قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لو تكاشفتم ما تدافنتم”.(الكامل1/240)
عندما تتحدث عن ما يسمى ( الحشد الشعبي) ضع المقدسات جانبا! القداسة لا تنطبق على أي جيش في العالم منذ بداية تأسيس الجيوش النظامية ولحد الآن، فكيف يكون الحال مع ميليشيا تخص طائفة محددة، وقد اعترفت المنظمات الدولية ورئيس الحكومة وبعض قادتها بإرتكابها المئات من الإنتهاكات ضد المدنيين؟ الحقيقة ان إطلاق صفة الشعبي على الحشد لا يمكن هضمها، فهي مهما صنفت من قبل البعض لا تعد سوى ميليشيا ولم يطرح قانونها على التصويت في البرلمان الا يوم 26/11/2016 وهذا إعتراف ضمني بأنها لم تكن تمتلك صفة قانونية قبل إقرر قانونها، سواء ارتطبت بالقائد العام او بغيره. وسبق لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي ان استحدث غير نظامية كقوات سوات وغيرها وربطها بمجلس الوزراء منتعلا البرلمان ونوابه، وهذا ما جرى مع الحشد أيضا.
طالما ان الحشد يمثل طائفة محددة، وهو كما يزعم البعض أسس بناءا على فتوى من مرجع يمثل طائفة واحدة، فلا يمكن اطلاق صفة الشعبي عليه، يمكن تسميته بالحشد الطائفي، الشيعي، المذهبي، السيستاني، الحرس الثوري العراقي، أو الباسيج كما وصفها النائب الإيراني (عزت الله يوسفيان ملا) في تصريح لموقع البرلمان الإيراني في 28/11/2016 ” أن قانون إضفاء الشرعية على الحشد الشعبي وضم تشكيلاته للقوات العراقية، أسهم في جعل الحشد قوة تشبه قوات التعبئة (الباسيج) التابعة للحرس الثوري”. وغيرها من التسميات لكن ليس بالشعبي، سيما ان المرجع الذي أفتى بتأسيسه لا علاقة له بالوطن ولا الشعب العراقي، لأنه فارسي، بل ورفض الجنسية العراقية متمسكا بفارسيته، وهذا بطبيعة الحال من حقه ولا إعتراض عليه، لكننا نتمنى فعلا ان يكون في ايران مرجعا عربيا او عراقيا يتصرف بالحكومة الإيرانية وجميع مقدراتها السياسية والاقتصادية والدينية والثقافية والإجتماعية، ويتمسك بقوميته ويعمل من أجل وطنه الأم كما يفعل المرجع الشيعي علي السيستاني.
هناك إنقسام حاد في الرأي العام الشيعي حول من الذي أسس الحشد الطائفي، هل المرجع الشيعي علي السيستاني أم نوري المالكي، فكل منهما يدعي الأمر لنفسه؟ الحقائق تشير بأن المالكي هو الذي أسس الحشد، وإقتصر دور السيستاني على التغطية الدينية فقط. سبق أن صرح المالكي” أنا قمت بزج الحشد الشعبي وطالبت بالتعبئة وبعد ذلك صدرت فتوى المرجعية ” ويبدو أن السيستاني تورط في فتوى الجهاد الكفائي كما سيتبين فيما بعد، علما انه لم يطرح فكرة الحشد الشعبي وإنما الجهاد الكفائي. والأغرب منه ان السيستاني لم بعترض على تشكيل ما يسمى بهيئة الحشد الشعبي حيث انها تخالف ما جاء في الفتوى الني نصت على ان ينضم المتطوعون الجدد الى الجيش وليس تشكيل ميليشيا شيعية جديدة تضاف الى العشرات الموجودة على الساحة العراقية فتحول المصيبة الى كارثة. وهذا ما أكده أيضا في11/7/2014 بأن” الدعوة للتطوع في صفوف القوات العسكرية والأمنية العراقية إنما كانت لغرض حماية العراقيين من مختلف الطوائف والأعراق وحماية أعراضهم ومقدساتهم من الإرهابيين الغرباء ومن هنا نؤكد على جميع المقاتلين في القوات المسلحة ومن التحق بهم من المتطوعين، جميعاً ضرورة الالتزام التام والصارم برعاية حقوق المواطنين جميعاً”.
