طبيب أطفال – الموصل
كان من الآثار السلبية للتطورات المتلاحقة التي طرأت على الحياة في هذا الكوكب ، خلل في كيان الأسرة وتماسك المجتمع وزعزعة في الوازع الديني والسلوك الأخلاقي بدرجات متفاوتة في الأفراد والمجتمعات، مما أدى إلى انتشار سلوكيات دخيلة وانتهاك محارم الله، ونتيجة لذلك فتحت الأبواب على اتساعها لما نسميه الأمراض السلوكية وفي طليعتها ( الإيدز AIDS ) وسائر الأمراض التي تنتقل عن طريق المقارفات الجنسية .
مرض الإيدز (AIDS) = متلازمة العوز المناعي = فقدان المناعة المكتسب : هو أخطر جميع الأمراض الجنسية قاطبة . والرأي الغالب الآن بأن سبب هذا المرض هو وجود فايروس
(HIV ) الذي ينتقل عبر المني أو الدم إلى جسم الشخص فيؤدي بتكرار ذلك الانتقال إلى إضعاف جهاز المناعة وخاصة الخلايا اللمفاوية من نوع ( T4 )، ثم تبدأ أعراض المرض بما يشبه الأنفلونزا ( حمى ، وسعال ، ونقصان في الوزن ) ويستمر أسابيع دون أن تخف الأعراض، ثم يأتي الالتهاب الرئوي المتسبب عن الطفيلي ( Pnemocystitis Carnini )، وقد يقضي على المريض، وإذا لم يقض عليه، يأتي دور الطفيلي ( Cryptospodosys ) الذي يسبب إسهالاً شديداً مميتاً ، وإذا لم يصب بهذا الطفيلي فإنه يصاب بالورم الخبيث ( كابوسي ساركوما ) . والنهاية الحتمية هي الموت القريب .
إن أول ظهور هذا المرض كان في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1979 . ثم تبين بأنه لا تخلو منه أية دولة متفاوته بدرجة الانتشار ، وخشية من الإطالة سوف أكتفي بذكر بعض الأرقام حسب برامج الأمم المتحدة لمرض الإيدز لسنة 2012
عدد المصابين بالمرض في العالم حتى سنة 2013 حوالي (40,3 مليون ) 60% منهم في أفريقيا جنوب الصحراء . 77% منهم نساء .وأن أكثر المصابين بالإيدز في العالم ( 71% ) منهم من الشاذين جنسياً ، ( 15% ) من مدمني المخدرات .
ومن المناسب الإشارة إلى أن البلاد العربية ليست بمنأى من هذا الوباء ، وأن هناك ( 1/2 مليون ) شخص مصاب في البلاد العربية . نورد على سبيل المثال عدد المصابين في بعض البلاد العربية حسب أرقام برنامج الأمم المتحدة :
عدد الأشخاص المتعايشبن مع فيروس HIV ومرض الإيدز AIDZ في البلاد العربية في 3-12-2013 :
عمان = 2,800 ، الإمارات = 726 ، قطر = ، 200 البحرين = 600 ،اليمن 19,000 ، الأردن = 874 ، السعودية = 10,000 ،لبنان = 3,600 ، فلسطين =66 ، مصر =6,500 ، ليبيا= 12,000 ، تونس = 2,300 ، الجزائر = 7,000 ، المغرب = 30,000
سوريا : حتى عام 2011 ، 432 شخص . الكويت : حتى سنة 2013 عدد المصابين 214 .
العراق : ألإحصائيات الرسمية تؤكد تسجيل 250 حالة بين عام 1986-2006 . 85% ذكور
15% إناث . 77% منهم مصابون بالهيموفيليا وهم ضحايا إستخدام عقارالعامل ( 8) المضاد للنزف المستورد من فرنسا .وبلغ عدد الحاملين للمرض 615 (حسب إحصائية سنة 2013 ).
