عبد الرزاق عيد: الحوار المتمدن
منذ عشر سنوات تقريبا، تلقيت استدعاء بتوقيع رئيس فرع مخابرات أمن الدولة في حلب، وكعادتي بالعلاقة الصراعية مع فروع المخابرات الكثيرة في سوريا ،قررت أن لا أذهب إلا بدعوة من وزير الخارجية لأعقد الأمور أمامهم …أو ليتفضلوا وليعتقلوني إذا لم أذهب، وذلك من باب إحراجهم..!!
وذلك من باب رفض مشروعية استدعاءاتهم الأمنية على ( شرب فنجانر قهوة ) وفق طريقتهم المعهودة .. التي ذهب إليها أناس دون أن يعود بعضهم ليوم القيامة، والبعض الآخر أقام عندهم لأكثر من ربع قرن …
لكن الغريب في الأمر الذي فاجأنا كمعارضين علنيين أني تلقيت بعد أيام استدعاء بتوقيع وزير الداخلية للذهاب للقاء رئيس فرع الأمن السياسي مع تحديد اليوم والساعة ….ولمن يهمه هذا الأمر يمكننا نشر هذا الاستدعاء عند الطلب …
أما في الاستدعاء الآخر، أي عندما لم أذهب لاستدعاء رئاسة فرع أمن الدولة في حلب، فقد تلقيت استدعاء من رئاسة ( فرع أمن فلسطين العسكري ) المركزي في دمشق.. وهذا يعني أن الموضوع تجاوز حتى السقف الذي يفترض أنه الأعلى لوزير الداخلية …
عندها كان قراري بعد التشاور مع بعض الأصدقاء الموثوقين والخبيرين …أن أذهب وإلا فإني أدخل في معركة تحدي مع ذروة القبضة الأمنية في (سوريا الأسد -أ ي مع صهرهم الذي تخلصوا منه آصف شوكت) …
لماذا أورد هذه الحادثة من ضمن عشرات حوادث الاستدعاء المليئة بـ (الترغيب والترهيب) والتهديد، وما علاقتها بـ (داعش) ؟؟؟؟
قبل اي استدعاء، لا بد أن يفكر المرء بدواعيه ومسبباته، لقد فكرت في كثير من الأسباب التي تدعوهم لهذا الاستدعاء، سيما مقالاتي جينها في (جريدة النهار) اللبنانية التي كانت منبرا لنا كأصوات ثائرة على النظام الأسدي التي كانت سببا لإحالتي من قبل للمحكمة العسكرية … خاصة بعد اغتيال المحور الأسدي -الإيراني -الحزب اللاتي، لرئيس تحريرها جبران تويني في إطار سلسلة إغتيالات شهداء قافلة رفيق الحريري ..
المفاجأة أن استدعاء فرع فلسطين: لم يكن لكل الأسباب التي توقعتها، بل كان بسبب تصريح لي لإذاعة (مونتي كارلو) ، أن ( “جند الشام” والقاعدة) التي اتهمت بقتل الحريري، والتي بدأت في الإعلان عن نفسها حينها بعمليات إرهابية في سوريا ولبنان …والتي عبرت عن حضورها حينها بنهر البارد، واليوم تعبر عن نفسها في هيئة ” داعش “،ليست سوى أسطورة (العنقاء ) الأسدية -الحزب اللاتية ، التي اخترعها النظام المخابراتي الأسدي والملتي الإيراني لتصديرها خارجيا …)
حينها أفهمني (نائب ورئيس) فرع فلسطين :أن الموضوع جاد جدا …وأن استدعائي وتهديدي حينها ليس إلا بسبب قولي: أن القاعدة في سوريا من (جند الشام ……….وصولا إلى داعش) ليست سوى اختراع مخابراتي أسدي، وتبين لي يومها دور فرع فلسطين في تلك الصناعة …بل والتبني المباشر لـ (أبو القعقاع ) من قبل المخابرات العسكرية، قبل تصفيتهم له …ومن ثم تهديدي إعلاميا -على صفحات الأنترنت – بالمسؤولية عن مقتل (أبو القعقاع )، ومن ثم الثأر له مني من أجل مغادرتي سوريا |، وهذا ما حصل فعلا …
هذه تجربتي أنقلها للأخوة المسيحيين أبناء سوريا الأصليين (أبناء يسوع الناصري السوري) وليس النمسوي والأوربي والأمريكي، ممن يصدقون أكاذيب النظام الطائفي (الأسدي الكيماوي) عن معركته الكاذبة مع ” داعش” التي هي (صنيعة النظام الأسدي وإيران الملالي وبعض الغرب اليميني الفاشي العنصري العصابي (الرهابي ) تجاه إسلام يخترعونه في مخيلاتهم كعدو لا بد منه يحل محل الشيوعية سابقا…
يكفي الأخوة المسيحيين السوريين -بل والغربيين الأوربيين والأمريكيين عموما – أن يقرأوا بعض فصول سيرة العلاقة بين الخليفة الأموي العظيم ( عبد الملك بن مروان) والشاعر النصراني الشهير الأخطل التغلبي، الذي كان الأكثر قربا وصلة وودادا بهذا الخليفة، أكثر من أي شعراء عصره الأموي الكبار كجرير والفرزدق، والذي بلغ به تماديه في صداقة الخليفة أن طلب من الخليفة الكبير نفسه أن يسقيه الخمرة … ويدخل عليه في مجلسه، وهو يضع الصليب على صدره، بل ينتشي بالخمرة علنا وتصريحا، حد أن يقول للخليفة المؤسس الفعلي للإمبراطورية الإسلامية الأموية، بأنه عندما يشربها يشعر أنه ( عليك أمير المؤمنين أمير ..!!)
وهذه القصص والحكايا عن التسامح الديني يمتليء بها التراث العربي الإسلامي ومكتباته حتى اليوم التي يعرفها جيدا المثقفون المسيحيون العرب، رغم تقلب الأنظمة والحكومات التي مرت في هذا التاريخ الإسلامي منذ أربعة عشر قرنا حتى اليوم …
وأظن أن أول من يجب أن يقرا هذا التراث هم الأوربيون (النمساويون) الذين يعلنون عن فتح أبواب الهجرة للمسيحيين السوريين .. يا للعيب والعار الحضاري المدني …!!!
وليس فتح الأبواب للسوريين جميعا الذين يتعرضون لوحشية همجية استثنائية لم يعرفها التاريخ البشري والإنساني بكل طوائفه واثنياته وملله ونحله، لا سيما الابتكار الأسدي الرهيب بذبح الأطفال بالسكين وخنقهم بالغازات الكيماوية ….