في لقاء للمالكي مع شبكة إيلاف الالكترونية ذكر” إذا قلت من أسس الحشد الشعبي، فأقول نعم أنا من أسس الحشد الشعبي، وفكرتي عن تأسيس الحشد الشعبي موجودة منذ 2012، وخاصة في نهاية 2012 حينما اشتدت المؤامرة في سوريا”. بمعنى أن مسألة تأسيس الحشد سبقت وجود تنظيم الدولة الإسلامية عام 2014، ولا علاقه له بسلفها تنظيم القاعدة بل بما سماها المؤامرة على سوريا! والمالكي عميل متجذر لولايه الفقيه وبحكم عقليته المتحجرة من جهة وإلتزامه الصارم بتوجيهات الولي الفقيه من جهة أخرى، لذا يمكن الجزم بأن فكرة الحشد ليست من بنات أفكاره وإنما أمليت عليه من وليه! لكننا نميل فعلا إلى أن المالكي هو الذي أسس الحشد بناء على أجندة ايرانية وليست فتوى السيستاني التي أطلقها في 13/6/2014 لعدة إعتبارات سنوضحها. على الرغم من ان المالكي يناقض نفسه عندما يدعى تارة أنه أسس الحشد قبل ولادة داعش، كقوله” الحشد الشعبي بدأ منذ الشهر الثالث أي قبل سقوط الموصل”. وتارة بزعم انه أسسه لمحاربة داعش كتصريحة “أن الحشد تأسس لمحاربة داعش، عندما سألوني ما هو البديل إذا انحل الجيش العراقي، فقلت لهم ليس لدينا بديل سوى التعبئة الجماهيرية وبعد ذلك جاءت تسمية الحشد الشعبي”.
ان التصريحات الإيرانية بشأن تأسيس (الحرس الثوري العراقي) سبقت إدعاءات المالكي، كما ان التصريحات اللاحقة كانت تتناغم مع دعوات المالكي وأقزام الولي الفقية في العراق، فهم صدى لأصوات ولاية الفقيه لا أكثر. وهذا ما يمكن استنتاجه من خلال تصريحات زعماء ولاية الفقيه في إيران. فقد صرح (العميد آبنوش) قائد فيلق الحرس الثوري لمحافظة قزوين في كلمة ألقاها بمناسبة اسبوع العقائدية في يوم 22 نيسان2014 ” أن فيلق الحرس الثوري يتم تأسيسه في دول أخرى وسيلعب دورا مهما في هذه البلدان منها فيلق الحرس في العراق حيث يؤدي دورا مهما في العراق”. كما صرح الجنرال (حسين سلامي) نائب قائد الحرس الثوري الإيراني في 31/12/2014 بأن تغير موازين القوى الذي تشهده المنطقة يصب في مصلحة الثورة الإسلامية الإيرانية، مشيدا بوجود جيوش شعبية مرتبطة بالثورة الإسلامية في العراق وسوريا واليمن، يبلغ حجمها أضعاف حزب الله في لبنان”. وأضاف سلامي” أن الثورة الإسلامية ارتبطت بأواصر مع العراق، لتتشكل هناك قوات شعبية يبلغ حجمها عشرة أضعاف حجم حزب الله في لبنان”. (كالة أنباء فارس الايرانية).
