ما كان اسمك؟ نسيت اسمك. تفرغك لوصفى فاق اهتمامك بكتابة اسمك. أحرفك متشابكة والرسمة المرفقة لا دلالة لها، هكذا تقدم نفسك فى صفحات حرية التعبير الخالية من المسؤولية والرقابة والعقاب.
أرفض الفضاء المسؤول والإعلام المقنن وكل اختراعات تقويض الرأى تحت ستار حماية الكاتب من التشويه وحماية المعلومة وأعذار حكومية وقحة. يا سادة هذه أجمل فرصة نتعرف بها على الجانب المعتم من المجتمع والزوايا الحقيقية بعيداً عن مسرحيات الديمقراطية.
فى تلك الزوايا المخبأة، حيث يؤمن الفرد بحق إبداء المخالف رأيه، فيشتم ويتمرد حماية لحريته الشخصية ولتسقط كل حرية أخرى.
وأرفض البذاءة والتشهير. لكننى أعرف أن معادلة التوازن بين حرية الرأى وتقدير الآخر مستحيلة جدا. هكذا تربينا.
أحاول معرفة اسمك أو ملامح وجهك لكن عبثاً، فحروفك ورسومك المجهولة هوية جديدة لبعض حماة الالتزام.
مرات كثيرة لا أذكر عددها خرج بها صوتك من مخبئك دون هويتك الحقيقية.
آخرها قبل أيام. اتصال أقلقنى رنينه بعد الثانية فجراً. ترددت ورددت أخيراً: ألو. نادين؟ نعم، من معى؟ ودون اعتذار منك على الوقت المتأخر قلت: لا يهمك اسمى، اتصلت لأقول: اتقى الله وأطيعيه ولا تعصيه، هذا كله لن ينفعك يوم القبر يوم لا ندم ولا رجعة.
الثانية فجراً! ربما كان سماع «صوتى العورة» ضمن أدوات تهجدك الليلى.
وفى مرات عديدة تبعنى وقتاً طويلاً ليقول لى: سأتزوجك لأهديك للصراط المستقيم. كل هذه التضحية من أجلى؟ هل تتزوج كل النساء اللواتى تريد هدايتهن؟
أهناك لبس؟ إذا كان هذا ما يقوله للكاتبة فبمَ يخبر الراقصة؟ أعرف أنه يصفق للعرى الجسدى. طالما أن المتعرية ليست من بلده، وطالما أن المكان خارج الحدود ومخفى عن العيون، وطالما – والأهم – أن الحجاب يغلّف عقلها، فتتمايل أعضاؤها برأس ثابت دون أن تتناثر منه فكرة تنسف معتقد المتفرج الملتزم فتثير غضبه على الشىء الوحيد الذى يفقهه.
بالطبع مع تقديرى للراقصات واحترامى لظهورهن بهوياتهن الحقيقية أكثر من مدعى إيمان يخشى أن أكشف اسمه. يخشى منّى أنا الأنثى. المخلوقة من ضلع أعوج.
وللأمانة لم يحدث أن هاتفتنى جهات مسؤولة ولا أزعجتنى السطات العليا باتصال أو تحقيق. علاقتهم الرقابية معى تقتصر على القص والمنع من النشر. ولو حدث مثل هذا الأمر لكنت قصصته فى مقال أو لقاء وذكرت اسم صاحبه. لكن المسألة أخطر على الحرية من غضب مسؤول. خطورة الرقيب الغليظ المقصود فى سلطة أعلنها لنفسه ومنحته إياها جماعة لا هدف لها ولا غاية.
جهاز الرقابة ضخم، بل ارتفعت ضخامته مع الثورات.. فمع الاحتفاظ بدور المباحث المستمر، ودور المؤسسات الدينية، ووزارة الإعلام، ورقيب الصحيفة (طبعاً أنا محظوظة للكتابة فى هذه المساحة الحرة النادرة)، ينضم رقيب جديد أشرس وأقسى من صورته القديمة هو المجتمع. الرجال والنساء. الجمعيات. الدعاة. الشيوخ… ويبرز بساحة التخويف ثائر غادر. فالشعوب تطالب الصحفى بأن ينافقها. بعدما ظن أنه انتهى من عهد النفاق للديكتاتور الصغير خرج عليه الديكتاتور الأكبر. الشعب.
المواطن العربى لم يعد يخاف، لكنه تحول لممارسة التخويف. مثل كل حاكم سبقه. هذه جيناتنا.
ويصل للطباعة مقال لكاتب بكلمات لا تنتمى لهويته الحقيقية محتفظاً بحقيقته لمجالسه الخاصة. هل نلومه؟ لا. فكلٌّ بحسب استطاعته. ولمن يكتب؟ إن كانت الجهات العليا والقاعدة الشعبية فى حالة تنافس على قلمه وتصريحاته إرضاء لهما لا رغبة بمعرفة الحقيقة. فلمن يكتب؟ من يريد سماع الحقيقة.
اليوم، تلاحقنى عبر تويتر رسائل تحمل عناوين مقالات قديمة. عمرها سنوات. تلاحقنى بشكل مقرف فى انتظار أن أعلن ندمى.
هل ندم شخص أعلن حريته بجرأة قبل ظهور صفحات الإباحة الفكرية وقبل خروج المد الثورى؟ متابع (بلا اسم) يرسل لى عناوين الحرية فى حياتى. أقرأها بفخر. إذ كانت أجمل لحظات ثورتى.
تعرفون ما أجمل لحظات حريتى أيضاً. لقاءاتى والتواصل بينى وبين فئة جليلة من شيوخ تمكنوا بجدارة من موازنة المعادلة المستحيلة عربياً، فجمعوا بين الحرية والدين واحترام الآخر. ومن تلك الفئة القدير الشيخ الحبيب الجفرى، صاحب رسالات السلام وعزيزى الشيخ حسن المالكى عبقرى القرآن.
لمَ لا تفسح لهم المنابر مثل غيرهم؟ لاتزال المنابر حكراً على أصحاب الشتائم والدعوات والتحريض على القتل والتنكيل بالآخر. والآخر ليس العدو الإسرائيلى، كما اعتدنا زمان. الآخر زمن التحرر هو العربى المسلم.
ما كان اسمك؟ لا يهم. ضغطت على
(Block)
ومحوتك من الصفحة.