أنهت موسكو صياغة مشروع دستور لسوريا. وُضع جدول زمنيّ، باتفاق في مجلس الأمن، لاصدار مسودة دستور بحلول شهر آب المقبل. لكن ما «يميّز» المشروع الروسي، بحسب معلومات «الأخبار، التعديلات الجوهرية على الدستور الحالي، بدءاً من التسمية (الجمهورية السورية بدل «العربية السورية») إلى الغاء مادة ديانة الرئيس، وصولاً إلى تعديل صلاحيات الأخير واسقاط أي سلطات تشريعية، واعطائه صفة «الوسيط» في بعض المجالات. التعديلات لا تنتهي هنا، بل أعطت المسودة الروسية صلاحيات واسعة لـ«جمعية المناطق» (الإدارات المحلية)، ولمجلس الوزراء. كما نزعت أي إشارات قومية واشتراكية، ليسقط مثلاً من القسم الدستوري «العمل على تحقيق العدالة الاجتماعية ووحدة الأمة العربية»، ليستبدلها بنزوع أوضح نحو الاقتصاد الحر و«الوطنية» مكان القومية. وتشير مواد عديدة إلى تمثيل الأطياف الطائفية والقومية و«حجز مناصب» للأقليات.
بعيداً عن الميدان السوري «المقيّد» بالهدنة المفروضة دولياً، وعن مسار جنيف السياسي المفرمل، تدور حرب خفية وشد حبال حتى بين الحلفاء حول الدستور السوري وصيغته. فالقرار 2254 الأممي، وضع شهر آب على موعد مع دستور جديد.
* اتفقت موسكو وواشنطن على جدول زمني لوضع مسودة دستور تنجز بحلول شهر آب.
الكلام الأوضح في هذا المجال جاء على لسان وزير الخارجية الأميركي جون كيري من موسكو في 25 آذار الماضي: «اتفقنا (والجانب الروسي) على جدول زمني لتأسيس إطار عمل للانتقال السياسي فضلاً عن مسودة دستور، ونهدف إلى أن ينجز كلاهما بحلول شهر آب».
ضجيج الخلافات حول تفسير «هيئة الحكم الانتفالي» وجدول الأعمال على طاولة المفاوضات تخفي خلفها عشرات اللجان التابعة لمنظمات دولية وحكومات تدرس صيغاً مختلفة للدستور السوري «الجديد»… لكنّ الطرفين الأميركي والروسي هما الأكثر انشغالاً في هذه المسألة.
في موسكو، حيث تستعجل دوائر القرار دفع عجلة الحل السياسي وتقديم نفسها كلاعب مؤثر في المجال السياسي إلى جانب التأثير العسكري الكبير الظاهر مؤخراً، وُضع مشروع دستور للجمهورية السورية.
المشروع، بحسب معلومات «الأخبار»، ينطوي على تعديلات جوهرية ومواد جديدة تختلف عن الدستور الساري منذ شباط 2012.
ففي المادة الأولى في «الدستور الروسي» ترد عبارة «الجمهورية السورية»، بعد شطب «العربية». ويُسقط المشروع الروسي المادة الثالثة من الدستور الحالي، وهي أنّ «دين رئيس الجمهورية الاسلام»، وأن «الفقة الاسلامي مصدر رئيسي للتشريع».
وترد أيضاً مادة جديدة مفادها أنّه «تستخدم أجهزة الحكم الذاتي الثقافي الكردي ومنظماته اللغتين العربية والكردية كلغتين متساويتين»، كما يحق لكل منطقة وفقاً للقانون أن تستخدم بالإضافة إلى اللغة الرسمية لغة أكثرية السكان إن كان موافقاً عليها في «الاستفتاء المحلي».
ولعلّ أبزر ما يميّز المشروع المقترح، ما سماها «جمعية المناطق»، وهي «الادارات المحلية» في شكلها الحالي بصلاحيات موسعة تقيّد مركزية السلطات. فطبقاً لهذا المشروع يرتكز تنظيم وحدات الادارة المحلية على تطبيق مبدأ «لا مركزية السلطات»… ويبيّن القانون «وضعية حكم الذاتي الثقافي الكردي». وتتولى «جمعية المناطق» إلى جانب «جمعية الشعب» (تسمية بديلة لـ«مجلس الشعب») السلطة التشريعية في البلاد «أصالة عن الشعب السوري». وهذه «الجمعية» تُؤسس لـ«تكفيل مشاركة ممثلي الوحدات الإدارية في العمل التشريعي وإدارة البلد»، وتتكون من «ممثلي الوحدات الإدارية»، وينعقد مجلسها على نحو منفرد عن «مجلس الشعب»، ويجوز لها عقد جلسة عامة للانتخاب والاستماع إلى رئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية أو قيادات الدول الأجنبية، ولها الحق في وضع نظامها الداخلي.
