دجاجة المرجع الأعلى
إبراهيم أحمد
فجأة هز صمت المدينة، وبعثر اشياءها مصاب جلل، فقد اختفت دجاجة مرجعنا الأعلى، ولم تترك وراءها أثرا ولو ريشة واحدة! تفرقع وخرب كل شيء بعدها، حتى أن زجاج نوافذ بيوتنا انفطر، وتشظى! كيف لا؟ ومرجعنا الديني الأعلى هو كوكبنا الدري، وهو من يسدد خطانا إلى العرش الإلهي في السماء، ويدلنا على الصحيح والحق في أحاديث نبينا الكريم، وهو من سيقف يوم القيامة جنب أأمتنا العظام، يدل علينا مشيرا بإصبعه الكريمة ذات المحابس اللؤلؤية على من سيدخل منا الجنة، ومن سيدخل النار، فهو يعرفنا واحدا واحدا بأسمائنا وملامح وجوهنا وبعدد دموعنا التي نذرفها أمامه في محاريب الصلاة التي يؤمنا فيها دون أن نراه! رجل كبير كهذا، كيف لا نحب دجاجته؟ نفتديها بأرواحنا ونخدمها بعيوننا، وراحات أكفنا؟ ونسهر على راحتها وسلامتها وأي سوء يصيبها يوجع قلوبنا أكثر من ثكلنا لأطفالنا!
فنحن ننطلق كل يوم وكما جيوش النمل؛ نكدح في الأرض، ونغوص في الأوحال، وفي نهاية النهار نعود كل منا يحمل فوق رأسه عطاياه، حتى ولو حبة واحدة من القمح أو الرز لهذه الدجاجة؛ لكي تبيض لسماحته ولصحبه الفقهاء الجهابذة وعائلته النبيلة ما يكفي لإبقاء وجوههم متوردة بنور الله، وصدورهم ناهدة عامرة بمحبتنا، والعطف علينا! بعضهم يقول أن الدجاجة الطيبة السخية تبيض سبع بيضات في اليوم، وبعضهم يقول ألفاً، وآخر يقول إنها تبيض كل يوم بيضة من الذهب وأخرى، من الماس النادر الثمين! كيف لا ونحن جيوش النمل نقدم كل غروب يحمل كل واحد منا على رأسه القمح والرز نضعه أمام الباب الكبير الذي ترتع خلفه الدجاجة المقدسة مثل مرجعنا الأعلى؟
أحصوا عددنا؛ تعرفون عدد حبات القمح والرز أو الماس التي تذهب لخزينة مرجعنا المبجل. كل يوم! ومع ذلك نحن لم نر الدجاجة، ولم نر مرجعنا، ولماذا نراهما أو نرفع ابصارنا متطلعين لمرآهما، ما داما قد وضعا أمامنا سلما إلى السماء؟ وطريقا إلى الجنة، ألا يكفينا هذا؟ لماذا نتطاول أكثر من قاماتنا؛ ونحن مجرد نمل يسعى في شعاب الأرض يجلب للدجاجة العظيمة طعامها القدسي؟ هز هدوءنا النفسي وكسر الصمت الطويل اختفاء الدجاجة المحترمة بل روع قلوبنا، وشل عقولنا! جاءنا الخبر الصاعق وحرنا في تفسيره، أو توقع ما سيترتب عليه؛ إذ هو قد هز أركان السماء والأرض كما قالوا! لا أحد يعرف من الذي سرق الدجاجة المقدسة، ومن تجرأ على التهام لحمها الذي لا يمكننا تصور طعمه! كثيرون استبعدوا ان تكون الدجاجة قد سرقت، فهم يقولون أن بفضل مرجعنا الأعلى وبركاته قد اختفى اللصوص والخونة والقتلة ومفرقو الصفوف، من مدينتنا كلها؛ فكيف يظهر أحدهم في ساحة أو خدر سماحته؟ هم ابعدوا التهمة عن الثعالب والقطط، أيضا، قالوا أن التقى والورع الذين عما مدينتنا جعلا حتى الثعالب والقطط تكف عن أكل دجاج العجائز المسكينات، فكيف بدجاجة مرجعنا الأعلى؟ لم يظهر مرجعنا الأعلى كعادته ليوضح لنا ما حدث، نحن لم نره ولا مرة واحدة رغم قول الجميع إنه يتقدم جموعنا الهائلة لنقلده ويشملنا بعين رعايته! لكن ناطقا باسمه ظهر في التلفزيون ليقول “ان اختفاء الدجاجة المحصنة المقدسة ما هو إلا إرادة الله ومعجزته السماوية، وقد تجلت في بيت سماحته”،مضيفا… “في يوم قريب ستعود الدجاجة الكريمة المحترمة، هابطة من السماء رشيقة جذابة وثمة ديك جذاب يقف بجانبها متبخترا بريشه الزاهي، وعرفه الأحمر ” بذلك عرفنا أن الدجاجة قد ذهبت في رحلة غرامية لتجلب بعلها أو عشيقها وتقوم بالتكاثر، مطلقة في كل الاتجاهات فراخها المقدسة! وبعد أن كنا نطعم دجاجة واحدة، سيكون علينا أن نطعم قبيلة عريقة كبيرة من نسلها المقدس! دون أن تتكرم علينا ولو ببيضة واحدة! ومع كل هذا الذي يقولونه فيصدقه كثيرون، ويكذبه كثيرون؛ حامت الشكوك حول حاكم المدينة! قالوا إن علاقته مع المرجع الأعلى في هذه الأيام سيئة جدا، والمرجع الأعلى ينوي استبداله بآخر بعد ان أفتى له بالولاية ثم أحرجه كثيرا أمام الناس بتماديه بأعماله السيئة وتصرفاته المشينة الكثيرة، لكن الحاكم سارع وأمر قاضي القضاة بان يصدر حكما بالحبس الاحتياطي لدجاجة المرجع الأعلى كإنذار وتحد له، وإنه احتراما لقدسيتها وضعها في قفص ذهبي قرب المكان .الذي يصلي فيه، ويعقد فيه صفقاته السرية! لا احد يجزم بذلك، كثيرون صاروا يتحدثون عن أن أحد الجوعى الظرفاء في مدينتنا وهم كثر رغم غنى البلاد، استطاع الوصول إلى الدجاجة المحصنة بأسوار عالية وسرقتها! يقولون إنه كان طيبا وكريما، بل ذكيا وحكيما؛ أيضا فلم يطبخها ليأكلها وحده أو مع عائلته، ولم يضعها في قفص جريد منتظرا أن تبيض له ذهبا وماسا؛ فهو يعرف أن أحدا لن يأتي له بطعام لها، وإن الدجاجة لا تبيض ذهبا إلا في بيت سماحة المرجع الأعلى، لذلك فهو قد ذبحها ونتف ريشها وصعد بها إلى صهريج إسالة الماء الكبير المرفوع على أبراج عالية وسط المدينة؛ وضعها فيه تحت الشمس اللاهبة قائلا، “أريد أن اطبخ منها أكبر قدر حساء في العالم، وأجعل كل أهالي هذه المدينة يتذوقون طعم الدجاجة المقدسة التي سمنوها بكدحهم وعرقهم، وبطيبتهم أو غبائهم! أنا شخصيا صرت اميل لتصديق هذا الادعاء أو الإشاعة، فالماء في مدينتنا صار له هذه الأيام طعم ورائحة الدجاج المتعفن!