أثار مقالي السابق حول القصة القصيرة جداً ردود فعل ثقافية هامة وواسعة جداً، أعطتني لوحة أكثر اكتمالاً لفهم المضمون القصصي عامة، وكان استنتاجي الأساسي هو عبث إقامة تقسيمات ميكانيكية في إطار الفن الواحد، بمعنى ان القصة هي فن لا يتجزأ، اما ان تكتب قصة تُقرأ وتؤثر بالقارئ، او نصاً لا علاقة له بالقصة الا في الوهم الذاتي للكاتب، مهما كانت صياغة النص اللغوية جيدة. لأن القصة ليست مجرد لغة ومعرفة التركيب القصصي حسب الدراسات المختلفة التي طرحت موضوع القصة من زوايا عديدة ومختلفة. وأعجبتني تسمية القصة القصيرة جداً بتعبير “اشراقات” كما طرح ذلك الدكتور الناقد والشاعر والقاص فاروق مواسي في مداخلته حول مقالي المذكور.
لاحظت سابقاً ان عدداً من كتاب القصة يكتبون حسب المفاهيم التي تطرحها دراسات مختلفة لنقاد او أكاديميين يتعاملون مع فن القص بمباضع تنفع في الجراحة الطبية، وأظن انهم هم أنفسهم عاجزون عن تحويل “معرفتهم الكبيرة” لفن القصّ الى إبداع قصصي. وبالتالي لا يُنتج الباحثون عن فن القصة في كتب البحث والتنظير أدباً قصصياً، لأن القصة تتجاوز حتى المفهوم المباشر والأولي للأدب الى مفاهيم أعمق ترتبط بالمشاعر الإنسانية والحياة والمجتمع والوعي والفلسفة. وكتب الدراسات أشبه بالمختبرات الطبية التي تنفع في التحليل ولا تنفع في العلاج – أي بتوفير أدوات الإبداع!!
المبدع الذي يتوهم ان كتب التنظير ستجعل رضوان يفتح له الأبواب، ويجلسه في جنة المبدعين، هو واهم.
هناك شروط لغوية صياغية وفنية تكنيكية، هي التي تشكل جوهر القص (الرواية) بكل فروعه، وهذه الموهبة برأيي تولد مع الكاتب وتتشكل في مراحل وعيه الأولى، وتكتمل بناءً على ظروف تطور وعيه. وعليه قررت ان اكتب هذا المقال لعلي أوسع النقاش الثقافي الذي بدأ بمقالي السابق عن القصة القصيرة جدا. وقد اعتمدت هنا على تجربتي، بعيدا عن كل النظريات والتنظير التي لا أراها الا دخيلة ومتطفلة على جوهر الإبداع !!
*****
يحاول بعض نقاد القصة القصيرة تقديم لوحة ثقافية تعبر عن الإنجاز التاريخي لمؤسسي فن القصة القصيرة وكتابها وعلى رأسهم الأمريكي ادغار الن بو الذي يعتبر من أوائل كتاب القصة القصيرة، والفرنسي جي دي موبسان الذي لُقِّب بـ”أبي القصة القصيرة” والروسي أنطون تشيكوف، الذي يعتبر أفضل كتاب القصة القصيرة… او يُنظرون بالاعتماد على مفاهيم أكاديمية، لم يثبت حتى اليوم انها أنتجت مبدعاً او نصف مبدع، ونجد ان الكثيرين من أعظم كتاب القصة والرواية لم ينه بعضهم حتى المدرسة الابتدائية. هذا الأمر أعادني الى تجربتي المتواضعة، التي لم تعتمد الا على العشق الذي اجتاحني منذ قرأت اول قصة وانا في بداية دراستي الابتدائية، لفهم بعض العوامل التي “تفرض” نفسها على مبنى القصة في أعمالي.. والتي أضحت أمرا غير مفكر به حين تحين اللحظة، كثيراً ما تساءلت عن العوامل التي جعلتني استوعب الجوانب الفنية في تجربتي، التي لم أستعن لها بأي نص مدرسي او بحثي يتعلق بفن القصة القصيرة، وما زلت مصراً على ان كل الأبحاث والنظريات، لن تستطيع ان تعلم أحداً صياغة قصة قصيرة جيدة.. او فهم مضمون أهمية اللغة (ليس من ناحية نحو وإعراب) في الصياغة القصصية، او ما بدأت أطلق عليه في الفترة الأخيرة تعبير “اللغة الدرامية”.
