د. محمد أحمد الزعبي : كلنا شركاء
1. للثورة السورية ضد بشار الأسد أنصار كثيرون من السوريين الذين يعيشون في مدينة لايبزغ ، التي اعيش بدوري فيها . بيد أن تواجد المرء خارج بلده ، لايسمح له أن يكون موضوعياً في أحكامه وفي مواقفه ، ذلك ان الرأي الموضوعي يستلزم الإحاطة المعرفية التامة بكل أبعاد الموضوع المعني ، بما في ذلك بعد ( بضم الباء ) التواجد في ميدان الصراع ، والانخراط العملي والميداني في الثورة .
لبست ( بضم التاء ) في لايبزغ جبة الإمام الشافعي ( رأيي صواب يحتمل الخطأ ، ورأيك خطأ يحتمل الصواب ) ، وبرنيطة فولتير ( إنني أخالفك الرأي ، ولكني مستعد أن أبذل حياتي في سبيل أن تقول رأيك بحرية ) ، وبحثت عمن يبحث عن الحقيقة ( وهنا : حقثقة مايجري في سورية ) ، فلم أجد ــ وهذا مع الأسف الشديد ــ سوى أفواه تردد ببغائياً بعض ماقرأته أو رأته على صفحات الفيسبوك
أو تويتر
، على أنه الحقيقة المطلقة التي لايأتيها الباطل لامن أمامها ولا من خلفها ، والتي عادة ماتغير ثوبها بعد كل زيارة لهذه الموقع الإعلامي أوذاك من قبل هؤلاء ” الشباب ” الموالين للثورة .
2. رغب إلي بعض أصدقائي ، في مطلع هذا الشهر ، أن أزورهم في باريس ، كيما نتحاور حول الوضع الراهن في سورية ، قبلت الدعوة وتوجهت إليهم على الفور ، علني أجد في باريز ، مالم أجده في لايبزغ .
وهناك ــ وهنا أيضاً مع الأسف الشديد ــ لم تنفعني لاجبة الشافعي ولا برنيطة فولتير ، ذلك أن كلاًّ من هؤلاء الأصدقاء مايزال مسروجاً إلى ماضيه السياسي والأيديولوجي ، أي أنه هو وحده من يمتلك ” الحقيقة المطلقة ” وأن غيره ( الآخر ) لايملك سوى ” الخطأ المطلق ” ، وبالتالي فهو ( أي الآخر ) كذا ، وكذا ، وكذا …الخ !!.
وهكذا عدت إلى لايبزغ ، ولسان حالي يقول : لله در ثورة آذار 2011 ، التي كشف فيه الأبناء نواقص آبائهم ، دون أن أنسى ــ بطبيعة الحال ــ أنني أحد هؤلاء الآباء .
3. منذ بداية ثورة الـ 18 آذار 2011 ، كنت على تواصل دائم مع عدد كبير من الأقارب والأهل والأصدقاء
وذلك بصورة مباشرة أو عبر وسائل الاتصال والإعلام المختلفة ، وقد كانت آراءنا شبه متقاربة ، فيما يتعلق
بالموقف سواء من النظام السوري ، أو من المعارضة الداخلية والخارجية لهذا النظام . ولكن تطورات العام التالي (2012 ) من عمر الثورة ، قد أخذ يلقي على هذا التوافق في الرأي والرؤيا شيئاً من الظلال . وقد كان لكل من تشكيل المجلس الوطني السوري في الثاني من اكتوبر 2011 في استنبول ، ولوصول الإخوان المسلين في تونس ومصر إلى سدة الحكم ، وما رافق وتبع ذلك من أحداث ، أثر بارزعلى مجريات الثورة السورية ، وبالذات على موقف العديد من أجنحة وأطراف المعارضة ،( ومنهم من عنيت من الأهل والأقارب والأصدقاء ) وتخوفهم من أن ماحصل في تونس ومصر، يمكن أن يحدث في سورية ، أي أن يوصل صندوق الاقتراع الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم في سوريا أيضاً ، وهم الذين لاعلاقة لهم بثورة آذار!! ( على حد تعبيرأولئك المقدمين أنفسهم على أنهم معارضون لكل من بشار الأسد والإخوان المسلمين على حد سواء ) .
