داعش.. الأمل والدين والسياسة

lebanissdaiishإكرام لمعي: الشروق المصرية
نجحت داعش كما لم تنجح أى حركة إصولية مسلحة من قبل، فقد تجاوزت التكفير والهجرة والجهاد والقاعدة وطالبان. وأذكر هذه الأربع حركات قاصدا، ففقه شكرى أحمد مصطفى يقترب بشدة من فقه البغدادى، والجهاد تحول إلى تنظيم دولى، لكن لم يكن له جيش منظم، وطالبان استولى على الحكم فى موطنه أفغانستان، فكان له مكان وجيش ودولة، أما القاعدة فقد بنى استراتيجيته على الخلايا النائمة فى البلدان التى يراد اختراقها، ولم يكن له جيش منظم على الإطلاق، فكان يضرب فى الخفاء، أما داعش فقد أسس ما دعاه “الخلافة الإسلامية” واعتمد فى فكره على فقه منظم محكم نّظر له البغدادى وأقام جيشا جرارا يزيد على مائتين وخمسين ألف مقاتل محترف مع أسلحة حديثة يدربه عسكريون عالميون، وتفوق فى الإعلام عن حركته لاعلى الحركات السابقة له، بل على بعض الدول العريقة. وقد احتاج إلى تحالف عالمى بقيادة الولايات المتحدة والذى لم تكن له سابقة إلا فى عراق صدام الدولة العريقة والتى قامت بغزو دولة الكويت العضو فى هيئة الأمم المتحدة.

والسؤال هو: لماذا حققت داعش أهدافها ونجحت فيما أرادت بهذه الصورة المذهلة رغم محاولات التهوين من شأنها؟
لقد أعادت داعش الأمل لشباب ورجال فقدوه لسبب أو آخر وركزت فى تنظيرها على فقه الحتمية الإلهية ونهاية التاريخ ولعبت السياسة العالمية باحتراف شديد كأعتى الدول.

***

من المدهش ان هذا التنظيم ضم شبابا من أفضل الشباب تدينا وتعليما مثل إسلام يكن ومحمود الغندور وغيرهما من دول العالم، كذلك ضمت شبابا غير مسلم لكنهم أيديولوجيون فقد ضمت شباب اليسار الشيوعى الذى أحبط لسقوط أيديولوجيته، وتوافق مثل هؤلاء مع الشباب الأصولى الإسلامى هو فى نظرتهم البسيطة والحادة للاحداث والعالم بطريقة أبيض أو أسود، خير أو شر، وأعظم الشرور بالنسبة لهم إمساك العصا من المنتصف. أما النوعية الثالثة التى تكون منهم التنظيم الأوروبيون والأمريكيون الذين أسلموا أو من أسر مسلمة مهاجرة وهؤلاء ناقمون على الغرب وتسيبه الأخلاقى وعنصريته نحو المختلفين فى اللون أو العرق أو الدين. وانضم إليه أيضا نساء وهو مالم يحدث فى أى حركة مناظرة سوى داعش والتكفير والهجرة، تجمع كل هؤلاء تحت راية داعش السوداء التى تتوعد العالم الحاضر بالفناء النهائى.

***

إنهم الغاضبون على الدنيا وما فيها من إحباط لهم وشر مستطير، إنهم العدميون الذين يقدمون على الانتحار بطريقة الانسحاب من الحياة أو بالانتحار الفعلى أو الانضمام لمنظمات الموت فيها مفضل على الحياة لذلك آتى شعارهم “نحب الموت”.

