ديفيد أولبرايت
من العبارات الشهيرة على لسان الممثل الأميركي الكوميدي تشيكو ماركس: «هل ستصدقني؟ تصدقني أنا أم عينيك؟»
ترددت أصداء هذه العبارة في أذنيّ عندما سمعت وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، مؤخرًا، يتهم المنظمة التي أعمل بها، «معهد العلوم والأمن الدولي»، بترويج أكاذيب عندما نشرنا صورًا التقطتها أقمار صناعية تكشف وجود نشاطات جديدة مثيرة للقلق بموقع بارشان العسكري، قرب طهران. وقد ربطت استخبارات غربية والوكالة الدولية للطاقة الذرية هذا الموقع بأعمال سابقة على صعيد تصنيع أسلحة نووية. بيد أن ظريف وصف مسؤولي الاستخبارات الأميركية وأعضاء الكونغرس بـ«الكاذبين»، وأنهم المصدر الرئيسي للمعلومات بخصوص تجدد النشاطات داخل منشأة بارشان. وكل هذا رغم أن كل ما فعلناه نشر صور التقطتها أقمار صناعية تكشف هذه النشاطات.
نحن من جانبنا نلتزم الحياد تجاه ما إذا كان ينبغي تنفيذ الاتفاق النووي، وأوضحنا هذا الموقف منذ أسابيع. كما أن مجتمع الاستخبارات الأميركي لا يعارض الاتفاق.
الملاحظ أن المخاوف حيال بارشان زادت إلحاحية الآن لدرجة أن هناك جدلاً محتدمًا حول ما إذا كانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية ستتمتع بالقدرة المناسبة للدخول لهذا الموقع في ظل شروط الاتفاق المبرم مع إيران. ويزداد القلق بالنظر إلى أن إيران طالبت بإجراء أخذ العينات بنفسها من ذلك الموقع، بدلاً من السماح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالقيام بذلك. في الواقع، هذا الإجراء خطير وغير مسبوق. الآن، لن يكون باستطاعة مفتشي الوكالة زيارة بارشان حتى لما بعد أخذ العينات.
ويمكن أن يفسر هذا سرعة غضب ظريف خلال بعض فترات التفاوض؛ ففي لحظة ما خلال المفاوضات، صرخ ظريف بشدة في وجه جون كيري لدرجة أن صوت الصراخ بلغ مسامع من كانوا خارج الغرفة. من الواضح أن الغضب يتملكه بسهولة. إلا أنه في الوقت ذاته يعد واحدًا من العناصر الأكثر عقلانية داخل الحكومة الإيرانية. وأتذكر أنه في أواخر تسعينات القرن الماضي جرت مناقشات مع الحكومة الإيرانية ومسؤولين نوويين في نيويورك، حيث أعلن الإيرانيون بحماس، رغم توافر أدلة قوية تشير إلى العكس، أنهم لا يملكون أي برامج للطرد المركزي للغاز. وقد توليت حينها مهمة تقديم أدلة على أنهم يملكون مثل هذه البرامج في واقع الأمر. وخلال واحد من تلك الاجتماعات، قال لي ظريف بهدوء بأنه لطالما أخبرني أن إيران تملك دورة الوقود برمتها – وهي لغة فنية تحمل اعترافًا بامتلاكها برنامج تخصيب. وقد أثار استعداده للاعتراف بالحقائق الواضحة في نفسي شعورًا بالأمل في إمكانية تسوية الأزمة حول البرنامج النووي الإيراني دبلوماسيًا. ويكشف رد الفعل هذا أن أمرًا مريبًا قد يحدث في بارشان. أما المؤكد فهو أن تسوية قضية بارشان تمثل أهمية محورية لجهود الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتخلص من المخاوف المحيطة بجهود إيران السابقة على صعيد إنتاج الأسلحة النووية. ومع ذلك، فإن بارشان ليست الموقع الوحيد المهم. إلا أنه بدلاً من السماح بذلك، تبدو طهران مستمرة في سياستها القائمة على الإنكار الكامل.
من ناحيتها، أكدت الولايات المتحدة مؤخرًا اعتقادها بأن إيران امتلكت برنامجًا لصناعة الأسلحة النووية. وعليه، فإنه حال تمسك إيران باستراتيجيتها الراهنة، فمن المتوقع حدوث أزمة تتضمن رفض طهران خلال الشهور المقبلة السماح لمفتشي الوكالة بالدخول للمواقع التي يحتاجون الاطلاع عليها ومقابلة العلماء الذين يحتاجون الحديث إليهم.
على واشنطن والكونغرس تحديدًا التأكيد بوضوح وعلانية أنه حال عدم تناول طهران المخاوف التي أبدتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية بخصوص الأبعاد العسكرية السابقة لبرنامجها النووي، فإن العقوبات الأميركية لن ترفع عنها. بخلاف ذلك، سيتحول الاتفاق النووي لمجرد أضحوكة.
* مؤسس ورئيس معهد العلوم والأمن الدولي
* خدمة «واشنطن بوست
المصدر الشرق الاوسط