وأضاف، أيضاً، مجموعة صلاحيات مماثلة لـ«جمعية المناطق» إلى جانب «جمعية الشعب» في مسائل عديدة كعدم جواز اللجوء إلى القضاء بحق أي عضو في «الجمعيتين» بسبب «التصويت أو الآراء السياسية التي يبديها»… ولا يجوز توقيف أي عضو أو تفتيشه أو تقديمه إلى العدالة إلا باذن من جمعيته… ويؤدي أعضاء «الجمعيتين» القسم الدستوري ذاته. كما يستطيع الطرفان المبادرة التشريعية، ويجوز لجمعية المناطق احلال مشاريع القوانين إلى جمعية الشعب للنظر فيها. وينظم «الدستور الجديد» العلاقة بين المجلسين في مادة واضحة، وتُظهر إحداها أنّه في حال «رفض رئيس الجمهورية قانون مقدّم من جميعة المناطق… «يجوز لجمعية الشعب والمناطق إعادة النظر في هذا القانون… واذا جرى قراره في صيغته السابقة (بأغلبية الثلثين) من أعضاء الجمعيتين «على رئيس الجمهورية التوقيع عليه خلال سبعة أيام والاعلان عنه».
إلى ذلك، أعطى المشروع الروسي صلاحيات واضحة وإضافية لـ«مجلس الشعب» مثل تعيين أعضاء المحكمة الدستورية العليا (من صلاحيات الرئيس في الدستور الحالي)، وتعيين رئيس «البنك الوطني» (تغيير اسم «البنك المركزي») وإقالته من المنصب. كذلك ألغى المشروع الروسي التقسيم السائد لعضوية مجلس الشعب: نصف الأعضاء من فئة العمال والفلاحين، والنصف الآخر من باقي الفئات.
لا سلطة تشريعية للرئيس
يرد في المشروع الروسي أن الشرط للترشح لرئاسة الجمهورية أن يكون المرشح قد أتم الأربعين عاماً من عمره وأن يكون متمتعاً بالجنسية السورية، أي شُطبت عبارة إضافية من الدستور السابق بأنه يجب أيضاً أن يكون من «أبوين متمتعين بالجنسية السورية بالولادة»، وأن «لا يكون متزوجاً من غير سورية».
وينتخب الرئيس، حسب المشروع الروسي، لمدة سبعة أعوام ولا يجوز اعادة انتخاب الشخص نفسه إلا لولاية واحدة تالية. ويؤدي الرئيس المنتخب القسم الدستوري أمام أعضاء جمعيتي الشعب والمناطق.
وتشير مادة جديدة أخرى، إلى أنّ الرئيس يتولى «مهمة الوساطة بين سلطات الدولة وبين «الدولة والمجتمع»… ولا يلحظ المشروع أي سلطات تشريعية للرئيس.
وتخضع له القوات المسلحة ويتولى مهمات القائد الأعلى للقوات المسلحة… وفي حال العدوان أو الخطر بالعدوان يحقّ له اتخاذ الاجراءات للتصدي له و«يبلغ بها جمعيتي الشعب والمناطق»… ويحق له اعلان التعبئة العامة ويطرح إلى جمعية المناطق الموافقة على اعلانها… كما يحق له اعلان حالة الطوارئ «بالموافقة المسبقة لجمعية المناطق». وفي تأكيد إضافي لدور هذه الجمعية، تتولى الأخيرة مهمات رئيس الجمهورية في حال الشغور الرئاسي أو عجز الرئيس عن تأدية مهماته، بعد اثبات عجز رئيس مجلس الوزراء أيضاً عن ذلك.
صلاحيات أوسع لمجلس الوزراء
وبما يخصّ مجلس الوزراء، يحق لرئيس الجمهورية تحديد الاتجاه العام لأعمال المجلس ويشرف على تنفيذ القوانين وعمل أجهزة الدولة… ولهذا المجلس مسؤولية سياسية عن أعماله أمام رئيس الجمهورية وجمعية المناطق.
وتلفت إحدى المواد إلى أنّ تعيين مناصب نواب رئيس مجلس الوزراء والوزراء يكون «تمسّكاً بالتمثيل النسبي لجميع الأطياف الطائفية والقومية لسكان سوريا، وتُحجز بعض المناصب للأقليات القومية والطائفية…». وفي مادة أخرى، تشير إلى أن على رئيس مجلس الوزراء تقديم برنامج عمل الحكومة إلى جمعية المناطق أيضاً…
ويحق للحكومة، في صلاحيات إضافية عن الدستور الساري، «عقد معاهدات واتفاقيات تعطي الشركات الأجنبية حق الامتياز، والاتفاقيات التي تقصد نفقات إضافية غير منصوص عليها في الموازنة…». وأيضاً «تعيين وفصل موظفين الدولة والعسكريين». كذلك، تستطيع الحكومة أن تصدر مراسيم أيضاً، و«يجري اصدار هذه المراسيم على أساس القانون الذي يعطي الحكومة صلاحيات مناسبة».
