فؤاده العراقيه
تبقى مهنة الدعارة صورة من صور عبودية المرأة التي تؤدي الى سقوط حسها وموت شعورها وهذا نتاج وسبب لبيئة متخلفة محيطة بها والبيئة هي نتاج للأنظمة الفاسدة , هذا النوع من النساء نراه اليوم اصبح باعداد كثيرة نتيجة التعليم المتردي والأعلام الفاسد والمحيط التعيس فتتزايد نسبة النساء البائعات لأجسادهنّ بشكل ملفت للأنظار حيث كلما تردت اوضاع اي بلد ثقافيا كلما جرّت خلفها ذيول خرابها الأقتصادية ومنها ستتفاقم اجتماعيا وستشهد حتماً امتهان النساء لتلك المهنة المُهينة لكرامتهنّ , فمن ادنى حقوق المرأة هي ان تعيش حياتها بالحرية التي تجعلها ممتلكة لكرامتها وانسانيتها , وتقل هذه النسبة كلما كان البلد أكثر نهوضاً بثقافته واستقرراً بوضعه الأقتصادي ومن ثم الأجتماعي ولكل حسب ظرفه المحيط به , هذه الحياة بلا شك هي مسؤولية السلطات الحاكمة التي من واجبها حماية افرادها وتلبية متطلباتهم بدون ان يُجبر الأنسان فيها على اذلال نفسه وكرامته ببيع آخر ما تبقى له وهو جسده بعد ان سلبه المجتمع انسانيته , ولكن هذه السلطات تتعمد في أحيانا كثيرة من خلال سياستها الى زرع فقر العقول بالأضافة الى فقر المادة فتُعدمْ الثقافة لتبقي نفوذها وهيمنتها على العقول .
اسباب قبول المرأة لإمتهانها هذه المهنة متفاوتة ومن بلدٍ لآخر وهي غاية في التعقيد وحسب المؤثرات المحيطة بها ولكن البعض ربطها بالفقر وكنتيجة لتدهور اوضاع المعيشة فقط دون أن يكون للثقافة والعلم أي دور.
الأسباب متعددة وترجع جميعها الى تخلف في الوعي الأجتماعي للمرأة وللرجل على حد سواء والذي نتج عن تخلف المجتمع بأكمله , ولو بحثنا في تلك الأسباب نجد اشدها وأهمها هو نتيجة فقر العقول اولا فالعلاقة هنا وثيقة ما بين العهر الفكري (التخلف ) والعهر الأخلاقي والأجتماعي ( الدعارة ) , وما بين الفساد الفكري والفساد الأخلاقي , وهناك اسباب عديدة وشائكة ومرتبطة ببعضها البعض في ممارسة المرأة لهذه المهنة حيث تبدأ بالأسرة وتفككها والناتج عن تخلف الزوجين , وتنتهي بخوف البنت الناتج عن نقص في وعيها , فالمرأة التي هربت من زوجها بسبب تعسفه هي غير قادرة عليه , والنتيجة ستصب في تخلفها وتخلفهُ .
عاهتان هنا لو اجتمعتا في الأنسان ستسببت له كوارث , وهما التخلف اولاً ومن ثم الفقر , التخلف اولاً لأنه كارثة الكوارث التي ستولّد الفقر والتفكك وعدم تمكن صاحبه من التخلص من مشاكله ومن ضمنها فقره , فأذا لحق الفقر بالتخلف سينتج كوارث انسانية وعواقب وخيمة لا تُحمد نتائجها, من أناس يموتون نفسياً واجتماعياً .
فالدافع الرئيسي لكل ظاهرة سلبية هو العامل الثقافي الذي يلعب الدور الأساسي في تطوير واحترام الفكر والأنسانية ومن ضمنها مهنة بيع الجسد, ولكن هذه المهنة تتأثر بصورة مباشرة كما نعلم بالعامل الأقتصادي الذي بدوره يتأثر بثقافة الشعوب , فلو كانت تلك الشعوب واعية لحقوقها ولكرامتها لحاولت ان تنهض بنفسها وبأقتصادها , أي انه العامل الثقافي هو المؤثر الرئيسي الذي ستتشعب منه بقية الأسباب ومن ضمنها
( الفقر والبطالة , العنف والتفكك الأسري , المخدرات , الضياع , العنف , الأغتصاب , الظلم , المتعة الشخصية , المشاكل الإجتماعية والنفسية , الضعف , الزوج يدفع احياناً زوجته تحت التهديد , الإضطهاد , الحروب ) .
