لم تتأخر نجدة تنظيم “داعش” لنظام بشار الاسد وحلفائه بعد الصفعة الاميركية التي وجهها الرئيس دونالد ترامب بقصف مطار الشعيرات في محافظة حمص، فقد سارع التنظيم المذكور الى تنفيذ تفجيرات ارهابية ضد اهداف حساسة بالمعنى الديني (الكنائس المسيحية) وصداها كبير في الغرب والمجتمع الدولي، فجرى التفجير الدموي يوم أحد الشعانين في مصر، ليس استهدافا للمسيحيين، بل ردا على عودة التركيز على مصير نظام بشار الاسد، والدورين الايراني والروسي في سوريا، وحرفا للانظار عن اجرام النظام في سوريا بعدما اعادت الضربة الاميركية بصواريخ “التوماهوك” التسعة والخمسين وضع همجية نظام بشار الاسد تحت الاضواء، ومعه مصير الدور الايراني المباشر على الارض، وحدود الدور الروسي الذي وصل الى مرحلة من الجمود، بعدما تعذرت على موسكو ترجمة تدخلها العسكري المباشر الى حل سياسي تفرض بموجبه استقرار نظام الاسد بشكل حاسم ونهائي، ومعه إدخال سوريا نهائيا تحت مظلة الوصاية الروسية التامة والمعترف بها دوليا.
جاء تنظيم “داعش” ككل مرة ينجد محورا اقليميا يمتد من طهران الى بيروت وبعض قطاع غزة، ويتناغم مع قوة دولية كبرى (روسيا)، محاولا ضخ شيء من “المشروعية” الى الاصوات الدولية والعربية (ومنها لبنانية) التي تدعو الى اعادة تأهيل نظام بشار الاسد والتعامل معه على قاعدة تجميد النزاع معه.
ان تفجيري الكنيستين في مصر وقتل المؤمنين في يوم أحد الشعانين لا يمكن الاكتفاء بوضعه في إطار الاعمال الارهابية الطائفية فحسب، ولا يمكن الاقتناع بأنهما من فعل تنظيم إرهابي منعزل عن دور تأدية الخدمات التي لم يفد منها مجرمو العراق وسوريا، فحروب “داعش” في العراق، شتتت البيئة المعارضة للدور الايراني في الوسط بين الشمال الكردي، والجنوب الشيعي، وفتحت الباب أمام اجتياح الميليشيات الطائفية (الحشد الشعبي) لمناطق كان يستحيل على ايران مد نفوذها اليها، تماما كالدور الذي تضطلع به ميليشيات طائفية مماثلة في سوريا مثل “حزب الله” وغيره، حيث لم يستهدف تنظيم “داعش” سوى قوى المعارضة، ومناطقها في تناغم مخيف مع النظام وراعيتيه ايران وروسيا.
هذه المرة في مصر تم استخدام المسيحيين وقودا في معركة بالواسطة ردا على قيام الاميركيين بتعديل قواعد اللعبة في سوريا، بدخولهم اليها مباشرة. وفي مقابل الصفعة الاميركية لكل من النظام، وايران، وروسيا، جاء الرد بتفجير الكنيستين في مصر. والسؤال: هل يتراجع الاميركيون؟ ام انهم سيكملون مسار العودة الى اللعبة السورية، وتذكير ايران وروسيا بأن تمددهما بالشكل الذي حصل ابان عهد الرئيس الاميركي السابق باراك اوباما، ما حصل لولا انكفاء الولايات المتحدة، وان المرحلة المقبلة ستكون مرحلة العودة الى اللعبة مباشرة على ارض المعركة تمهيدا لحلول سياسية مختلفة عما يطرحه الثنائي ايران – روسيا؟
* نقلا عن “النهار”