4. بين يدي هذا اليوم ( 8.4.13 ) ثلاث مقالات ، لكتاب معروفين ، تحمل ( بضم التاء ) جماعة الإخوان المسلمين السورية مسؤولية السلبيات التي تعاني منها الثورة طيلة العامين الماضيين ، والتي أخرت انتصارها ، وزادت من تكاليفها المادية والمعنوية والبشرية . وسنقتبس من هذه المقالات بعض مايخدم أغراض مقالتنا هذه فقط . هذا مع العلم أن اثنتين من هذه المقالات الثلاث قد تم نشرهما في موقع ” مركز الشرق العربي ” الذي يرأسه الأستاذ زهير سالم الناطق الرسمي بلسان جماعة الإخوان المسلمين ، وذلك بتاريخ 8.4.2013 ، وأن الثالثة منشورة في
Palestinian Pundit
تاريخ الأول من أبريل 2013 . الاقتباسات :
ــ ” يرى السياسي والكاتب ( … ) ، أن على الإخوان ألاّ يحاولوا فرض أجندتهم على شركائهم في المسيرة مستعينين بتحالفاتهم العربية . ويقول منتقداً الإخوان بقوة ” لقد كانت مسرحية اختيار رئيس الحكومة المؤقتة مثالاً سيئاً للشعب السوري ، ولكل قوى وتنظيمات المعارضة السورية ” .
ــ ” ونشرت صحيفة “الجريدة “الكويتية في 17 / 3 / 2013 تقريراً مطولاً بعنوان ” كيف خطف الإخوان
المسلمون الثورة السورية ” مترجماً عن دورية ” فورين بوليس ” الأمريكية . وجاء في مطلع التقرير أن الجماعة الإسلامية الغامضة التي اختفت بشكل شبه كامل خلال الثمانينات ، أي جماعة الإخوان المسلمين بدأت تفسد الانتفاضة ضد بشار. وجاء في التقرير ، أن ثمة جماعة معادية للأسد مسؤولة عن الوضع المأساوي القائم (الإخوان المسلمون) في سورية .
ــ لعل السبب في عجز المجلس الوطني السوري ، لايكمن ــ فقط ــ في أمراض الفردية وتضخم الذات وعدم القدرة على العمل المؤسسي وهي كلها أمراض حملتها شخصياته من فترة الاستبداد الأسدي ، بل من تركيبته ، حيث قام المجلس على مبدأ التوافق … لأن التوافق حصل بين شخصيات تنتمي إلى حزب سياسي إسلامي تقليدي ، هو حزب الإخوان المسلمين ، وشخصيات أخرى تمثل بقايا تجمعات ، أو أحزاب سياسية ، هلامية ، ومتهالكة ، مثل قوى إعلان دمشق … وحزب الشعب … وحزب العمال … إلى جانب قوى كردية وآشورية صغيرة ، وشخصيات مستقلة بعضها معروف ، وبعضها الآخر لايعرفه سوى أصدقائه وأقاربه ، ومعظمهم لاخبرة لديه .
ــ كان الأمل معقوداً في أن يكون الإئتلاف مختلفاً عن المجلس ، في تركيبته وفي عمله ،… ، لكن الإخوان المسلمين بوصفهم تنظيماً شمولياً ، يسعون إلى الهيمنة على الدوام ، تمكنوا من التغلغل في الإئتلاف بطرق شتى
كي يفرضوا مايرونه عليه .
ــ وسرعان مابدأت الأوراق تتكشف ، وبدا أن المشروع القطري في الجزيرة هو تسييد الإسلاميين ودعم الإخوان في كل مكان … كان لابد من انفجار الثورات العربية ، كي تتخذ الأمور أشكالها الواضحة ، ولعل الثورة السورية بكل التعقيدات التي تحيط بها ، شكلت مدخل هذا الإنكشاف الذي سوف يتبلور أيضاً في الصراعات المصرية التي تدور بعد تفرد ” الإخوان ” بالسلطة .
5. إن ماسأورده لاحقاً من ملاحظات ، لايمثل رداً مباشراًعلى أحد ، ممن وردت آراؤهم أعلاه ، وإنما يمثل وجهة نظري الخاصة في هذا الموضوع ، والتي قد تتقاطع مع بعض وجهات النظر التي أوردت ، من جهة ، ولكنها ستختلف ، كثيراً أو قليلاً ، مع بعضها الآخر ، من جهة أخرى ، ولا سيما إذا ماكان الباحث منطلقاً من قواعد المنهج العلمي ، التي تستلزم الموضوعية والحياد ، وأيضاً ضرورة ألاً تحجب الشجرة الواحدة رؤية الغابة بكل تفاصيلها وتعقيداتها وتعدد وتنوع أشجارها وثمارها ، وأن لاتحكمه وتتحكم به أوثان الماضي ، سواء أكانت حزبية أو أيديولوجية أو اجتماعية .