فهل جميع ما ورد من اسباب هو انعدام الفقر المادي أم الفقر الفكري ؟
جميع هذه الأسباب والمؤثرات وهي ليست بالتسلسل ولا حسب الأولوية ولكننا لو اخذناها بالتفصيل سنجد اسبابها هو انعدام التفكير الصحيح .
الفقر بمعنى عدم امكانية صاحبته من لقمتها فلا اعتقد ان تصل الحال بأي امرأة من انعدام للقمتها الا اذا كنا في بلد تعاني من المجاعة كما هي حال بلدان افريقيا , أما اذا كانت المرأة مسؤولة في رعاية عدد من الأطفال فانجابها لهؤلاء هو كنتيجة لأنغراسها لغريزة الأمومة فقط دون تفكير بالنتائج , بمعني فقر العقل , واذا كانت هي رغبة من زوجها رغم فقره فهو ايضا نتاج لتخلفه ولتخلفها بسبب استطاعة الزوج من السيطرة عليها دون ان يكون لها رأي وقرار في انجابهم لهؤلاء الأطفال , فهو ليس فقر المادة بقدر ما هو فقر العقل .
قالت احداهن : ( ان تمارس المرأة الجنس مع الف رجل لا يجبرها على تلك الممارسة افضل لها من زوج لا يحترمها ويحق له التمتع بجسدها و يجبرها في احيان كثيرة على هذه الممارسة دون أن يكون لها حق الرفض , والمذنب الوحيد هنا هو الرجل !! ) بغض النظر فيما لو كانت هذه المرأة ممتلكة للفكر والمبدأ !!, تحت فكرة أن حياة المرأة سيئة في كافة الأحوال ولكن حياة المومس اقل سوءاً( وجهة نظر ) !! ولكنها بالحقيقة هي سيئة في الحالتين , فالأسرة التي يسيطر عليها الزوج ويفرض رجولته التي توارثها من مفاهيم المجتمع البالية سوف لن تكون مكسبا ثمينا لصالح المرأة بل بالعكس ستكون خسارة لها وضياع لحياتها ولأولادها الذين سيتأثرون بواقع والدتهم المهمّش وبحياتها التي اقتصرت على خدمتهم وتلبية رغبات الزوج فقط حالها حال أي مومس ولكنها مقيّدة بورقة كُتِبت عليها دون ان تستطيع الفكاك منها , وكذلك المومس التي هي ستكون طوع أمر المادة .
لكن ان ترمي المرأة بنفسها في هاوية غويطة مليئة بالأوحال بحجة أنها ممتلكة لنفسها وقرارها وحرية اختيارها في بيع جسدها على اساس انه ملكاً لها , أفضل لها من ان تكون عبدة يمتلكها رجلا بحكم القانون ويسلط عليها احكامه , فهذا اعتراف منها بأنها مجرد جسد لمتعتة الرجل وانغراس منها للسقوط الذي سيجر لها سقوط آخر وستكون مثلها مثل الذي يُكسّر لوحة ثمينة لكي يزيل عنها الغبار , فأين امتلاكها لقرارها هنا وهي ترمي بنفسها في الوحل وتبيح جسدها لمن هبّ ودبْ ابتغاءً للمادة أحياناً وتلبيةً لغريزتها الحيوانية احياناً أخرى ؟ وكيف ستمتلك ذاتها بعد ان فشلت وفقدت لأمتلاكها لقرارها مع زوجها وفقدت السيطرة عليه ؟ والسيطرة هنا ليست بمعناها السطحي كما نفهمها ولكن السيطرة في تمكنّها من ترويضه بالعقل والحكمة وأن فشلت في ترويضه فهذا نتيجة لنقص في درايتها ولهذا ستطمس نفسها في اوحال لا قرار لها .
أن تبيع المرأة جسدها هذا يعني انها باعت عقلها وكرامتها وانسانيتها , لأن الأنسانية لا تبيع اجسادها ولا ترتضي لأن تكون مجرد جسد لتلبية الغرائز فقط .