كما نقلت بتاريخ 27 كانون الأول 2014(صحيفة واشنطن بوست) عن رجل دين مقرب من المرشد الاعلى الايراني اية الله علي خامنئي قائلا أنه منذ حزيران الماضي” أن الحكومة العراقية التي يقودها الشيعة تعتمد بشكل متزايد على الميليشيات القوية وقوة من المتطوعين الشيعة واسعة النطاق، والتي معا قد يساوي الآن حجم قوات الامن العراقية”. كما أفادت وكالة تسنيم الدولية للانباء في 6/11/2016 ان اللواء صفوي قال خلال الملتقى العام لخصائص قيادة وادارة همداني المنعقد في جامعة الامام الحسين في طهران إن ” اللواء سليماني قال للسيد حيدر العبادي لايمكنكم محاربة داعش من خلال جيش تقليدي لذلك تم تشكيل الحشد الشعبي ولهذا السبب تم تنظيم القوات الشعبية من قبل همداني”. وأكد صفوي أنه ” تم تنظيم 20 لواء في الحشد الشعبي في العراق استنادا إلى أفكار همداني”.
أشاد النائب الإيراني محمد صالح جوكار عضو لجنة الأمن القومي والسياسات الخارجية في البرلمان الإيراني في 17/5/2016 بتشكيل قوات “حرس ثوري” في العراق على غرار الموجود في إيران، عبر دمج الفصائل والمليشيات الشيعية في العراق وجعل مليشيا (سرايا الخراساني) نواة لها. وقال جوكار إن ” تجربة الحرس الثوري أصبحت ناجحة ورائدة لدول المنطق. وإذا أرادت أي دولة في المنطقة تشكيل قوات مماثلة على غرار قوات الحرس الثوري الإيراني، فنحن جاهزون في إيران لتقديم تجربتنا والاستشارة بهذا الخصوص. إن على العراق تطبيق التجربة الإيرانية بخصوص حرس الثورة ونحن على أتم الاستعداد لتزويد العراقيين بنمط وهيكلية هذه القوات، ليتمكن العراق من تشكيل قوات حرسه. أن تجربة الحرس الثوري نجحت في سوريا واليمن والعراق”. مضيفا” “تجربة حشد الناس على تشكيل قوات شعبية تمسك بزمام الأمور كانت من أهم إنجازات قوات الباسيج في سوريا والعراق واليمن، وهذا النمط من تحشيد الشارع يعد تجربة خاصة بالباسيج”. مؤكدا “إيران كان لها دور بارز في تشكيل الحشد الشعبي في العراق وتشكيل قوات ما يسمى (الدفاع الوطني) في سوريا، وفي تجربة الحوثيين في احتلال صنعاء”.
كما إعترف قائد الحرس الثوري الإيراني، اللواء محمد علي جعفري في 8/5/2015 ، أن تم ” تسليح 100 ألف من الشباب الثوري والمؤمن في قوات الحشد الشعبي” التي قاتلت واوجدت رصيدا عظيما للدفاع عن الاسلام والسيادة الاسلامية والثورة الايرانية في المنطقة. أن نظام الهيمنة الغربي بات يخشى من توسع الهلال الشيعي في المنطقة، والذي يجمع ويوحد المسلمين في إيران وسوريا واليمن والعراق ولبنان”. ( موقع محطة برس تي الإخبارية الإيرانية). بتأريخ 14/1/2015 صرح صادق السعداوي رئيس اركان مليشيا خامنئي التي تتخذ تسمية الحشد الشعبي في العراق “ان عدد قواتهم حوالي (100000) عنصر بالعراق ويستلمون رواتبهم بصورة منتظمة وتصل الى حدود 700 دولار شهريا وليس كما يشاع عن عدم تسلمهم الرواتب”. وصرح الجنرال (حسين سلامي) نائب قائد الحرس الثوري الإيراني في 31/12/2014 إن تغير موازين القوى الذي تشهده المنطقة يصب في مصلحة الثورة الإسلامية الإيرانية، مشيدا بوجود جيوش شعبية مرتبطة بالثورة الإسلامية في العراق وسوريا واليمن، يبلغ حجمها أضعاف حزب الله في لبنان”. وأضاف سلامي” أن الثورة الإسلامية ارتبطت بأواصر مع العراق، لتتشكل هناك قوات شعبية يبلغ حجمها عشرة أضعاف حجم حزب الله في لبنان”. (وكالة أنباء فارس الايرانية).