ويحق لثلث أعضاء جمعية المناطق طرح حجب الثقة عن الحكومة (مثل «جمعية الشعب»). كما يحق للجمعيتين في «جلستهما المشتركة» حجب الثقة عن الحكومة بأغلبية أصوات الحاضرين. وغاب عن المشروع الروسي أي إشارة لما ذكر في دستور 2012 بأنّ «رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء مسؤولون أمام رئيس الجمهورية»… وأنّ للأخير «الحق في إحالة هؤلاء إلى المحاكمة» (المادتين 121 و124).
المحكمة الدستورية العليا
أضاف المشروع الروسي 4 أعضاء للمحكمة لتؤلف من 11 عضواً «تعيّنهم جمعية المناطق»، بعدما كان يسميهم رئيس الجمهورية بمرسوم (المادة 140).
وفي «الأحكام الانتقالية»، يشير المشروع الروسي إلى أنّه تبقى التشريعات الصادرة سابقاً سارية المفعول إلى أن تعدل بما يتوافق مع أحكام «الدستور الجديد»، على أن يجري التعديل خلال سنة واحدة منذ تبني الدستور.
ويجري انتخابات الترتيب الجديد لـ«جمعية المناطق خلال فترة لا تزيد على سنة منذ تبني الدستور» الجديد، الذي يعد نافذاً بعد اجراء استفتاء عليه.
دور القوات المسلحة
يلفت «المشروع الروسي» إلى أنّ القوات المسلحة «تكون تحت الرقابة من قبل المجتمع ولا تتدخل في مجال المصالح السياسية ولا تؤدي دوراً في عملية انتقال السلطة»… ويحرم تنظيم أعمال عسكرية أو ذات طابع عسكري خارج سلطة الدولة.
أما في الدستور الساري، فدور الجيش والقوات المسلحة هو «الدفاع عن سلامة أرض الوطن وسيادته الاقليمية…» (المادة 11).
وعن الخدمة الالزامية، جاءت في الدستور «الجديد» على نحو فضفاض وعام، بأنّه «يؤدي مواطنو سوريا الخدمة العسكرية وفقاً للقانون»، بعدما كانت وفقاً لدستور 2012 «الخدمة العسكرية الالزامية واجب مقدس وتنظم بقانون» (المادة 46).
نحو اقتصاد ليبرالي
يُظهر «المشروع» الروسي نزوعاً كبيراً نحو الاقتصاد الحر، بتأكيد إحدى المواد أن سوريا تُؤمّن «حرية النشاط الاقتصادي وتُعترف بها الملكية الخاصة… وتخلق الدولة على أساس علاقات السوق ظروفاً لتطوير الاقتصاد وتضمن حرية الأعمال… وتضمن حرية تنقل البضائع والرساميل… وأن الموارد الطبيعية يمتلكها الشعب». بينما في الدستور الحالي «يقوم الاقتصاد الوطني على أساس تنمية النشاط الاقتصادي العام والخاص من خلال الخطط الاقتصادية والاجتماعية… عبر سياسيات للدولة تهدف لتحقيق النمو الاقتصادي والعدالة الاجتماعية… والدولة تستثمر وتشرف على الثروات الطبيعية…» (المادة 13).
تغيير القسم
لحظ المشروع الروسي تعديل في القسم الدستوري، ليُسقط مثلاً القسم بلفظ الجلالة، أو أي اشارة «قومية عربية» أو «اشتراكية»، ليكون: «أقسم أن ألتزم بدستور البلاد وقوانينها، وأن أحترم وأحمي حقوق وحريات الانسان والمواطن، وأن أدافع عن سيادة الوطن واستقلاله وسلامة أرضه، وأن أتصرّف دائماً وفقاً لمصالح الشعب». أما القسم الحالي، فهو: «أقسم باالله العظيم أن أحترم دستور البلاد وقوانينها ونظامها الجمهوري، وأن أرعى مصالح الشعب وحرياته، وأحافظ على سيادة الوطن واستقلاله وحريته والدفاع عن سلامة أرضه، وأن أعمل على تحقيق العدالة الاجتماعية ووحدة الأمة العربية».
منظمات دينية واجتماعية
يظهر في المشروع الروسي مصطلح «المنظمة الدينية». إذ تفيد إحدى المواد أنه تحترم «كافة الأديان والمنظمات الدينية… وهذه المنظمات متساوية أمام القانون»، وكذلك مصطلح «المنظمة الاجتماعية»، في الكلام مثلاً عن أنه «لا يجوز لأي مجموعة أو منظمة اجتماعية أو شخص استملاك صلاحية ممارسة السلطة»… وأنه من «المعترف به في سوريا التنوع الأيديولوجي ولا يجوز اعتبار أية ايديولوجية عامة أو الزامية. إن الجمعيات الاجتماعية متساوية أمام القانون».