قام الزميل شكري نصر الله خلال عمله في باريس بأدوار سياسية ومساعٍ كثيرة بين السياسيين اللبنانيين. وخلال تلك المرحلة أيضاً، أمضى سنوات من العمل مع الرئيس صائب سلام على مذكراته. غير أن الرئيس الراحل عاد فقرر عدم نشر المذكرات في حياته تاركاً القرار لنجله تمام. ويبدو أن تمام أشد حرصاً على المشاعر من والده، ولذا، لا تزال المذكرات مطوية في بيت المصيطبة.
غير أن شكري نصر الله خرج من العمل الطويل مع صائب بك، بمذكرات عن المذكرات، ضمها إلى أوراق سياسية كثيرة في «مذكرات قبل أوانها» (شركة المطبوعات للتوزيع والنشر)، رسم فيها صوراً عميقة حميمة لشخصيات كبرى مثل الرؤساء إلياس سركيس وأمين الجميل وميشال عون والعميد ريمون إده وغيرهم.
تحول نصر الله خلال العمل مع الرئيس سلام في جنيف إلى «ابن لأب لم يلدني». وأدركت السيدة تميمة سلام مدى ثقة زوجها بالكاتب، فطلبت منه المشاركة في الضغط عليه لوقف تدخين السيجار. وخطرت للكاتب أنه لكي يقنع صائب بك، يجب أن يتعلم هو أولاً كيفية التدخين.
كان يمكن أن أنقل من «مذكرات قبل أوانها» عشرات الصفحات السياسية المهمة، لكن ما أدهشني دهشة كبرى، كيف أعطى سياسي من طبقة صائب بك الدرس في السيجار، وكيف خطر لمهني محترف، ليس فقط أن يصغي، بل أن يدون.
إليكم درساً لا يمكن أن تقرأوه حتى في مجلة «ديفيدوف»:
«تأخذ الكبريته وتشعل عود الثقاب، ثم تمرر السيجار فوق النار لبضع ثوان حتى يسوّد. وعندما تشعر أنه جف تماماً من الرطوبة تبدأ بتحميره، فتشرق منه قليلاً فيما أنت تدوِّر بشعلة النار حول عجزه من تحت بحيث تتناول النار جميع جنباته.
ولكي لا يميل الاحتراق يمنة أو يسرة، لا تمسك بالسيجار كما تمسك بالسيجارة. فحشره بين أصبعين، كما نحشر السيجارة، سوف يؤدي حتماً إلى انطفاء جانب منه بسبب ضغط الأصبع التي يكون السيجار فوقها. وكي تتحاشى ذلك، يجب أن تمسك السيجار بعناية، فتمدده فوق الأصابع الثلاث: السبابة والوسطى والبنصر، وتضع الإبهام فوقه. ثم تبدأ تدويره بين هذه الأصابع الأربع، ولا تضغط عليه من أي جهة».
هل تريدون معرفة بقية القصة؟ لم يقلع صائب بك عن التدخين، وأدمن الزميل العزيز على السيجار الكوبي. لكن بعد نهاية عمله مع الرئيس سلام، اكتشف أنه لا يملك ثمن الهواية الجديدة.
المصدر الشرق الأوسط