الشرق الاوسط
لو قرأت مثل هذا الكلام عند غيري لخامرني شك بأن صاحبه يبطن نوايا رديئة، لكن الرداءة في هذه الحال هي الرديء، والرديء هو المعارضة العربية التي ظنت بها الناس خيرا فإذا هي خيبة أمل في أحسن الأحوال. أقام زين العابدين بن علي حكما حديديا قاعدته توفير الأمن والازدهار ومنع العرب من أعز ما يعشقون: السياسة. وبعد سقوطه وفوز المعارضة، نراها تقدم أبلغ ما لديها: القتل والاغتيال والفشل الاقتصادي وكم الأفواه بالقتلة لا بالشرطة. وهذا في تونس، أقرب العرب إلى المجتمع المدني.
وفي مصر كان مريدو الإخوان في انتظارهم وكان خصومهم يخشون وصولهم. ليس لأنهم الغائبون ومناورون ولا تضيرهم المراوغة، بل خوفا من أن يقدِّموا حكما مثاليا تصعب إزاحته لكثرة ما تعلقت به الناس. وفي سوريا اعتقد العالم أن بضعة تظاهرات أخرى ويعلن موعد سقوط النظام المتوقع منذ نصف قرن.
المفاجأة كانت أكبر من حجم الاستيعاب. الإخوان في تونس لم يقدموا أفضل من وما لديهم، وانهارت الصورة بعد أشهر. والإخوان في مصر قدموا للمصريين محمد مرسي وهشام قنديل. والمعارضة السورية صدقها الشعب فتوزع لاجئين وجياعا وقتلى وعذابا، فيما كانت القضية الكبرى من يكون رئيس المجلس الوطني ومن رئيس الائتلاف ووالله العظيم لا أعرف الفرق ولا يهمني أن أعرف، لأن الفارق الوحيد هو ما يعلنه بان كي مون كلما صحا من النوم: هل تجاوز عدد القتلى المائة ألف؟ وهل تجاوز عدد النازحين العشرة ملايين وفي أي خانة تضع الذين لم يموتوا ولم ينزحوا بعد؟
بماذا كنت تستبدل بكائيات الإخوان على ضياع الفرصة الأولى؟ بمؤتمر وطني، تناقش فيه أخطاء الجماعة، لا أخطاء سواهم. مؤتمر ينتخب قيادة جديدة تدرس وتدرك قضايا الناس وقضايا مصر وتترك حكم مصر للقانون ورجال القانون وخبراء القانون وليس لكل من خطر على باله دعوة أو خاطرة أو التفرد بحوار مع العزة الإلهية ينتهي بخطاب في مدينة نصر أو على فضائية سمحاء لا تكف لحظة عن تأجيج القضايا، أية قضايا؟
لا يمكن لأحد أن ينكر على الإخوان حجم ما يمثلون، في مصر أو خارجها. سواء قدر ذلك بعشرين في المائة أو أكثر. فإن 15 مليون مصري هم ثلاث مرات تعداد لبنان. الذي ينكر على الإخوان أنهم أطلوا بعد 80 عاما كما أطلوا قبل 80 عاما. لم يتعلموا فاصلة من دروس سواهم. لم يسحبوا من محفظتهم حلا واحدا سوى توصية الدكتور مرسي للدكتور قنديل بضرورة الاهتمام بقضايا الماء والكهرباء والسولار. روقوا أيها الإخوان الأعزاء. روقوا على أنفسكم وعلى مصر وتأملوا جيدا. فكِّروا في قادة جدد بلغهم ما لم يبلغ الدكتور مرسي. وهو أن الماء والكهرباء والسولار لها وزارة موارد وليس في حاجة إلى إضاعة وقت الدكتور قنديل. دع الرجل يفكر في القضايا الكبرى.