وبعد هذه المقدمة ندخل في صلب الموضوع ، فنقول بأن وسائل الإسلام في الوقاية من هذا الوباء ومكافحته هي نفس الوسائل التي قدمها للوقاية من جميع الأمراض التي تنتقل بواسطة الجنس والتي تتمحور في خمسة محاور هي :
الأول : الزواج
من المعروف أن للأديان من المتع الحسية والغريزة الجنسية موقفاً ثابتاً لا خلاف عليه . وهو ليس موقف الإباحة المطلقة ولا التحريم المطلق ، وإنما تبيح من هذه المتع صنوفاً معينة يطلق عليها حلالاً ، وتمنع أنواعاً أخرى يطلق عليها حراما ً . والإسلام كدين واقعي ، حينما إعترف بالغريزة الجنسية وضرورة إشباع هذه الجوعة الطبيعية التي غرزها الله سبحانه في الإنسان توخى من ذلك إستمرار التناسل وحفظ النوع ، ومن ثم ديمومة الحياة وإستمرارها . ولتحقيق ذلك لم يجعل الأمر هملاً بحيث يلتقي أي ذكر بأي أنثى دون قيد أو شرط ، بل رعى هذه الغريزة وجعل لها طريقاً صحيحاً دعا إليه وحبب فيه وحث عليه ، وذلك هو طريق النكاح ( الزواج ) .
قال تعالى (( فإنكحوا الأيامى ( أي غير المتزوجات ) منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم )) ( النور آية 32 ) .
وقال أيضاً (( فإنكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع )) ( النساء آية 2 ) .
وقال ( ص ) (( يامعشر الشباب من إستطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فليصم فإن الصوم له وجاء )) وكلمة وجاء تعني وقاية .
والإسلام حينما شجع على الزواج المبكر أمر بعدم وضع المعوقات الإقتصادية أمامهم بالمغالات في المهور والطلبات والشرط ، يقول ( ص ) (( خير الصداق . . أيسره )) صحيح مسلم بشرح النووي 222 .
وقال ( ص ) (( النكاح سنتي فمن أحب فطرتي فليستن بسنتي )) أخرجه أبو يعلى .
وهكذا نجد الإسلام قد نظم منذ البداية العلاقة بين الرجل والمرأة حيث شرع القوانين السليمة التي تجعل الفرد يتمتع بحقه الطبيعي دون أن يسبب للمجتمع أية أذى ، ففي الوقت الذي بارك فيه الزواج الشرعي السليم وأوجبه على القادر عليه ، وضع العقوبات الصارمة ( الجلد على غير المحصن ، والرجم على المحصن ) على مرتكبي الزنا . كل ذلك حفظاً على أفراد المجتمع الإسلامي من الانحلال والتسيب الجنسي الذي يقود إلى الكثير من الأمراض الخبيثة .
الثاني : الإحصان
لقد تدرج الإسلام في إحصان أفراده ورغبهم بالتسامي حتى يجعل الله لهم مخرجاً ، قال سبحانه وتعالى (( وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله )) ( النور آية 32 ) . والعفة مطلوبة من المتزوج وغير المتزوج ، وإن كانت في حق المتزوج آكد . لذا كانت العقوبة عليه أشد ، يقول ( ص ) (( عفوا تعف نساؤكم ، برو آباْكم تبركم أبناؤكم )) والتعفف له مقدمات لا بد من سلوكها ، وهذه هي :
1 – الإيمان بالله : فإذا دخل المرء دائرة الأسلام والإيمان ، فإن إيمانه يحول دون إرتكاب المعاصي ، ويقف مستعلياً إزاء المفاتن والمغريات ، وإذا ما تقوى إيمانه أتاه الله التقوى ، والتقوى هي أن يتقي محارم الله ويجتنب سخطه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً ، يقول ( ص )
(( أفضل الجهاد أن يجاهد الرجل نفسه وهواه )) رواه إبن النجار هن أبي ذر .
2 – إستحضار مراقبة الله في السر والعلن : فهو معنا أينما وحيثما وكيفما كنا (( يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور )) ( غافر آية 19) .
3 – الصيام : فهو علاج وقائي ، ويعمل على تسكين قوة النفس ، وقد سبق ذكر حديث الرسول ( ص ) .
