دراجات تطير

samirالعام 1896 حلّق الألماني أوتو ليلينتال على علو 50 قدمًا ثم سقط قتيلاً. رغم المحاولة الفاشلة للطيار الأول، قرر الأخوان ويلبور (29 عامًا) وأورفيل (25 عامًا) أن في إمكان الإنسان أن يطير. كانا يملكان مصنعًا صغيرًا ومزدهرًا للدراجات في مدينة دايتون، ولاية أوهايو.
كان الشقيقان يعملان ستة أيام في الأسبوع، يتناولان الطعام معًا، ويملكان حسابًا مشتركًا في البنك. بعد مقتل ليلينتال، بدأ ويلبور في قراءة كل شيء عن الطيران. وراح الأخوان يدرسان حركة الطيور. لم يتوقف الشقيقان رايت عند بعض المعوقات: لا معرفة ميكانيكية كافية، لا دراسة كافية، ولا ممولون، ولا أصدقاء في المناصب العالية.
بنى الأخوان رايت طائرتهما الأولى العام 1899 من الورق وخشب البامبو. كانت الفكرة أن تبنى أولاً طائرة شراعية، ثم يضاف إليها محرك. وبدأت التجارب في سهل مفتوح قرب شيكاغو، مليء بالأعاصير والبعوض. وكان المتفرجون يعتقدون أن المؤكد الوحيد في المسألة هو أن الشقيقين فاقدا الرشد. لكن العام 1900 حلق ويلبور هوائيًا مسافة 300 قدم. وفي 1903 طار أورفيل 12 ثانية بواسطة أول محرك في الصناعة الخيالية وبسط الريح. غير أن الصحافة رفضت أن تصدق الحدث. بعد قليل صارت رحلاتهما تمتد أميالاً عدة.
كانت تجري في هذا الوقت تجارب كثيرة في أماكن كثيرة، لكن صناعيًا فرنسيًا قال «إننا مجرد أطفال أمام الأخوين رايت». وفي 1908 طار ويلبور مسافة 77 ميلاً في معرض الطيران الدولي في باريس. ومن صناعة الدراجات بدأ الشقيقان يسعيان إلى صناعة الطائرات وتسجيل اختراعاتهما. «غير أن التعامل مع الآلات أسهل من التعامل مع البشر»، كما قال أورفيل.
«الأخوان رايت، ديفيد ماكولو» قراءة فائقة المتعة. يزيد من متعتها أن تقرأ الكتاب بعد أكثر من مائة عام على معرض باريس، وأنت على طائرة الخطوط الفرنسية من باريس إلى نيويورك، تقطع المسافة في سبع ساعات مع فارق 6 ساعات، وتعبر بريطانيا وآيرلندا والمحيط الأطلسي، ثم كندا، ومعك نحو 400 مسافر آخر، معهم حقائبهم، وتقدم لهم وجبتان كاملتان، يشاهدون شتى أنواع الأفلام، ويسمعون ما يختارون من الموسيقى، ومن شاء منهم القيام برياضة بدنية، ففي إمكانه ذلك. لم أعد أذكر إن كان في الدور الأول أم الثاني.
يبدأ كل شيء في خطوة صغيرة، في مكان صغير ما. الأخوان رايت كانا أكثر حظًا من عباس بن فرناس. ضحك منهما الأميركيون بداية الأمر، لكنهما لم يلتفتا إلى الوراء. كل شيء كان خيالاً مضحكًا من قبل. ليس طائرات الأخوين رايت، بل دراجاتهما أيضًا.
نقلا عن الشرق الاوسط

About سمير عطا الله

كاتب صحفي لبناني الشرق الاوسط
This entry was posted in الأدب والفن, تكنولوجيا, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.