القصة، او الفن القصصي بما في ذلك الرواية والمسرح، كله مرّ عبر تجربة واسعة جداً ومتعددة الأشكال.. ورؤيتي مثلاً ان فن القصة القصيرة الحديث متأثر أكثر بالكاتب الروسي أنطون تشيخوف. ان موهبة تشيخوف في التعبير القصصي عن عالمه، ومجتمعه وإنسانه، تكاد لا توجد تجربة قصصية بمثل عمقها، ولا سابق لها في الفن القصصي، من حيث مبنى القصة، لغتها، عناصر الدهشة فيها، فكرتها وأساليب كتابته او صياغته للفكرة القصصية، فن الحوار في قصصه، كيف يتعامل مع اللغة في قصصه، كيف يحول اللغة نفسها الى نص درامي، اندماج اللغة المستعملة في النص القصصي بالفكرة الدرامية، أي كيف يخلق موازياً لغوياً درامياً للفكرة القصصية الدرامية.. وهذه نقطة هامة وحاسمة.. كذلك قدرته على اكتشاف أدق التفاصيل ونقلها بتعابيره المفعمة بالبساطة والعمق والسخرية والحدة، كلها وضعته في رأس مؤسسي هذا الفن القصصي: القصة القصيرة، محدثاً نقلة نوعية جعلته أبا القصة القصيرة الحديثة بغير منازع على الإطلاق!!.
وهناك جانب قد يغفل البعض دوره. جانب التجربة الحياتية للمبدع وقدرته على تطوير ادواته (آلياته) الفنية والثقافية. في الأدب هذا الجانب حاسم في تطوير الإبداع ونقله من بوتقة ضيقة الى عالم واسع ممتد الأطراف غير نهائي في آفاقه واتساعه المعلوماتي والفكري والفلسفي والتجريبي (بخوض تجارب حياتية ومغامرات حياتية) الذي قد يبدو للبعض خروجاً عن المألوف، أصلاً كل الإبداع هو خروج عن المألوف، خروج عن حالة السكون والاستقرار، ألدّ اعداء الانتاج الإبداعي..
مع ذلك القصة لم تتوقف بحدود تجربة محددة، بل يمكن القول ان القصة القصيرة تنبض بالحياة والتغيير وتشق طرقاً جديدة، قد نستسيغ بعضها وقد نرفض بعضها وهناك إضافات هامة للعديد من أبرز كتاب هذا الفن.
لا ثقافة ولا إبداع في عالم الأوهام والعقائد الجامدة والتخيلات المريضة الوهمية.
الموضوع ليس نظرياً، ليس فهمَ شروطِ الكتابة الإبداعية، شروطِ الانشاء القصصي، بل مجمل النشاط الإبداعي للإنسان والمجتمع.
الكاتب – المبدع يحتاج اولا الى وعي معرفي اجتماعي واسع وفي جذوره الفلسفة، التي تغذي العقل بقدرات لا نهائية من المعرفة والقدرة على فهم حقائق الحياة، والقدرة على الاستفادة من التجارب الذاتية والعامة.
لذلك الإبداع، بصفته حالة أدبية، هو شكل من أشكال الوعي الإنساني يعبر عنه بطريقة فنية.. انعكاس فني لواقع اجتماعي او ثقافي او سياسي.. الخ.
الفن القصصي هو ألدّ أعداء الفذلكة اللغوية والديباجة والإطناب، والنحت في المفردات. القصصي يجب ان يقبر سيبويه والكستائي قبل ان يمسك القلم، وان لا يتعامل مع اللغة، خاصة العربية، كلغة ذات شأن وقداسة. لا شأن ولا قداسة للغة في السرد القصصي او غيرة من أصناف الكتابة. جمالية القصة تتعلق بفكرتها وأسلوب تنفيذها وقدرة كاتبها على إبداع لغة درامية في السرد حتى لو حطم كل ثوابت الكتابة الإنشائية. وان لا يفكر الا بالدراما التي يبنيها، وباستعمال المفردات بلا وجل الوقوع في فخاخ حراس اللغة.
