عندما أعود بالذاكرة لعام 1996 في أيام الحصار اللعين, حيث كنا نعمل مع العم أبو رياض في سوق بغداد الجديدة, أنا وحسن وحيدر وناجي, وكانت وسيلة التنقل لأغلب الناس هي باص المصلحة, ذات اللون الأحمر, التي تنقل الناس بأجور رمزية, كانت العون الكبير لنا ولفئة واسعة, وكانت خطوط مصلحة نقل الركاب تصل للإطراف, فمازلت أتذكر باص المصلحة ذات الرقم 117 تنقلنا من بغداد الجديدة الى منطقة المعامل, وهي تعمل بخطوط متناوبة ومن الصباح والى المساء, مما أعان الطلاب والموظفين والكسبة والعمال.
بعد زوال الطاغية حلمنا كثيرا بغد زاهر, بان تكون هناك خطوط نقل بتوقيتات ثابتة وبأجور رمزية, لتنقذ الناس من جحيم أجور النقل, التي تشكل عبئ كبير على الفئة محدودة الدخل, وبعضهم تمادى بالحلم فحلم بمترو يصل بنا الى كل مكان في العراق وبأجور رمزية, لكن مع تقادم سنوات عهد الديمقراطية, تبخرت الأحلام وتحولت لكوابيس, فحتى حافلات نقل الركاب التي كانت متوفرة في عهد الطاغية, تم الغاء خطوطها التي تتجه للمناطق الفقيرة, كسياسة حكومية محكمة لسحق الفقراء والبسطاء, في عهد الحكم العراقي الظالم.
منطقة المعامل والحاجة لخطوط مصلحة نقل الركاب
تعتبر المناطق من حي ألعبيدي وحي البتول وحي النصر والعماري وصولا للمعامل, من الإحياء الفقيرة وذات الكثافة السكانية, وكان أهلها ينتظرون الفرج بزوال صدام وحكمه وان تنصفهم الحكومات الجديدة, لكن مع الأسف تبخرت الأحلام, ولم تحقق هذا الحكومات المتعاقبة شي مهم, بسبب الإهمال والفساد, فقط تهتم الطبقة الحاكمة بأصوات هذه الإحياء, فتكثر زياراتها في موسم الانتخابات للضحك على الناس, وبعدها يختفون الى الانتخابات اللاحقة.
من أهم ما يعاني منه الناس أجور النقل الأهلي المرتفعة, لذا كان على الحكومة توفير حافلات نقل الركاب لهذه المناطق المعدومة, بدل من توفيرها في المنصور والكرخ واليرموك والخضراء, تلك المناطق التي تسكنها ذات الأغلبية المترفة, فهل من العدل توفير الخدمات للمناطق الأغنياء! وإهمال الخدمات عن المناطق المحتاجة, انه تكبر ونفاق, بل هو تسافل ما بعده تسافل, وهي عودة لنهج صدام اللعين.
العمال يحتاجون خطوط نقل بأجور رمزية
من مناطق الإطراف ينطلق ألاف العمال يوميا نحو أعمالهم, وهم يتحصلون على أجور يومية بالكاد تجعلهم مستمرين بالعيش, وكان في زمن الطغاة تواجد خطوط نقل “مصلحة نقل الركاب” من الباب الشرقي الى بغداد الجديدة, وخط أخر من بغداد الجديدة الى المعامل, أي يصبح ذهابهم وإيابهم بأجور رمزية تمكنهم بتوفير بعض أجور عملهم اليومي, لكن هذه الخطوط اختفت في زمن العهر السياسي, مع أننا كنا نطمح بشكل خدمات اكبر, لكن حتى القليل الذي كان متوفر في عهد الطاغية تبخر أيضا في عهد الديمقراطية.
لا اعلم هل أن الحكم بكل أنواعه الدكتاتوري والديمقراطي متفق على سحق الفقراء, أم هو جهل بطرق الحكم, وهذا يحدث عندما يصل الصعاليك وأبناء الزنا لكرسي الحكم, فيفعلون كل قبيح, ويعمدون للضغط المستمر على الطبقة محدودة الدخل والفقراء, حيث يعاملونهم كعبيد ليس الا.
صولاغ وكتلة المواطن وخيبة الأمل
عندما وصل الوزير صولاغ لوزارة النقل تفائل الناس, وقالوا عسى أن يحقق شيء مهم للناس, خصوصا أن كتلة المواطن أكثرت من الضجيج بأنها ستفعل وتفعل وتفعل للشعب مقابل أن ينتخبها, وكانت وزارة النقل كشف لحقيقة الوزير وكتلته, لكن بعد أكثر من سنتين من فترته غادر ولم يحقق شيء للجماهير المسحوقة, فجاء خلفه وزير أيضا تحت سطوة كتلة المواطن, لكن أيضا كان ضعيف النظر, حيث لم ينتبه لحاجة مناطق الإطراف لخطوط نقل بأجور رمزية.
قد عشنا في تيه بسبب تصديقنا للكتل السياسية وللساسة, لم ينتبه الشعب الى أنهم مجرد أناس أنانيون لا يهمهم الا مصلحتهم الخاصة, حتى لو سحق الشعب, فألاهم عند الكتل والساسة أن تكون أرصدتها كبيرة, وحصصها متوفرة, وبعيدة عن أي ملاحقة قانونية, بعد أن عطلت القانون وجعلته نافذ فقط على الصغار.
خيبات الأمل متلاحقة من هذه الطبقة السياسية العفنة بكل كتلها وأحزابها, والتي لم تقدم الا الظلم للعراقيين.
مناطق الأغنياء بخدمات, ومناطق الفقراء من دون خدمات
من العجيب في هذا الزمن الأغبر أن تتجه الحكومات الى سياسة الطبقية, فتكون إمكانيات الدولة في خدمة الأسياد, وتتجاهل بشكل فج حاجات الفقراء, فنجد حسب موضوع السطور أن خدمات مصلحة نقل الركاب متيسرة في مناطق الأغلبية المترفة “مثل حي زيونة, المنصور, اليرموك, الخضراء, الكرخ, …الخ) وتغيب تماما عن مناطق الفقراء (مثل حي طارق حي النصر المعامل حي الرشاد الولداية,…الخ) انه منطق الظلم الذي يحكم به ساسة العهر في هذا الزمان, ومن دون أي خجل.
كنا ننتظر أن تشرق شمس العدل بزوال الطاغية صدام, فإذا بالساسة الجدد ومنذ اليوم الأول يكرسون الظلم, كطريق للحكم, ويجعلون منهج صدام خريطة عمل يومي في حكمهم, أي أننا لم نتخلص من حكم صدام الى ألان, فالمنهج نفس المنهج بعملية سحق الشعب, وعدم الاهتمام بحاجاته, من سكن وعمل وخدمات وصحة وتعليم.
عسى أن يأتي يوم ونتخلص من منهج صدام في حكم العراق, الذي مازال مستمرا الى اليوم.