4 – ملئ الفراغ بما ينفع ، فالنفس إن لم تشغلها بالخير إنشغلت بالشر ، والفراغ لا يمكن أن يحدث إلا إذا عاش الفرد على هامش الحياة ، لذا لا بد من إستثمار أوقات الفراغ بما ينفع كذكر الله والقراءة والمطالعة وإشتراك في أعمال الخير ومساعدة المحتاجين ومزاولة الرياضة
5 – سد الذرائع الموصلة إلى الحرام : ولم يكن يستقيم تحريم المحرمات في مجال المتع الجنسية إلا بسد السبل المعينة على الحرام أو المهيئة لأسبابه [1] وهذه هي :
أ – تحريم الدخول إلى بيت الغير دون إستئذان ، يقول سبحانه وتعالى (( يا أيها اللذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ، ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون . فإن لم تجدوا فيها أحداً فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم ، وإن قيل لكم إرجعوا فارجعوا هو أزكى لكم ، والله بما تعملون عليم )) ( النور 27-28 ) .
ب _ حفظ الجوارح عن المحرمات : من ذلك
غض البصر : والمراد هنا الغض عن المحارم ، والنظرة بريد الشهوة والزنا (( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن )) ( النور 30-31 )
حفظ السمع : إن كل ما حرم الكلام فيه والنظر إليه ، لا يحل سماعه والتلذذ به . فسماع اللهو والغناء الماجن حرام لأنها مخادع الشيطان .
تحريم الخضوع بالقول : وهو ترقيق الكلام والتغنج إذا خاطبت المرأة الرجل .
الأمر بالحياء : قال ( ص ) (( الإيمان بضع وستون _ أو بضع وسبعون _ شعبة ، أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان )) رواه مسلم .ويراد بالحياء ذلك الشعور بالخجل الذي يشعر به الإنسان أمام الله سبحانه وتعالى حينما يميل إلى عمل فعل منكر أو محرم . والتعاليم الإسلامية تنعش هذه الغريزة المتأصلة في الفطرة الإنسانية وتنميها بالعلم والفهم والشعور حتى تجعلها حاسة خلقية في نفس الإنسان تحرسه وتحميه . يقول ( ص ) (( لكل دين خلق وخلق الإسلام الحياء )) صحيح إبن ماجة .
ج – التنائي عن المثيرات الجنسية : هناك مثيرات لا حول للمسلم فيها ولا قوة ، ولكن هناك مثيرات يمكن تجنبها ، كالابتعاد عن ارتياد الأماكن المزدحمة بالنساء إلا لضرورة ، والإجتناب عن قراءة كتب الجنس الخليعة ، ومشاهدة الأفلام الهابطة والصور المثيرة وأنواع الفنون والملاهي . ولتأكيد مقصد العفة الجنسية بين مقاصد الزواج يقول ( ص ) (( إذا أبصر أحدكم إمرأة فليأت أهله ، فإن ذلك يرد ما في نفسه )) رواه مسلم .
وقبل أن ننهي موضوع الإحصان نقول بأنه هناك أمر هام مكمل للإحصان وهو ( الحرية ) ، حيث لا بد من تحرير الإنسان من رق وعبودية المال وعبودية الذل والمهانة ، وتجارة الرقيق بشتى أنواعه القديمة والحديثة حتى يتم القضاء على منابع الزنا .
الثالث : تحريم الزنا
الأسلام بل الأديان السماوية كلها تحرم الزنا وتحاربه ، وتسد الطريق المؤدية إليه . وجناية الزنا على النسب والعرض والنسل ، وأثره على إنحلال الأسرة والروابط الإجتماعية بين أفرادها ، وما يترتب عليه من طغيان الشهوات وإنهيار الأخلاق ، كل ذلك جعل تحريم الإسلام للزنى في صورة لا تقاربها إلا صورة تحريمه للخمر [2]. وذلك في قوله تعالى (( ولا تقربو الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا )) ( الإسراء آية 32 ) .
