مذ غزا قتلة من جنسيات مختلفة بلادنا ليقيموا فيها حكما مكملا لحكم المخابرات الأسدية داخل المناطق الواسعة التي كان الجيش الحر قد حررها، صار من الواضح أن هؤلاء سيعملون للقضاء على الثورة بغطاء مذهبي – طائفي صنعته الأحقاد وغذاه الجهل، لا صلة له بالدين الحنيف ومبادئه الإنسانية، ولا يحترم حياة وكرامة وحقوق المؤمنين من جميع الأديان والملل، أحد مقاصده تشويه صورة الإسلام في عقول البشر وقلوبهم، وإظهاره بمظهر دين عنيف يدعو إلى قتل الآخر والمختلف. لذلك، لا يستطيع المسلم أن يكون غير إرهابي وقاتل، ويجب على العالم الخوف على السوريين عموما والأقليات خصوصا، ولا خيار له غير دعم النظام ضدهم، ليس فقط لأنه صاحب خبرة كبيرة في مقاتلتهم، بل كذلك لأن بقاءه هو الخيار الصحيح، ما دام لا يوجد أي بديل آخر له غيرهم.
وكان النظام قد تلقى مساعدة من إرهابيي طهران وأتباعهم في المنطقة العربية، أعانته على احتواء هجمات شنها الجيش الحر، أخرجته من نصف البلاد وحررت ملايين البشر من طغيانه وبطشه. ثم لقلب موازين القوى بصورة جذرية ونهائية، كان لا بد من إمداده بعون إضافي يخترق الثورة من داخلها ويستولي عليها. تلك كانت مهمة منظمة إرهابية هي «داعش»، ليس بين قادتها من يحجم عن ارتكاب أفظع الجرائم ضد أي سوري، بغض النظر عن دينه وموقفه وعمره ومنطقته وجنسه. وقد بدأت «داعش» هذه عملها بشق صفوف التنظيمات الإسلامية، ثم بالقتال المفتوح ضد جميع فصائل الجيش الحر، لتحرير المناطق المحررة منه، ولإثارة المواطنين بعضهم ضد بعض، ولم تتردد عن استعمال المال السياسي لإفساد الناس ووضعهم في مواجهة بعضهم والسلاح في أيديهم، وتصفية كل ما له علاقة بالثورة سواء كان أفكارا أو أشخاصا أو تنظيمات، والانتقام من الشعب وقتله واضطهاده كي يعود خانعا ذليلا إلى طاعة نظام بدا في نظر أعداد متزايدة من الناس رحيما ومعتدلا بالمقارنة مع عملائه «الداعشيين»، الذين تتوفر اليوم معلومات موثقة حول صلاتهم الواسعة والمتشعبة مع مخابراته، سيثير نشرها دهشة العالم وذهوله، وسيبين من الذي كان إرهابيا؛ شعب سوريا الثائر أم نظامها الاستبدادي، الذي استخدم معظم الاحتياطي الإرهابي، الذي كان قد دربه ونشره في جميع أقطار الأرض، وبادر لاستقدامه إلى سوريا كي يشركه في الحرب ضد شعبها، بمعونة روسيا وإيران ومن لف لفهما من أجانب وأغراب غزوا سوريا ليلقنوا شعبها درسا لن ينساه، عقابا له على ثورته ضد حلقة رئيسة من حلقات تخطيط ورعاية الإرهاب الكوني هي العصابة الأسدية.
كان جليا منذ بدأ نشاط «داعش» أنه ينضوي في إطار سياسي – إرهابي رسمه لها النظام الأسدي كي تكمل جهدها ضد الثورة. ومن يتأمل ما فعله الغزاة سيجد أنهم أطلقوا مليون رصاصة ضد الجيش الحر وبقية الفصائل المقاومة مقابل كل رصاصة أطلقوها ضد النظام، وسيكتشف أن الأخير لم يهاجم إطلاقا مواقع «داعش»، واكتفى من حربه ضدها بغارة يتيمة شنها على حاجز فرعي لها، في حين بدأ خلال الأيام الماضية غارات مكثفة بجميع صنوف الأسلحة والقوات ضد من يقاتلونها أو يحاصرون قتلتها، وانخرط عمليا في القتال إلى جانبها كي يبقي على وجودها في الأرض السورية كتنظيم أثبت لبعض الوقت أنه قادر على قضم الجيش الحر وتقويض قدراته، والحؤول دون وجود أي تنظيم مسلح إلى جانبه باستثناء جيش النظام.
واليوم، والتنظيم الغازي يلفظ أنفاسه الأخيرة في معظم المناطق التي سيطر عليها في غمضة عين، وأحرار سوريا يلقنونه درسا فيه نهايته الوشيكة، تستعيد الثورة صدقيتها كحركة من أجل الحرية، وينفضح نفاق العالم الذي جعل منها ثورة أصولية ليس من الصواب إمدادها بوسائل الدفاع عن نفسها، في حين تعامى عن وصول جميع وسائل القتال إلى «داعش»، بعد أن تعامى أيضا عن غزو حزب الله لسوريا من الغرب، وغزوها هي من الشرق، ووصل به الأمر إلى حد جعله يلمح إلى أن «داعش» وأضرابها هم الورثة الوحيدون للنظام، لذلك يجب التعاون معه والقبول باستمراره، وهذا ما انعكس على نظرته إلى مؤتمر جنيف، واتخذ شكل تجن صريح على المعارضة، وتفهما واسع الصدر لإجرام النظام الأسدي ومواقفه المدمرة لأي حل سياسي أو سلام منشود.
يحسم الجيش الحر مصير وطنه بدمائه، على غرار ما فعله كل يوم منذ بدأت ثورة الحرية ضد العبودية والإذلال، حتى ليمكن القول إن الثورة اجتازت، بإسقاط «داعش»، نصف الطريق إلى إسقاط النظام، وإنها ستواصل تقدمها إلى أن يبلغ الشعب السوري ما أراده وضحّى بالكثير جدا من أجله، حريته، التي لن يساوم عليها في «جنيف» أو في غيره، ويثق أنه سيبقى من «داعش» فصاعدا في متناول يده، شاء من شاء وأبى من أبى!
منقول عن الشرق الاوسط