لقد انضم هؤلاء الشباب لداعش، لأنها الأمل فى تدمير العالم الشرير بأسرع وسيلة ممكنة ليحل اليوم الآخر حيث دينونة كل البشر الظالمين الفاسدين الكفار ومكافأة المؤمنين المجاهدين الاتقياء، أما تاريخ الفقه الدينى لداعش فجذوره تمتد إلى ما قبل الإسلام بآلاف السنين لقد عاش اليهود آلاف السنين فى انتظار المسيا المخلص الذى يقودهم بقوة عسكرية ليحررهم من المستعمر الرومانى ويجعلهم يحكمون العالم وهنا تأتى نهاية التاريخ، وعندما جاء المسيح التفوا من حوله فى انتظار الخلاص، لكن السيد المسيح خيب ظنهم برفضه تكوين جيش والقيام بثورة وتحدث عن خلاص النفس والروح وهنا انقسم اليهود من حوله الذين آمنوا به وتبعوه دعوا مسيحيين، والذين رفضوه من اليهود اعتبروه مسيا كذابا وبقوا فى انتظار المسيح العسكرى المخلص الذى ينتصر على جيوش العالم ويحكم العالم ومعه يهود العالم ثم يأتى اليوم الآخر والدينونة. أما المسيحيون الذين اتبعوا المسيح فانقسموا بينهم فبعض منهم استمر فى الاعتقاد فى المسيح كمخلص للنفس والروح فقط والبعض الآخر أخذ معه فكرة المسيح العسكرى، واعتبر أن المسيح الذى أتى ونادى بالسلام ليضم العالم إليه، هو نفسه سيأتى ثانية فى نهاية العالم ليضم إخوته اليهود وعلامات هذه العودة هى انهيارات اقتصادية عالمية تؤدى إلى مجاعات وتشرد شعوب وكوارث طبيعية من زلازل وفيضانات وحروب بين الأمم، ثم اتحاد الأمم معا للحرب ضد إسرائيل فى مرج ابن عامر وهى تل صغير بين سوريا وتركيا (دابق)، وفى البداية، سوف تنهزم إسرائيل فيتدخل الله من خلال الطبيعة ويدمر العالم حيث يموت ثلثى العالم ويعود العالم إلى البدائية، هنا يظهر السيد المسيح، ويتعرف عليه اليهود الذين رفضوه ويرجعون إليه، ويحكم المسيح مع اليهود لمدة ألف عام على الأرض يكون فيها السلام الشامل لجميع الأمم وينقطع الشر لابين البشر فقط بل بين جميع المخلوقات الأخرى من حيوانات وطيور… إلخ.

وقد ظهر هذا الفكر فى القرن الأول المسيحى، ثم اختفى وظهر فى القرن الخامس ثم انتهى وظهر أخيرا بعد الحرب العالمية الثانية تعاطفا من العالم الغربى مع أفران الغاز لليهود. وهكذا أنشئت إسرائيل وسمى أتباع هذا الفكر “المسيحيون الصهاينة” وهم يعضدون إسرائيل بغرض عودة المسيح ثانية للمسيحيين وتتم المصالحة، وهنا دخل بعض الفقهاء المسلمين على الخط وتحدثوا عن أن كل هذه الأمور من مجاعات وحروب وكوارث سوف تتم فعلا قبل مجئ المسيح ثانية، لكن المسيح سيأتى ثانية ليكسر الصليب ويذبح الخنزير وأول من أعلن الربط بين هذه العقائد الثلاث مجئ “مسيح اليهود” الذى لم يأت بعد، مع عودة المسيح ثانية “مسيح المسيحيين” مع ظهور المسيح الدجال “مسيح المسلمين” كان شكرى أحمد مصطفى والذى يعود لأوراق محاكمته فى بداية السبعينيات والصحف فى ذلك الوقت، فقد وقف أمام المحكمة ليقول نحن نتدرب على استخدام السيف والسكين وركوب الدواب لأنه ستحدث المجاعات والحروب والكوارث وستقع حرب عالمية يموت فيها ثلثا العالم ويعود إلى البدائية حيث يفقد كل الصناعات الحديثة من صواريخ ودبابات وطائرات… إلخ ويعود الناس لركوب الدواب ويأتى المسيح ثانية ليكسر الصليب ويذبح الخنزير ونحن سوف نحكم العالم، ثم قال إنه لن يموت حتى لو حكموا عليه بالإعدام لأنه سيقود العالم إلى النهاية.

***

وبضم هذه العقائد الثلاث معا نستطيع أن نكتشف فكر داعش من خلال إعلامهم وهم يذبحون البشر، ويتحدثون عن الخراب العالمى والمجاعات والدماء والحرب الأخيرة فى دابق موقعة هرمجدون وعودة المسيح… إلخ، وهم يتعجلون نهاية العالم بما يرتكبونه للإسراع بمجئ المسيح ثانية واليوم الآخر، والذى يركز فيما يردده جنود داعش سيجد هذه المفردات والأدبيات وهكذا قدمت داعش الأمل للمحبطين فى العالم سواء من الذين انضموا إليها أم لم ينضموا، أما كيف تفاعلت داعش سياسيا فهذا يحتاج إلى حديث آخر.

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.