ولم يكتف الإسلام بتحريم الزنا بل أضاف إليه تجريمه ، وفرض عقاباً رادعاً ( جلد الزاني غير المحصن ورجم الزاني المحصن ) قال تعالى (( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة )) ( النور آية 3 ) . وفي الحديث الصحيح عن رسول الله ( ص ) نصوص قاطعة رواها البخاري ومسلم وغيرهما عن عقوبة الزاني المحصن وأنها الموت رجماً بالحجارة [3].
قال ( ص) (( لا تقوم الساعة حتى يتسافد الناس تسافد البهائم في الطريق )) رواه الطبراني عن إبن عمر . وقال ( ص ) أيضاً (( لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها إلا فشى بينهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضو )) رواه الحاكم وابن ماجة .
والدراسات العلمية أثبتت أنه في البلاد التي جعلت من الحرية الجنسية سلوكاً شائعاً بحجة التخلص من الكبت ، وأنغمست في الدرك الأسفل من الإنحلال والتسيب الخلقي ، إزدياداً شنيعاً في إنتشار الأمراض الجنسية المعروفة ، إضافة لأمراض جنسية جديدة ظهرت على السطح لم تكن معهودة من قبل ، ولا يتسع المجال للدخول في تفاصيلها ، وقد تناولناها في بحثنا ((الوقاية من أمراض الجهاز التناسلي في الإسلام )) .
رابعاً : تحريم الشذوذ الجنسي
وكما حرم الإسلام الزنا فإنه حرم العلاقة الجنسية المثلية المعروفة بالشذوذ الجنسي ( اللواط بين الذكران والسحاق بين الإناث ) وكذلك حرم إتيان البهائم .
قال تعالى (( ولوطاً إذ قال لقومه أنكم لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين ، ائنكم لتأتون الرجال وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر ، فما كان جواب قومه إلا أن قالوا إئتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين ، قال رب انصرني على القوم المفسدين ))
( العنكبوت آية 28-30).
وقال ( ص ) ملعون من أتى المرأة وهي حائض ، ملعون من أتى المرأة من دبرها ، ملعون من عمل عمل قوم لوط )) .
وقال أيضاً (( استحييوا من الله ولا تأتوا النساء في أدبارهن )) رواه إبن ماجة والترمذي .
وعن أبي هريرة ( رَض ) أن رسول الله ( ص ) قال (( لعن الله سبعة من خلقه من فوق سبع سماوات )) منهم (( ملعون من أتى شيئاً من البهائم )) رواه الطبراني .
وقال ( ص ) (( أربعة يصبحون في غضب الله ويمسون في سخطه ، قلت من هم يا رسول الله ، قال المتشبهون من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال والذي يأتي البهيمة والذي يأتي الرجال )) رواه الطبراني عن أبي هريرة .
وهناك أحاديث كثيرة يحذر فيها رسول الله ( ص ) من الشذوذ الجنسي في النساء ( السحاق ) أيضاً لا يتسع المجال لذكرها .
خامساً : تحريم تناول المخدرات
الأديان السماوية كلها تحرم ما يضر العقل أو يذهبه أو يفسده (( وقد إتفقت الأمة – بل سائر الملل- على أن الشريعة وضعت للمحافظة على الضروريات الخمس وهي الدين والنفس والعقل والنسل والمال ))[4] .
وقد حرمت المخدرات تبعاً لتحريم الخمر . والخمر في الإسلام أم الكبائر . وهي كذلك في الواقع أم المخدرات جميعاً . وتحريم الإسلام للخمر تحريم قطعي ، يقول تعالى (( إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فإجتنبوه لعلكم تفلحون ، إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله فهل أنتم منتهون )) ( المائدة آية 90-91 ) .
وحكم المخدرات نفسه حكم الخمر ، روي عن النبي ( ص ) أنه قال (( ألا إن كل مسكر حرام ، وكل خمر حرام ، وما اسكر كثيره حرم قليله ، وما خمر العقل فهو حرام )) رواه أبو نعيم عن أنس .
