرب إلى إيران للانضمام للحرب الدولية على داعش وأمثاله.
إن من ينظر لمجريات الأمور وتطورات الأحداث يجد أن عمليات الإرهاب التي بدا بها الإخوان المسلمون في مصر في الأربعينات كانت تنحصر في اغتيالات لساسة مصريين معادين للإخوان، ولم تكن تشكل ظاهرة دولية. وفي السبعينات كانت هناك عمليات الإرهاب الفلسطينية ضد الإسرائيليين [ من خطف طائرات وبواخر وحادث اولمبياد ميونيخ……] بالتعاون مع مجموعات البسار المتطرف المسلحة في اليابان وإيطاليا وألمانيا. ولم تكن لتلك العمليات أية صيغة أو ذرائع دينية أو مذهبية. وما إن نجحت الخمينية في إقامة نظام الفقيه، حتى دخل الإرهاب في العالم الإسلامي مرحلة جديدة، بدءا بخطف منتسبي السفارة الاميركية وتفجير السفارات في بيروت والكويت وأحداث مكة والخبر وسلسلة اغتيال المعارضين في دول غربية. وأقامت ايران حزب الله ليكون ذراعها في الإرهاب- وصولا للأرجنتين وصوفيا واليمن والعراق، فضلا عن لبنان. وأقيم فيلق القدس لينشر الفوضى ويزعزع الانظمة في المنطقة جريا وراء مذهب “تصدير الثورة الإسلامية.” واستغلت إيران الحرب مع العراق لتنظيم ورعاية تنظيمات سياسية ومليشيات، ولاسيما بدر، مليشيا العامري- الذي هو اليوم مرشح المالكي لوزارة الداخلية.
كان الإخوان المسلمون يتمددون تحت راية الإسلام مع أن هدفهم كان ولا يزال قيام دولة الخلافة بدءا من مصر. فالدين يستخدم مجرد أداة وجسر للهيمنة والتسلط، ولم تكن أممية الإخوان “السنية” مترددة حين أرسلت لطهران وفدا كبيرا يبايع خميني كأحد أئمة المسلمين الكبار. ولا ترددت الخمينية ” الشيعية” عن استضافة كبار زعماء القاعدة بعد سقوط طالبان واستخدامهم في عمليات الإرهاب داخل العراق، ولمدة أكثر من 11 عاما- هي وحليفها السوري. وإيران لم تتردد عن تفجير أماكن شيعية مقدسة في سامراء لتكون بداية لحرب طائفية تشارك فيها القاعدة. فإيران دولة الفقيه لا يهمها التشيع إلا كورقة للانتشار والتوسع، وهي أساسا دولة فارسية تحمل معها جميع المطامع القديمة للدولة الصفوية. وأما داعش وقاعدة الظواهري- بكل تفرعاتهما- فليس الدين عندهم إلا ستار وورقة للتضليل من أجل الهيمنة وإقامة دولة الظلام والقتل والهوس الجنسي. فالجوهر هنا سياسي كما عند نظام الفقيه، ولذا فقد تتقاطع الولاءات، وقد تتصادم، وهي في تبدل مستمر لأن كلا من الأطراف يبحث عن مصلحته في الهيمنة ومنافسة الآخرين. وإيران هي من وجد في أراضيها من يمدون تنظيم داعش بالمال والجهاديين وذلك باعتراف وزارة الخزانة الاميركية. وهي من استضافت الإرهابي الكويتي محسن الفضلي،[ المطلوب للعدالة، منذ 2005، أميركيا وعربيا] الذي غادر إيران قبل حوالي العامين أو أقل لسوريا ليؤسس تنظيما إرهابيا جديدا باسم “خراسان”، الذي تعتبر أجهزة المخابرات الأميركية بأنه لا يقل خطرا عن داعش. واسم خراسان بحد ذاته يستوقف لأن خراسان اسم إحدى الولايات الإيرانية. واليوم تلوح إيران بالاستعداد لمحاربة داعش لو أن الولايات المتحدة قدمت لها تنازلات جديدة في الموضوع النووي- أي دعوني أصنع القنبلة وسوف أنضم إليكم. وهو اعتراف بدورها مع داعش.
وخلاصة القول، إنه، مع وجود عامل الخصام السني – الشيعي في أزمات العالم الإسلامي والذي يرث تراكمات ما قبل قرون وقرون، فإن العامل المحرك الأول والأكبر هو سياسي يستخدم الدين والمذهب جسرا ووسيلة. بل لو عدنا للوراء عند ظهور التشيع والتسنن، لوجدنا أن الانقسام كان سياسيا بحتا، أي من كان له الحق في خلافة الرسول: الإمام علي أم الآخرون، وبعدهم: هل الإمام الحسين أم يزيد. وفي عراق اليوم، حاول المالكي التأليب ضد خصومه السياسيين وحشد جماهير الشيعة ضدهم عندما أطلق صرخاته الهائجة عن ” أتباع الحسين وأتباع يزيد.”
المصدر ايلاف