إيلاف: محمود عباس
غني عن التعريف دور حلفاء الأسد في ديمومة سلطته بدون قيود وحدود، رغم الجرائم والدمار الهائلين الذين يحلهما بالوطن، ولم يكن غريبا على العالم إضفائهم الشرعية على رئاسته الثالثة، فمواقف روسيا في الأروقة السياسية والدبلوماسية العالمية تجاوزت حدود تأنيب الضمير أمام صرخات أطفال سوريا ومعاناة شعبها، ناهيكم عن جرائم ميلشيات حزب الله وغيرهم من التيارات الذين يعبثون بأرض الوطن، هذه مواقف واضحة ومعروفة ولا داعي للبحث فيها.
لكن انتهازية الإخوان المسلمين، وتكالبهم على السلطة منذ بداية الثورة، والتي تخللتها جهالة بالمستقبل، المؤدية إلى مراجعة أمريكا وحلفاها لحساباتها مرات ومرات، وسياستهما، مع تهاون الدول المعنية بقضية سوريا، والتي هي من ضمن الأسباب التي أوصلت الوطن بأن تستقبل مهزلة انتخاب بشار الأسد لولاية ثالثة، عن عدم دراية وقصر نظر كسياسة الإخوان وبدراية وتخطيط كما تفعله أمريكا والأطراف المحسوبة على الثورة، والدول المساندة لها، ومواقفهما وسياستهما هي التي يجب التوقف عندها مليا.
الجهتان تدركان أن الانتخابات جرت بنزاهة، في بقع متفرقة من سوريا، والنتائج صحيحة، وتعكس نوعية المنطقة التي تستند عليها السلطة في وجودها منذ عقود، ولا علاقة لسوريا وشعبها بما جرى من المهزلة الإعلامية، وأن النسبة المعلنة واقعية ولأول مرة في تاريخ السلطة الأسدية، وفي الحقيقة لم تزداد نتائج الانتخابات أو الاستفتاءات في هذه المنطقة يوما عن المبان حالياً، وبسبب الهجرة الواسعة منها كما هي من جغرافية سوريا الكلية، بلغت ما ذكر، وكانت بحدود 88%، والنسبة تعكس أجزاء من المنطقة الساحلية، والتي كانت تحتضن يوماً معارضة للسلطة، رغم الإرهاب والترغيب، لكن لم تبين حينها حقيقة الأرقام مثلما أظهرتها اليوم. فهل المهزلة الانتخابية هذه، ستحض الإخوان على مراجعة انتهازيتهم وتكالبهم على السلطة، ليتحرروا من أنانية الذات؟ وهل ستدقق أمريكا حساباتها لتقدم دعما حقيقيا كما تقدمه حلفاء الأسد له، لترجيح كفة الثورة؟
في الواقع السوري العام، سلطة بشار الأسد مرفوضة وغير دستورية منذ أول انتخاب له، والانتخابات الحالية لا تعكس حقيقة إرادة الشعب السوري، ولا المنطق الذي رفض الشعب الاشتراك فيه. رغم كل الانحرافات التي حدثت في الثورة والتعتيم على مفاهيمها، فعدم اشتراك الشعب شاهد على إرادة الأمة، وتعكس شعار الثورة (إسقاط النظام)، ومن السهل على الثورة تقليع المفاهيم وثقافة السلطة الشمولية من جذورها بعد القضاء على حكم الأسد، فالرفض يعكس رؤية الإنسان السوري لسلطة بنيت وتستمر على الإرهاب، ولا شك هناك شرائح تحتاج إلى سنوات لخلاصهم بالشكل التام من ثقافة الإرهاب التي تجرهم إلى التأييد.
كان أولى بسلطة بشار الأسد عدم إجراء الانتخابات في المناطق غير المؤكدة الولاء وتلصقها بقوانين انتخابية تعدم فيها العملية، فهذه السلطة لم تعير أهمية للصوت السوري يوماً في انتخابه، منطقة استثنائية كافية ليركز عليها أعلامه على إنها سوريا الكلية، فمنذ انقلاب والده على السلطة لم يدخل في حساباته أهمية صوت الإنسان السوري ومن حينها تم إعدام ذلك الصوت في الانتخابات أيا كانت. فالقضية ليست في نجاحه أو عملية التزوير والتلفيق أو الدعاية الإعلامية الفاسدة، بل في المسيرة التي أوصلت بشار الأسد إلى اللحظة، والقوى التي ساهمت في بقائه، وتلك التي شاركت بانتهازيهتا في تفاقم الصراعات الدولية على سوريا.
