دموع الرجل
مارثا فرنسيس
من الشائع في مجتمعاتنا الشرقيةاعتبارالبكاء دليلاً على الضعف ،خاصة بالنسبة للرجل ، فالطفل الذكر يسمع جملة معينة ترن في أذنه وكإنها من أهم المبادئ الحياتية التي يجب ان يلتزم بها منذ نعومة اظفاره ويطبقها في كل المناسبات ( الراجل مايبكيش )،ففي اعتقاد اغلب الناطقين باللغة العربية ان البكاء للمرأة والأطفال فقط لأنه تعبير عن الضعف،(وكالعادة حكموا بالضعف على المرأة في كل المجالات حتى في البكاء)وصدقاً لاأعلم من أين استنبطوا هذه المعلومة المغلوطة ، فالبكاء حق شرعي لكل انسان للتعبير عن بعض المشاعر المختلفة التي قد يصعب التعبير عنها بالكلام أو بالشكوى وكثيراً مايكون الكلام والشكوى مؤلماً للنفس . البكاء هو تعبير عن الإستجابة الطبيعية لانفعالاتنا الداخلية ، وهو يريح الإنسان من الضغوط النفسية التي يتعرض لها في المواقف الصعبة والمؤلمة ويساعد على تفريغ طاقة الحزن الداخلي دون أن تؤثر بشكل سلبي على الإنسان جسدياً ونفسياً .
الدموع تغسل العين وتنظفها من الأجسام الغريبة الضارة بها ، وقد أكدت آخر الأبحاث التي أجرتها جامعة ميتسونا أن انسياب دموع الإنسان هي أفضل طريقة للتخلص من المواد الكيميائية التي تتكون نتيجة التوتر النفسي ازاء مشاعر الغضب والحزن الذي يتعرض له الإنسان ،و يؤدي كبت الدموع الى الإصابة ببعض الأمراض مثل قرحة المعدة وإصابة القولون والجهاز التنفسي ببعض الأمراض وأيضاً الإصابة ببعض اشكال الطفح الجلدي ، وقد نندهش انه لايخشى على العيون الباكية بل على العيون الجافة التي تم تلقين صاحبها منذ طفولته على منع عينيه من البكاء لأنه عيب وان مثل هذا المظهر لايناسب الرجل . وتحتاج العيون الجافة التي جف ينبوع دموعها الى دموع صناعية في شكل محلول او قطرات للعين لتعطي فقط مجرد تلطيفا ً لها .
البكاء يوسع الرئة ويهدئ المزاج وهو أفضل علاج للأعصاب المتوترة ، كما انه يعد تمريناً مفيداً للقلب ولعضلات الصدر والكتفين والحجاب الحاجز ، ويرجع ذلك للاسترخاء المريح الذي يحدث لهذه العضلات بعد البكاء .
تستطيع المرأة عادة البكاء أكثر من الرجل وذلك لسببين رئيسيين أولهما ان المرأة قادرة على التعبير عن مشاعرها بشكل جيد وقادرة على مشاركة مشاعرها مع أو امام الآخرين بشكل جيد أيضاً أما السبب الثاني فهو وجود هرمون معين بنسبة أكثر لدى المرأة وهو من المكونات – prolactin – وهو المكونات الأساسية للدموع
الدموع خير تعبير عن الألم النفسي الذي يصاب به الإنسان عند تعرضه لفقد حبيب أو قريب له أو عند الإحساس بالندم على قرار خاطئ أو عند الإحساس بالذنب نتيجة سلوك مشين ، او عند الإحساس بالظلم خاصة من الأحباء ، وايضاً التعرض للغدر من أقرب القريبين فهذا يكسر النفس ويملأ المآقي دموع . بالإضافة الى المعاناة من الآلآم الجسدية التي تفوق الإحتمال ولايمكن التعبير عن شدتها الا بالدموع . كل هذه المشاعر الإنسانية التي نتعرض لها والتي لاتفرق بين رجل وامرأة يحتاج فيها أو في بعضها أو في اشدها الإنسان للتعبير عن الألم وقد تكون هذه الطريقة هي الدموع .
ان عادة تحريم البكاء على الأولاد والرجال عادة قاسية تقهر الأحاسيس وهي موروث مبني على جهل فقط ، هذه العادة قد تضفي مع مرور الزمن برودة وتبلد في المشاعر وليس قوة وشجاعة بالإضافة الى الإصابة بالأمراض كما ذكرنا أعلاه .
كان يوسف الصديق رجلاً صادقاً في احاسيسه ، لم يمنعه مركزه كالرجل الثاني بعد الفرعون في مصر من احتياجه للبكاء ، عندما رأى أخوته وعرفهم وهم لم يعرفوه اذ لم يتصوروا أن هذا العظيم هو أخيهم ، وعندما عرفهم بنفسه أطلق صوته بالبكاء غير مهتم بمكانته أو مركزه الإجتماعي ، وايضا عندما رأى اخاه الأصغر بعد كل هذه السنين طلب مكانا ليبكي من فرط تأثره من هذا الموقف ،بكى أيضا عند وفاة ابيه ولم يخجل ، وذكر الكتاب المقدس أمثلة كثيرة لأشخاص كانت لهم مكانتهم الكبيرة ورغم هذه كانوا يعبرون عن مشاعرهم بصراحة وصدق وحرية مثل داود النبي وارميا ويوسف وغيرهم كثيرون . بكى يسوع أيضا ً عندما وقف أمام قبر صديقه لعازر الذي مات وكان متألما ً جدا ً مع هذه الأسرة.
عزيزي الرجل : إبكِ حينما تشعر باحتياج أن تبكي ، ليس هناك أسباب حقيقية تمنعك من التعبير عن الآم نفسك ومشاعرك ولاتمنع أولادك أيضا ً من البكاء للتعبير عما يجرح أو يصدم مشاعرهم ، او حتى أجسادهم ، فهم لايحتاجون في هذا الوقت الى نصائحك الغالية او عظاتك الدسمة ولكن يحتاجون الى تفهمك فقط ، أو مجرد تعاطفك أو لمسة يدك الحانية
يفتقد بعض اولادنا الى مايسمى بالذكاء الوجداني وهو القدرة على التعبير عن المشاعر الخاصة ثم القدرة على التحكم في هذه المشاعر ثم التعرف على مشاعر الآخرين والتعاطف معهم .
امنياتي القلبية بكل الصحة الجسدية والنفسية
محبتي للجميع