5. 1
الإخوان المسلمون السورين ، مكون أساسي من مكونات الشعب السوري المختلفة والمتعددة ، وبالتالي فهم يتساوون مع غيرهم من هذه المكونات بالحقوق والواجبات ،دون زيادة أو نقصان ، وذلك بغض النظرعن قبول أو رفض كل أو بعض آرائهم الدينية ، وبالتالي التجسيدات النظرية والعملية السياسية والاجتماعية والاقتصادية لهذه الآراء .إن أحداًلايستطيع أن يدعي ، أنه وحده يعرف “درب السعادة”، وأنه بالتالي يعرف مالا يعرفه غيره ( الآخر ) ، ويعطي لنفسه بالاستناد إلى هذه المقدمة المغلوطة حق الحكم على (الآخرين) بالسلب أو بالإيجاب .
إن الديموقراطية التي ينادي بها الجميع في سورية اليوم ، ينبغي أن ترتكز على ثلاثة أثاف ثابتة ، كيما تكون ديموقراطية حقيقية ، ألا وهي : المواطنة المتساوية ، والدستور التوافقي ، وصندوق الإقتراع ، وهو مايعني أن صندوق الإقتراع ،المستند إلى مبدأ المواطنة ، والدستور التوافقي ،هو الذي سيفصل بين الرأي والرأي الآخر ، بين الأكثرية والأقلية ، وبالتالي بين الإخوان المسلمين وخصومهم الدينيين والسياسيين والاجتماعيين .
إن كل من لايقبل بالديموقراطية بما لها وما عليها ، من المعارضين لنظام بشارالأسد ، ويريدها ديموقراطية ” مشروطة ” ، إنما يساهم عمليّاً في تأجيل سقوط هذا النظام ، سواء أكان يدري أو لايدري .
5. 2
وصلتني في أواخر سبتمبر 2011 دعوة ممهورة بتوقيع الإخوان المسلمين لحضور لقاء في مدينة استنبول التركية لممثلين عن عدد من أطياف المعارضة السورية لنظام بشارالأسد ،وقد كانت المفاجئة تواجد المعارضين
السوريين في فندقين مختلفين ، أي أن الجهة الداعية ( الإخوان ) تعاملت معهم كمجموعتين مختلفتي الإنتماء
والهدف ، وانتهى أمرهذا ” اللقاء المزدوج “ بتشكيل المجلس الوطني السوري بتاريخ 2.10.2011 ،ولكن بصورة يغلب عليها طابع الغموض والالتباس والشخصنة ، الأمر الذي معه ولد هذا المجلس وهو يحمل بذورأزمته البنيوية ، والتي حملها معه إلى الإئتلاف الجديد ، الذي تشكل في قطر بتاريخ 11.11.2012 ،
كبديل للمجلس الوطني مع فارق كمي وليس نوعيّاً بين تكوين ودور وفعالية كل من المجلس والائتلاف .
إن الظروف والإشكاليات والملابسات التي أحاطت بتكوين كل من المجلس والائتلاف ، جعلت كلاً منهما قاصراً عن تمثيل غالبية ( إن لم أقل كل ) فصائل المعارضة الوطنية لنظام عائلة الأسد ، وبالتالي عن قيادة ثورة آذار العظيمة التي انطلقت من محافظة درعا لتشمل كافة مدن وقرى سوريا .
5. 3
إن الإشكالات والملابسات التي أحاطت بتشكيل كل من المجلس والائتلاف ، لايعطي لأحد الحق في كيل التهم لهذا الطرف أوذاك ، أو لهذه الشخصية الوطنية أو تلك ، هكذا جزافاً ، دونما تقصٍ علمي وأخلاقي لكافة الأبعاد والظروف ، الداخلية والخارجية ، التي تقف وراء هذه الملابسات والإشكالات .