قد يقود كلامي حول اللغة الى وهم ان اتقان اللغة غير ضروري. لم يكن هذا ما قصدته، والعكس هو الصحيح، بدون إتقان ممتاز للغة، وحس لغوي متطور، يحرر الكاتب من التفكير بالنحو والإعراب خلال عملية الإبداع، يستحيل الإبداع القصصي، وعندما أقول الحس اللغوي أعني القدرة على اختراق حواجز التقليد اللغوي والقيود المختلفة.
ان عرض تطور الإبداع (القصة القصيرة في حالتنا) هو أمر هام ومثمر ومحفز لتوسيع المعرفة.. ولكن مميزات الفن القصصي هي الارتباط بالتجربة الحياتية الواسعة الى جانب الإلمام بهذا الفن عبر المعرفة العميقة لمختلف الأساليب التي تطورت منذ ادغار الن بو وصولاً الى تشيخوف وموبسان وغيرهم، تماماً كما تحتاج السيارة الى وقود.. لا يمكن الإبداع بدون غذاء، وقود – وقود فكري، واتساع المعرفة والقدرة على الخوض في تجارب الآخرين بدون مرجعيات ومواعظ، إنما بالاعتماد على الذات المجربة والقادرة على هضم تجارب الآخرين وشق طريق يعطي للنص هوية مميزة.
لا يمكن ان أتجاهل ان القصة العربية القصيرة، هذا الفن الجديد نسبياً في الأدب العربي، ساهم الكاتب العبقري يوسف ادريس في تثبيت جذوره الفنية، بحيث أضحت تجربته مدرسة للقصة العربية القصيرة.. وللقصة القصيرة بشكل عام. ورغم حداثة هذا اللون نسبياً في الأدب العربي إلا ان ادريس نجح بإيصاله إلى مستويات فنية راقية للغاية، والأهم انه طور لغة قصصية بالغة التميز والثراء.
هناك من يشدد على ما يسمى “وحدة الانطباع ولحظة الأزمة واتساق التصميم” ربما نقاط هامة عُبر عنها بشكل مركب، لن اعترض مع اني لم أفهم المعنى، ولكنها لا تقدم أمراً ملموساً يمكن فهمه من الكتاب الناشئين..
لا بد من ملاحظة: ان الكاتب الذي يجتر قصته بالقوة، لا يقدم الا فذلكة لغوية، وترهات، وفكرة مشوهة ناقصة أو مرتبكة، وما أكثرها في أدبنا. نفس الأمر يمكن ان نرى تواصله في المقال السياسي.
الفكرة القصصية يجب ان تنمو على نار هادئة في ذهن الكاتب، ان يتحاور معها بذهنه، ان يعيش تفاصيلها، يهلوس بها، ان يبنيها ويهدمها مرات قبل ان يعيد بنائها وتشكيل أطرافها وشخصياتها، ان يفلسفها ليفهم أبعادها..، ان يعرف الى أين يريد ان يصل قبل ان يبدأ بالخربشة على الورق.. هل أقول لكم اني أحيانا أغرق بعدة أفكار قصصية وعندما تكتمل أستطيع صياغتها تباعاً بسرعة وبلا توقف؟
الفكرة القصصية او السياسية او النقدية، حين تكتمل تفرض نفسها وأسلوبها.. مئات القصص التي أقرأها على الانترنت او في الصحافة المطبوعة، لا أواصل قراءتها بعد الفقرة الأولى أو الثانية منها..اكتشف انها كتبت بطريقة إستمنائية. تفتقد للعناصر الأهم في النص القصصي،التدفق والتلقائية بلا تصنيع واللغة التي تشد القارئ للفكرة والقدرة على اثارة انتباه القارئ ( الدهشة )،خلق شخصيات تنبض بالحياة وليس مجرد رسومات ورقية.
ان ضعف عنصر الدهشة القصصية التي تشد القارئ من السطر الأول، او اللغة الدرامية المعيارية التي لا قصة بدونها، والا تحولت القصة الى مادة إخبارية بلغة فذلكة وتشاطر مملة، تقتل عناصر القص الهامة كلها.