والتحريم يتبع الخبث والضرر ، وقد أبرز اكتشاف وباء الإيدز ضرراً جديداً لم تكن البشرية مدركة له ، وهو ضرر انتقال العدوى بهذا الوباء وغيره من الأمراض المعدية الفتاكة عن طريق حقن المخدرات التي تكون عادة ملوثة . ولو لم يكن للمخدرات من أضرار سوى هذا الضر لكفى وحده في تحريمها ، فكيف وقد قرر الفقهاء بإجماع تحريم جميع أنواع المخدرات التي تغيب العقل وبصرف النظر عن طريق تناوله .
وقبل أن ننهي البحث هناك مسألة ( الحرية وحقوق الإنسان ) التي يستظل بظلها بعض من ضعاف النفوس وتجار الدعارة للتحلل من الحياة الزوجية النظيفة إلى حياة الفوضى الجنسية . وللإسلام حول ذلك رأي منطقي وسليم لا بد من طرحه فنقول [5]:
الحرية الشخصية في نظرة الشريعة الإسلامية مكفولة خارج نطاق الأوامر والنواهي التي يقرها القرآن والسنة . أما حيث يكون هناك أمر أو نهي في أحد هذين المصدرين ، فإن نطاق الحرية الشخصية يتوقف عند حدود الأمر والنهي ولا يتجاوزهما .
وإذا كان من بين الحقوق المقررة في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان ، الحق في الخصوصية التي يترتب عليها الحق في ممارسة ما يشاء كل إنسان ممارسته من علاقات وسلوكيات ، فإن الحق في الخصوصية والحق في الأمن الشخصي يمارسان في المجتمع الملتزم بتعاليم الدين في حدود القيم الدينية المتعلقة بالأخلاق الفردية والجماعية .
ومن هنا نصت المادة السابعة عشر من إعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام على أنه (( لكل إنسان الحق في أن يعيش في بيئة نظيفة من المفاسد والأوبئة الأخلاقية ، تمكنه من بناء ذاته معنوياً ، وعلى المجتمع والدولة أن توفر هذا الحق )) .
ونصت المادة الرابعة والعشرون منه على أنه (( كل الحقوق والحريات في هذا الإعلان مقيدة بأحكام الشريعة الإسلامية ))
وإذا كان الهدف الرئيسي في الإتجاه إلى تقوية الجهود المبذولة في مجال حقوق الإنسان يتجه نحو منع التمييز ضد المصابين بالعدوى بالإيدز وبقية الأمراض المنقولة جنسياً ، فإن هذا الهدف مضمون في الإسلام ، إلا أنه يتعين أن يضاف توجه مواز مؤداه أن لا يجري تشجيع للترخص في العلاقات وقبول أنماط السلوك المتحررة من إلتزام القيم الخلقية ، أو غير المراعية للوقوف عند حدود الحلال والحرام الدينيين بدعوى حقوق الإنسان .
ولذلك كان من توصيات ( المشاورة الإقليمية حول الدين والأخلاقيات في الوقاية من الإيدز والأمراض المنقولة جنسياً ومكافحتها والذي صدر عن المكتب الإقليمي لشرق البحر الأبيض المتوسط التابع لمنظمة الصحة العالمية ) أن
(( حقوق الإنسان مصونة في جميع الأديان . ولا ينبغي أن تتخذ الدعوة إلى الحرية الفردية ذريعة لممارسة سلوك فيه مساس بحرية وسلامة الآخرين أو المجتمع بصفة عامة بما في ذلك تعريضهم للعدوى ))
[1] – دور الدين والأخلاقيات في الوقاية من الإيدز ومكافحته _ منظمة الصحة العالمية _ المكتب الإقليمي لشرق البحر الأبيض المتوسط ، 1992 ، ص 18 .
[2] – المصدر نفسه ص 12 .
[3] – العوا ، الدكتور محمد سليم :أصول النظام الجنائي في الإسلام ، ص 228 .
[4] – دور الدين ( مصدر سابق ص 15 ) .