مقال لبيتر نيومان، أستاذ الدراسات الأمنية ومدير المركز الدولي لدراسة التطرف( اي سي اس ار) في كلية كينغز بلندن، بريطانيا. المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا يعكس بالضرورة رأي “سي ان ان”
كُتب الكثير عن الشباب والشابات ممن ينضمون إلى تنظيم الدولة الإسلامية، ونحن نعلم قصصهم واختياراتهم وخلفياتهم ودوافعهم. ولكن لا أحد يعلم أي شيء عن الهاربين من داعش، “المنشّقين” الذين لم يعجبهم ما رأوه، وتخلوا عن مناصبهم ورفاقهم وفرّوا من داعش. قد تكون قصصهم المفتاح لوقف تدفق المقاتلين الأجانب لداعش، والتصدي لدعاية الجماعة وفضح أكاذيبها. جمعت في بحث قصير، كل القصص التي نُشرت عن الذين غادروا الدولة الإسلامية وتحدثوا عن انشقاقهم. واكتشفت مجموعة من 58 شخصا، وهو عدد لا بأس به ولكنه على الأحرى ليس سوى جزء صغير من الذين خاب أملهم بالجماعة أو على استعداد للمغادرة. ظاهرة الانشقاق من الدولة الإسلامية، جديدة ومتنامية، فمن بين المنشقين الـ58، غادر الثلثان في 2015. وهرب ثلثهم خلال أشهر الصيف الأخيرة فقط. كما أن تجارب وقصص المنشقين متنوعة، فلم يصبح الجميع مؤيدين متحمسين للديمقراطية الليبرالية. بعضهم ارتكب الجرائم، حيث كانوا جميعا في مرحلة ما، مؤيدين أقوياء للمنظمة الأكثر عنفا والأكثر استبدادا ووحشية في عصرنا. ومع ذلك فداعش الآن تُعتبر أسوأ أعدائهم. وتختلف جودة شهاداتهم، ولا تتضح دائما تفاصيل ظروفهم وأسباب مغادرتهم الدولة الإسلامية، لكن ما أقنعني بمصداقيتهم، هو اتساق قصصهم. ومن بين 58 قصة منشق، وجدت أربع روايات كانت مؤثرة بشكل خاص.
كان أحد أكثر الانتقادات تكرارا في الشهادات هو مثابرتهم في قتال المتمردين السنّة الآخرين. فوفقا للمنشقين، لا يبدو أن إسقاط نظام الأسد من أولويات داعش، حيث لم يفعل شيئا يُذكر لمساعدة السنّة الذين استهدفهم نظام الحكم. وكان أغلب اهتمام الجماعة، على حد قول المنشقين، موجها لخلافات داعش مع المتمردين الآخرين، وتخوّف القيادة من “الجواسيس” و”الخونة.” ولم يكن هذا هو الجهاد الذي سافروا إلى سوريا والعراق ليشاركوا به.
وتمحورت بعض القصص الأخرى حول وحشية الجماعة. حيث اشتكى العديد منهم من الفظائع التي شهدوها من قتل المدنيين الأبرياء. وتحدثوا عن القتل العشوائي للرهائن، واضطهاد القرويين وإعدام المقاتلين من قبل قادتهم العسكريين. ومع ذلك لم تشمل أي تلك القصص العنف ضد الأقليات. فالمنشقون لم يكن لهم موقف معاد للعنف بشكل مطلق، وإنما يلاحظ أن تركيزهم انصب على الحالات التي كانت تتسبب بضحايا من السنّة.
كما ذكرت معظم قصصهم أيضا الفساد. حيث استنكر معظم المنشقين سلوك قادتهم و”أمرائهم”، رغم عدم اعتقادهم أن الفساد منهج الجماعة. وانتقد المنشقون السوريون الامتيازات التي أعطيت للأجانب، والتي زعم السوريون عدم وجود مبرر لها بناءً على فلسفة الجماعة أو الإسلام بشكل عام. وفي حين كان العديد على استعداد لتحمل مشاق الحرب، وجدوا أنه من المستحيل تقبل الظلم وعدم المساواة والعنصرية. فقال منشق من الهند: “هذه ليست حربا مقدسة”، حيث اشتكى من تعيينه بمهمة تنظيف المراحيض بسبب لون بشرته.
وكان الأمر الرابع الأكثر بروزا في قصص المنشقين هو أن الحياة في ظل الدولة الإسلامية كانت قاسية ومخيبة للآمال. وكان المنشقين الذين عبّروا عن هذا الرأي، هم الذين انضموا للجماعة لأسباب “أنانية”، والذين سرعان ما أدركوا أنهم لن يحصلوا على شيء من السلع الكمالية والسيارات التي وعدتهم بها الجماعة.
أما بالنسبة لآخرين ممن لهم خبرة بالقتال، لم ترق هجمات داعش إلى مستوى توقعاتهم من البطولة والإثارة. حيث وصف أحدهم واجباته بأنها “مملة”، واشتكى من قلة فرص الاشتباك القتالي الحقيقية، بينما ادعى آخرين أن داعش استغل الأجانب واستخدمهم كوقود لحروبه.
هذه القصص مهمة، حيث يحطم وجود المنشقين من داعش صورة الاتحاد والعزم التي تسعى الجماعة لتقديمها لبقية العالم. فقصصهم تبرز نفاق الجماعة وتناقض الواقع مع ما يصوره داعش في وسائل الإعلام. وقد تشجع قصصهم آخرين على الهروب من التنظيم وتردع من يطمح بالانضمام إليه. وفي رأيي، يجب على الحكومات والمجتمعات المتحضرة أن تعترف بقيمة المنشقين وتساعدهم على التحدث عن تجربتهم. وحيثما كان ذلك ممكنا، ينبغي على الحكومات مساعدتهم بإعادة توطينهم وضمان سلامتهم. كما أنها تحتاج الى إزالة العوائق القانونية التي تمنعهم من رواية تجاربهم للعالم. ليس كل منشق قديس، وليس كلهم مستعد أو راغب بالوقوف في دائرة ضوء الرأي العام. ولكن أصواتهم قوية وواضحة: “إن الدولة الإسلامية لا تحمي المسلمين. إنها تقتلهم.” يجب أن يسمع العالم قصتهم.
مواضيع ذات صلة:الهندي تنظيف مراحيض بالدنيا تنظيف مراحيض بالاخرة