إن الهجمة المتعددة الأطراف والأبعاد ضد جماعة الإخوان المسلمين في سورية ، والتي نشاهدها هذه الأيام في وسائل الإعلام العربية والأجنبية المختلفة ، إنما هي بنظرنا هجمة يمكن أن تخدم بالنتيجة النهائية نظام بشار الأسد ، بغض النظرعن كونها تنطوي على جانب ( كبير أو صغير ) من الحق ، ومرة أخرى أقول : سواء أكان أصحابها يدرون أو لايدرون !. ( إذا كنت لاتدري فتلك مصيبة وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم )
5. 4
لقد أبلغني أحد الأصدقاء قبل قليل ، رسالة من صديق آخر في الداخل السوري ، يشير فيها إلى انتشار الفساد على جانبي الحدود السورية الأردنية ، بلغ درجة مؤسفة ومخجلة ، وإذا كنت سأمتنع عن ذكر الشواهد الملموسة التي وصلتني حول هذا الموضوع ، فلأني أخشى أن يكون ماوصلني إنما يدخل ( دونما قصد من ذلك الصديق ) في باب تشويه صورة الثورة والثوار ، قبل ان يدخل في باب إدانة نظام بشارالأسد الذي جعل هؤلاء المواطنين السوريين ، من رجال ونساء يلجؤون إلى البلدان المجاورة هرباً من مجازروصواريخ وطائرات ودبابات ذلك المجرم ، والتي لاترحم أحداً ، أكان طفلاً أو امرأة أو شيخاً أو معاقاً ، أو مدنيّاً مسالماً .
إن تحفظي عن ذكر تفاصيل ماسمعت ،لايعفي لاالمجلس الوطني ، ولا الائتلاف من المسؤولية السياسية والأخلاقية في ضرورة التصدي لمثل هذه المفاسد والعيوب ، لأن تراكمها يمكن أن يؤدي بشعبنا وثورتنا إلى المجهول . وعندما أذكر المجلس والائتلاف ، فإنني أشير إلى مسؤولية مكوناتهما الاجتماعية والسياسية الأساسية ، وعلى رأس هذه المكونات ، جماعة الإخوان المسلمين .
لقد قال أحد الثوريين ذات يوم بحق ( مامعناه ) : إن تفكير من يسكنون القصور ، يختلف عن تفكير من يسكنون الأكواخ . ولعل هذا ينطبق أيضاً ( في مثل حالتنا السورية ) على الفارق في التفكير بين أهل الفنادق وأهل الخنادق ، و بين معارضة الداخل ومعارضة الخارج ، وبين من يقاتل ومن يجادل .
إن وحدة التفكيربين أجنحة الثورة السورية المختلفة ، تستلزم وحدة الموقف الأخلاقي والوطني على حد سواء ، أي تستلزم تقليص المسافة بين القصر والكوخ ، بين الفندق والخندق ، بين معارضة الداخل ومعارضة الخارج ، إلى الحد الأدني ، وذلك عن طريق العدالة والمساواة بين الجميع .
5. 5
إن مانرغب أن نختتم به هذه المقالة ، هوضرورة أن يتسع صدرجميع أطياف وأطراف المعارضة السورية بعضهم للبعض الأخر ، وبالذات أن يتسع صدرالائتلاف للجميع ، ولاسيما الإخوة في هيئة التنسيق الوطنية في الداخل والخارج ، والإخوة في المنبر الديموقراطي ، وكذلك المناضلين البعثيين الذين قضوا في سجون عائلة الأسد قرابة ربع القرن ، والذين استشهد منهم نور الدين الأتاسي وصلاح جديد ،وأحمد سويداني ومحمد عيد عشاوي ومجمد رباح الطويل إما داخل السجن أو بسببه ناهيك عن حالة الدكتور يوسف زعين الذي مايزال يعاني من نتائج أمراض سجنه حتى هذه اللحظة ، ومثله محمود فياض ومصطفى رستم وكامل حسين.
لنصب جميعاً جهودنا كلها في طاحونة إسقاط النظام ، ولنؤجل مابيننا من خلافات سياسية وأيديولوجية إلى مابعد بزوغ فجرالديموقراطية في سورية ، حيث سيتبين عندها الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر.
وكيف تظن أن هناك إخوان في سوريا بعد أربعين سنة من القهر والتجسس والمخابرات مع العلم أن تكون إخونجيا في سوريا تحكم بالإعدام.
نعم كلامكم صحيح بان قاعدة الاخوان ضعيفة في الداخل ولكنهم بالمنفى والشتات لديهم كوادر مهمة هذا عدا عن ان جماعة الاخوان المسلمين اصبحت منظمة دولية تنتشر في كل انحاء العالم ولديها تمويل كبير واستثمارات تعتمد عليه