سيحاسب الشعب السوري يوما تلك المعارضة التي قضمت مفاهيم الثورة، وعزلت الشباب الثوري عن ساحات الوطن للاستئثار بالسلطة التي سالت لعابهم عليها، والذين أصبحوا بشكل غير مباشر السند الأكبر على بقاء الأسد حتى اللحظة، وفي مقدمة تلك القوى الإخوان المسلمين، الذين لم يتعظوا من تجربتهم في بداية الثمانينات من القرن الماضي، وإعطائهم السلطة التبريرات في تدمير كامل لمدينة حماه وأطراف من حلب وقتل أكثر من ثلاثين ألف سوري، فكرروا الخطأ نفسه مع السلطة نفسها، لتجرف الثورة السلمية إلى العنف، وكانوا على دراية بتبعية الجيش شبه الكلي لنظام الأسد، وكان معروفاً أن قوامه من طائفته العلوية والتي يحوز بينهم اليوم على نسبة 88% من الأصوات الانتخابية.
قامت السلطة بدراية على تدمير الوطن، وتحريف مسار الثورة السورية السلمية، وكان للإخوان دوراً بشكل غير مباشر في هذا، لأنهم كانوا التيار الأكثر قوة وتنظيما في المعارضة، فهم الذين وعلى مدى تسلطهم على معارضة الخارج وبمساعدة قوى عربية تحكموا في قراراتها، واصروا على معارضة التدخل الخارجي، وهو الموقف الذي أدى إلى تقليص دور أصدقاء الشعب السوري في دعم الجيش الحر، والقوى الثورية الحقيقية، ليجد التكفيريين متنفسا واسعا في السيطرة على الأرض، وهو العمل الذي سهل للسلطة تشكيل مجموعات إرهابية أغرقت سوريا في شرورها من جهة وشوهت وجه الثورة عالميا من جهة أخرى، وزعزعت مواقف بعض الدول الراغبة في دعم الثورة.
لم يرفع الإخوان يوما شعاراً ثوريا ولم يدعموا تيارا يطالب بتغيير كلية النظام، بل ساندوا بطريقة أو أخرى على توسيع مفهوم أسقاط سلطة الأسد تحت حجة أنه بزواله ستكون بدية نجاح الثورة، فهم من رواد الإصلاح في الدستور والنظام الجاري مع بعض الإصلاحات والرتوش الشكلية على الموجود بعد الاستيلاء على السلطة، وقد كان بنائهم للمجلس الوطني السوري بالطريقة التي عملوا عليها وبالا على الثورة والمعارضة الخارجية، فعن طريقها برز الوجه الإسلامي السياسي الراديكالي للثورة السورية، وسياستهم الخاطئة تلك كانت من ضمن العوامل التي أوصلت بشار الأسد إلى هذه اللحظة، وليقدم ذاته كمنتخب ديمقراطي! ويعلن نفسه رئيسا دستوريا لسوريا! وبانتخابات نزيه ضمن عدة نقاط جغرافية متفرقة داخل الوطن! ويعرضها على أنها تمثل الأمة كله! متجاهلاً دراية الشعب والدول بأن نصف الشعب السوري إما مهجر أو لا يملك أحقية الانتخاب حسب القوانين الانتخابية التي سبقت العملية والذين يرفضون الانتخابات كلياً.