كذلك لا قصة جيدة الا بمعرفة أسرار اللغة وطرق الصياغة ( سيقولون يناقض نفسه لأنهم لم يفهموا القسم الأعلى من مداخلتي)، ولا أعني القواعد والنحو والصرف.. انت عزيزي الكاتب تحتاج الى معرفة الصياغة الفنية للغة، وليس علوم الصرف والنحو.. التي تجعلك حارساً للغة وليس مبدعاً للأدب!!
فن القص هو إيصال المعاني مباشرة أحياناً، وبالتورية أحياناً أخرى، وبتطوير حسٍّ لغوي مثل البارومتر شديد الحساسية لوقع الكلمة ومكانها في النص.. ولنترك بعض الهنات للمحرر اللغوي، ولا تقلق من خطأ يفرض نفسه عليك ضمن سياق النص والفكرة. واذا بقيت متمسكاً بفكرة قداسة اللغة بصفتها هدفاً بحد ذاته، فاذهب لتعيش مع سيبويه والكسائي واترك فن القص والرواية، لأنه فن انتفاضي على المسلمات اللغوية وقيود التزمت الفكري واللغوي والاجتماعي، وكله يشكل حالة مترابطة واحدة.
لا يمكن ان تكون لغة حديثة، قصصية خاصة، يحكمها نحوٌ وضعوه قبل مئات السنين، هل سنبدع قصصاً حديثة بلغة العرب القدماء؟ وحتى لا يفهمني أحد خطأ، كلامي هو مجرد مقارنة لفهم ان اللغة أداة حية تخلق مفرداتها وصياغتها بناء على المناخ الثقافي السائد في عصرها. ان لغات عصر التنوير الأوروبي اختلفت جذرياً عن لغة القرون الوسطى، واعتقد ان الأدب الروائي الذي انتعش مع فترة عصر النهضة والاستعمار لعب دوراً كبيراً في إحداث انتفاضة لغوية حداثية في اللغات الأوروبية.
قصور مجامع اللغة العربية وانغلاقها على القديم، وعدم فهمها لحيوية إحداث نقلة نوعية في لغتنا، ثقافية وعلمية وتربوية، يضر بمكانة اللغة ولكن لا يمكن ان يوقف التطور، ربما يعيقون في اتجاهات معينة، ولكن من المستحيل وقف تطوير لغة القصة والرواية والمسرح والشعر والسياسة لشدة ارتباطهم بالمناخ الثقافي السائد، ان ما يحدث هو شرخ لغوي..
الكثير من الصياغات التي نستعملها اليوم في كتاباتنا يعتبرها حراس اللغة أخطاء يجب تصحيحها… لكنها أضحت مستعملة ومتفق عليها وغير قابلة للتغيير. الشارع والثقافة في جانب والمجامع بعيدة قرناً كاملاً او أكثر عن لغتنا الحديثة. ان التجديد في اللغة يتجاوز التقييد والكثير من التعابير العامية أضحت جزءا من الفصحى، وهو أمر طبيعي في كل اللغات التي تتشابه لغتها الفصحى مع لغتها المحكية. ان احدى مشاكل الإبداع التي واجهتني في تجربتي القصصية، كانت اللغة العربية المزدوجة والمرهقة في قيودها، عندما وصلت لقناعة التحرر، وكتابتها بحرية مطلقة، شعرت اني أمسكت طرف الإبداع من المكان الصحيح.
الناحية الفنية
من تجربتي الذاتية ارى ان أهم مركبات القصة يمكن تلخيصهما بمسارين او خطابين، الأول: المسار او الخطاب التاريخي، أي خطاب فكري أيديولوجي، وهو الحدث، الخبر، الفكرة القصصية، المضمون القصصي، المادة الخام.