لذا لم يكن غريبا أن تنفرد القيادة الإيرانية بالعزف على وتر الإشادة بقانون الحشد دون غيرها، بل أن الخامنئي أرسل رسالة شكر الى ما يسمى برئيس مجلس النواب سليم الجبوري! لاشك أن إيران مبتهجة بهذا الحدث الذي طولٌ من ذراعها في المنطقة ونسف ما يسمى بالتفاهمات مع الشركاء في العراق وفق مبدأ دكتاتورية الأغلبية، كما أنها ستستخدم الحشد الشيعي العراقي للتدخل في شؤون دول الجوار بدلا من البسيج لتقليل الخسائر البشرية التي تكبدتها في سوريا، وهذا ما عبر عنه نائب القائد العام للحرس الثوري العميد حسين سلامي في 28/11/2016 إن ” فكر الباسيج لا يعرف الحدود الجغرافية، ولا يوجد اختلاف بين الحرس والباسيج وكلهم لديهم أهداف مشتركة ويحاربون في خندق واحد، وإن فكرة عالمية الباسيج تحققت على يد المرشد الحالي علي خامنئي وعبرت حدود إيران”. (صحيفة جام جم).
إذن الحشد الشيعي سيقوم بمهة الحرب بالنيابة عن ولاية الفقيه وهذا ما عبر عنه نوري المالكي وهادي العامري وعدد من زعماء الحشد بالتدخل في سوريا واليمن بعد الإنتهاء من معارك الموصل، صرح نوري المالكي في 22/10/2016 خلال كلمته في مؤتمر الصحوة الإسلامية الذي عقد في بغداد” قادمون يا نينوى، قادمون يا رقه، قادمون يا حلب، قادمون يا يمن، قادمون في كل المناطق التي يقاتل فيها المسلمون الذين يريدون الإرتداد عن الفكر الإسلامي”. كأنما لا يكفيهم ما قدمه العراق من تضحيات بشرية ومادية في حروب الوكالة! لكن كيف تفهِم شيعة السلطة وهم دمى عرائس تحركها أصابع الولي الفقيه، هذا من جهة؟ وكيف تفهِم بسطاء الشيعة الذين يُساقون كالخراف الى مجزرة ولاية الفقيه من جهة أخرى؟ كما أن تخصيص المليارات من خزينة الدولة العراقية للحشد سيخفف عبء الضغط المالي عن إيران التي كانت تمول الميليشيات الشيعية التابعة لها، سيما بعد تمديد الحصار الإقتصادي على البلد لعشر سنوات قادمة. وأخيرا ضَمن نظام الملالي ضعف الجيش العراقي بل وإنتهاء دوره الوطني، وتحوله الى رديف للحشد وليس العكس كما يزعم التحالف الشيعي، وسوف لا تقوم له قائمة بعد أ أقر قانون الحشد. أن حلٌ الجيش العراق أو إضعافه على أقل تقدير هو مطلب إيراني ـ كردي كما هو معروف، كل من الطرفين يخشى تعاظم قوة الجيش العراقي، ويسعى جاهدا الى تقويه ميليشياته.
بعد هذا الإستعراض لا يمكن لعاقل أن يحاجج بأن مخاض وولادة الحشد الشيعي عراقية أصيلة، أنها إرادة إيرانية بحته لتدمير ما تبقى من العراق. وسوف نناقش مسألة ولاء الحشد وممن يتسلم توجيهاته لتكتمل الصورة لمن يعاني من تشوش في الرؤية الوطنية والعربية في مقال قادم.. بعون الله.
علي الكاش