كما وأن سياسة إخوان المسلمين، وبشائع التكفيريين، أحجمت مساندة العديد من الدول المعنية بالثورة، عزلت البعض من الشرائح السورية، عندما عتموا على حقوق الأقليات، ولم يدحضوا سياسة السلطة حول قضية الشعب الكردي، ولم يتجاوزوا ما كان يحجم عنه السلطة نفسها، واسندوا مفاهيمهم بالتصريحات العنصرية تجاه الكرد والأطياف السورية الأخرى، فكانت من الأسباب التي أبعدت الكرد عن القوى المعارضة العربية، ليشكلوا المعارضة الوطنية الديمقراطية على عدة محاور، علما بأنه لا تزال مفاهيمهم حول سوريا اللامركزية وفيدرالية سوريا القادمة، مرفوضة من قبل التيارين الإسلامي والبعثي، وهو المفهوم الأكثر ثوريا من كل ما قدموه غيرهم من الشرائح التي أبرزت ذاتها كمعارضة، وبناءً على هذه الاختلافات اظهر قادة الإخوان والذين ترأسوا المجلس الوطني السوري، والائتلاف حاضرا، على انهم كانوا ولا يزالون يبحثون عن تغيير دكتاتور بمفهوم قومي طائفي إلى دكتاتورية بمفهوم إسلام سياسي تكفيري. هذه المواقف إلى جانب غيرها من العوامل الذاتية بالثورة، أعطت لرئيس أمريكا براك أوباما، الدولة الأكثر ثقلا في القضية السورية، تبريرا لمواقفه المتخاذلة حول سوريا عامة وتغيير السلطة بشكل خاص، ووضحها في خطابه الأخير عند عرضه لسياسته الخارجية، فاستمر في غموضه أو تذبذبه حول الحلول النهائية للقضية السورية، كما وتوقع بعد مرور أربع سنوات زمنا قادما بدون حسم فيها، وكأنه الزمن الذي يحتاجه الصراع للقضاء على التكفيريين والسلطة والإرهابيين الذين يدعمونها معا.
رغم كل الدمار البشري والاقتصادي في سوريا، لم يصدر من البيت الأبيض أكثر من تشخيص لبشار الأسد ووصفه بدكتاتور سوريا، وتكرار لتصريحات سابقة، بأنه عليه التخلي عن السلطة ولا يمثل الشعب السوري، دون أن يقدم رئيسها للمعارضة السورية أية ضمانات أو أمل على أن كلمته ستدخل في حكم الفعل، بل نبه الشعب السوري والمعارضة الخارجية ونبه العالم على إنها غارقة تحت سيطرة التكفيريين الذين رافقهم الإخوان إلى تخوم حدود سوريا، سياسيا ودبلوماسيا، من الدول العربية على الأقل، وماديا، وكان تنبيها إلى أن أمريكا لن تقدم دعما للمعارضة أكثر من الجاري. كلمته كانت ردة فعل على التهجمات القوية من القوى السياسية والإعلام الناقد لسياسته تجاه سلطة بشار الأسد.
لا مجلس الإخوان ولا الائتلاف المتسلطون عليه مع البعث الانتهازي (المتوقع أن يترأسها رياض حجاب البعثي العروبي ورجل السلطة وخادم الأسد على مدى العقود الماضية)، لم يظهرا رؤية واضحة وثورية حول التيارات الإسلامية الراديكالية، الرافضة للوطن والقومية، هؤلاء الذين ليس لهم علاقة بالثورة السورية أو تغيير النظام، كما ولا يزال موقفهما غير واضح من جبهة النصرة المدرجة ضمن قائمة المنظمات الإرهابية.
بناءً على هذه التشوهات التي أحدثت في الثورة السورية، شدد براك أوباما في خطابه المذكور، وبدبلوماسية ودون استخدام اللكنة القوية، كما يستخدمها عادة الجمهوريين في مثل هذه القضايا الخارجية، على موقفه السياسي بحجج ومواضيع شملت الكرة الأرضية كلها، وهي المرة الأولى التي ينتقل من منطق توضيح سياسته الخارجية على العالم، إلى أسلوب الدفاع عنها وخاصة عند عرضه القضية السورية، والتيارات الإرهابية، وكانت الكلمة، موجهة للمعارضة في الداخل والخارج، ومقدمة لتمديد سلطة بشار الأسد، وهي كانت في بعدها العام عدم اعتراض على الانتخابات التي جرت في سوريا رغم ما أعلن من بيانات حول عدم مشروعيته، والتنديد بها، ووصف بشار الأسد بالدكتاتور.
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@mail.com