فالمشكلة هنا تكمن في جذور المجتمع التي تعفنت بحكم الزمن ومتغيراته والتي وضعت المرأة في حال من الركود العقلي بعد ان اعتبرها المجتمع مجرد جسد يلبي رغبات الرجال وأهملت عقلها فصارت بوضع لا تُحسد عليه بعد أن سلبها المجتمع الأساس لبناء عقلها .
المرأة في احيان كثيرة مُجبرة لإن تتحمل ضغوطات جمّة تصل الى الإهاناتة فتضحي بكرامتها وحريتها وانسانيتها بالزواج ليُشعرها هذا بالإستقرار العاطفي والنفسي ولكنه بالحقيقة استقرار مزيف ووهم من الأوهام الكثيرة التي كبّلتنا بها هذه المجتمعات لأن المرأة فيها ستفقد انسانيتها وحريتها واحياناً كرامتها وعليها ان تتخلى عن حياتها وتنحصر بدائرة الزواج الضيقة وتكون لزوجها واولادها فقط .
فأيهما افضل هنا المرأة المتزوجة الخاضعة لزوجها , أم المومس الحرّة التي امتلكت قرارها دون ان يستطيع الزوج التحكم بها ؟ وكلمة حرّة هنا لا تعني الحرية بمعناها الحقيقي وأنما هي حرية التصرف بجسدها فقط ولكن الحقيقة بأن الجسد هنا ايضاً ستيُكبل بقيود كثيرة , قيود مهنتها البائسة التي ستجعل من فكرها مجرد نتاجاً وعبداً لأفعالها , انها حرية الوهم او وهم الحرية , لأن الحرية تعني الالتزام الأخلاقي وهو اصعب بكثير من الأنحلال الأخلاقي , أن نتمكن من أنفسنا وغرائزها وكيفية تسييرها أصعب بكثير من ذلك الطريق السهل والمُبرّر بقيود الزوج , تعني معرفة صاحبتها بالحقيقة , والمومس ستكون بعيدة عنها كل البعد .
الحرية تعني ان نُحرر عقولنا اولاً من الوهم الجاثم عليها من ما توارثناه لسنين طوال من دون التفكير بمدى صحته وملائمته لحاضرنا , وأن نتمرد على العبودية في حالة الوعي بها , الحرية تعني ان نتحرر من مخاوفنا وقيودنا وأن ننبذ كل انواع الظلم الواقع علينا وان لا نقبل به .
فأول خطوات الحرية واصعبها تكون في تهديم للأساس الهش لهذه المجتمعات التي نشأت على مفاهيم جعلتها تنحدر وتغوص في وحولها , هذا الأساس الذي لم يعد يحتمل البناء فوقه بعد أن أخذ يميل شيئاً فشيئاً وبدأ ميلانه يظهر للعيان فصار تسليط الضوء على هذا الأعوجاج ضرورة واجبة على كل منّا .
الزوجة تخضع لزوجها جسدياً وربما فكرياً أيضا , والمومس تخضع لرجال عديدة تؤجر جسدها لفترة زمنية لمن يدفع لها اكثر, تملك حريتها وقرارها ورغبتها في الفعل أي الرفض أو القبول , أما الزوجة فهي باعت جسدها بالقانون وأصبحت عبدة وحكراً لزوجها , والمومس استأجرت جسدها بعيدا عن القانون وصارت عبدة وحكراً للمادة , تشعر المرأة المتزوجة بأنها بعيدة عن آدميتها لأنها ستكون مسيّرة وكذلك هو شعور المومس عند خضوعها للمادة او لغرائزها , فاستلاب المرأة هنا لإنسانيتها سيكون في الحالتين .
كما لا يمكننا هنا في ان نفصل مسؤولية المرأة عن الرجل الذي سيقابلها في شراء لذته منها , فالأسباب هنا التي دفعت من الرجال لسلوك هذا الفعل المعيب عليه والذي سيترك اثره ايضا على نفسيته من حيث احتقاره لذاته ولإستسلامه لغرائزه ايضا , لا يمكننا فصلها عن تلك الأسباب التي دفعت المرأة لهذا العمل .
ابداعنا بوعينا وقوتنا بأملنا … بهم نهزم التخلف وننتصر للأنسانية