الثاني :المسار او الخطاب الفني، وهو يتعلق بقدرة الكاتب على الصياغة اللغوية الإدهاشية أي التي تخترق أحاسيس القارئ، تدمجه عاطفياً مع الفكرة القصصية، تثير دهشته من البداية حتى النهاية وهي تتعلق أيضا بالتكنيك القصصي الذي يتبعه الكاتب.. انا اؤمن ان الفكرة تفرض أسلوبها ولغتها ومفرداتها، الكاتب عليه ان يعرف كيف يفكك الحدث ويعيد بنائه من جديد، ليبقي المفاجأة الدرامية للسطر الأخير… تماما مثل لعبة البوكر.. ممنوع كشف الأوراق، اذ قد تكون أوراقك (قصتك) ضعيفة ولكن معرفة أصول اللعبة القصصية (البوكر) تجعلك تنجز انتصاراً حتى على الذين أوراقهم (أفكارهم القصصية) أقوى من أفكارك..
يجب الانتباه إلى عدم المبالغة في أحد الخطابين على حساب الخطاب الآخر.. ولا اعني خلق تعادل بينهما… انما معرفة أين يجب إبراز جانب على الجانب الأخر… في فترة ظننت ان التعادل بين الخطابين هو الكود الصحيح. اليوم، بعد تجربة طويلة أرى ان التعادل مضراً، ومقيداً، وينتج حالة من التقييد والتأطير والدوغماتية الثقافية. صحيح ان الخطابين هامان، وان إبراز خطاب ما بشكل مبالغ ينسف القاعدة الحساسة للبناء القصصي. لكن هذا لا يعني ان نقيم التعادل الميكانيكي بين الخطابين، بل اعتماد التناقض الديالكتيكي بين الخطابين، أي التناقض الذي يدفع دائما لتطوير الحدث واللغة والتكنيك وعناصر الدهشة.. وهنا يجب ان يتحكم الحس الإنساني والإبداعي لدى الكاتب، في معرفة أين يعطي لأحد الخطابين قوة أكبر… او العكس !!
هناك موضوع هام لم يتطرق إليه النقد العربي على حد علمي، وإذا تعرض فمن زاوية تقليدية مدرسية، وهو موضوع اللغة المستعملة في القص..
واضح ان لغة القصة تختلف بأسلوب صياغتها عن لغة الخبر او الريبورتاج او المقال او البحث.. صحيح اننا نستعمل نفس المفردات، لكن وضعها في السياق، ترتيبها، هو ما يخلق الفرق. وهذا ليس كل شيء، بل لا بد من ان يطور الكاتب لغة درامية.. واجد صعوبة في شرح فكرتي، لكني أقول ان اللغة مترابطة بالحدث، متفاعلة معه، تنبض بنبضه، عندما أكتب قصة أوظف قدراتي في صياغة لغة درامية تندمج مع الحدث الدرامي (القصة في حالتنا) بلغتها أيضا، مبناها اللغوي، نبضها المتفاعل والمندمج مع الحدث نفسه، هذا يتعلق بالحس اللغوي للكاتب، فهم أولي للبسيخولوجيا الاجتماعية، لفهم شخصية أبطاله والدور الذي من المفترض ان يرسمه لهم بدون مبالغة تجعل البطل غير حقيقي ومتخيل لا منطق في كينونته.
الممارسة واتساع الإدراك لفن القص عند الكتاب الآخرين يثري الكاتب، ذلك عبر قراءة واعية ومنتبهة لأعمالهم، ليس كقارئ عادي، بل كدارس لأساليب توظيفهم للغة، بناء الشخصيات، الحوار، أسلوب الدخول للفكرة، طريقة وضع النهاية، بالطبع لا شيء مقدس، بل كله يجب ان يخضع للمعمل القائم داخل الرأس، لذلك الكاتب يحتاج الى ثقافة موسوعية ومتعددة الاتجاهات، تماما مثل الحياة، الحياة ليست بلون واحد بل متعددة الألوان.
النهاية في القصة لا بد ان تعبر عن فهم فلسفي للحدث وليس فهما إخباريا او مباشرا. هذا يعني ان مبنى اللغة يفرض مميزات بالغة الحساسية.. قد لا يلمسها القارئ العادي، لكن عدم إتقانها يبعده عن الاندماج بالنص، حتى لو كان نصا بحثيا او سياسيا.
أرجو عدم فهم موقفي بأني أرى باللغة ما يتجاوز كونها أداة أو وسيلة للتواصل فقط، وكونها أداة لا يعني نفي القدرات التعبيرية الهائلة التي تخضع لمن يتقن الإحساس بكلماتها وصياغاتها.
nabiloudeh@gmail.com