بدأت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما والمعارضة السورية في التعامل الجاد مع المشكلة الأساسية التي تواجه سوريا، وهي كيفية الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد من دون خلق فراغ سياسي يمكن أن يصب في مصلحة الإرهابيين وأباطرة الحروب وأنصار نظام الأسد.
وحذر مسؤول بارز في البيت الأبيض من أنه من الضروري تجنب وصول سوريا إلى «مشكلة بريمر»، والتي يعني بها الفوضى التي تفشت في العراق في أعقاب قرار الولايات المتحدة عام 2003 بحل الجيش العراقي واجتثاث جذور المؤسسات الحكومية، إلا أنه من الظلم أن نلقي بتبعية الاضطرابات التي تلت ذلك على بول بريمر الذي قاد المرحلة الانتقالية في العراق، ولكن البيت الأبيض محق في قلقه من الفوضى التي يمكن أن تحدث عقب تغيير النظام.
وقال المسؤول: «كنا واضحين مع المعارضة بأن الحل لا يكمن في اجتثاث جذور حزب البعث أو حل الجيش». وأكد المسؤول ضرورة وجود عملية تحول تضمن الإبقاء على عناصر الجيش السوري وعدم المساس بالإدارة المدنية.
في الحقيقة، من السهل الحديث عن فكرة المرحلة الانتقالية، ولكن من الصعب تطبيقها على أرض الواقع، ولا سيما أن سوريا باتت تعاني من حالة من الانقسام الشديد جراء الحرب الأهلية التي تشهدها البلاد منذ عامين. ومع ذلك، بدأت المعارضة وحلفاؤها في اتخاذ خطوات حقيقية لتعزيز الأمن والحكم بعد الإطاحة بالأسد.
وتكمن أولى هذه الخطوات في تشكيل حكومة مؤقتة، ويريد بعض أعضاء ائتلاف المعارضة السورية اتخاذ هذه الخطوة بسرعة وأن تكون هي ممثل الشعب السوري في الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والجمعية العامة للأمم المتحدة، ولكن رئيس التحالف الشيخ أحمد معاذ الخطيب انسحب من الاجتماع الذي كان مقررا انعقاده خلال الأسبوع الحالي للإعلان عن رئيس وزراء مؤقت ومجلس الوزراء، مشيرا إلى أن مثل هذه الخطوة المفاجئة قد تؤدي إلى انقسام المعارضة وزيادة الفوضى الداخلية.
ويرى الخطيب أنه يجب تشكيل «سلطة تنفيذية» مصغرة من المعارضة، بدعم من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، على أن يكون لهذه السلطة مقعد لدى جامعة الدول العربية على الفور، حتى يمكن بناء المؤسسات الحكومية الجديدة في المناطق التي يتم تحريرها من النظام. وعلاوة على ذلك، يريد الخطيب أن يؤكد على دور الجيش السوري والإدارة المدنية في مرحلة ما بعد الأسد.
وقام العميد سليم إدريس، رئيس هيئة أركان الجيش السوري الحر، بوضع خطة مفصلة تقدم عفوا تاما عن «الضباط الكبار في جيش الأسد» الذين سيتواصلون عن طريق البريد الإلكتروني أو «سكايب» خلال الشهر المقبل لكي يبدوا استعدادهم للتعاون، أما أولئك الذين يرفضون هذا العرض فسيتم وضع أسمائهم على «القائمة السوداء» ويحاكمون بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
ويقول إدريس، المنشق عن الجيش: «نحن بحاجة إلى مهاراتكم وخبرتكم في الأسلحة». وفي مسودة خطته للمصالحة، يخبر أفراد الطائفة العلوية: «كونوا على يقين من أننا لا نسعى إلى الانتقام»، ويعرض عليهم العفو عن أي جندي أو ضابط علوي أجبر على طاعة الأمر بالقتل.
لكن ماذا عن الوقت الراهن، على الأرض؟ حرر الثوار السوريون مناطق واسعة بالفعل من شمال سوريا، ووفق أحد التقييمات فإن أكثر من 60 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي يخضع في الوقت الراهن لسيطرة المعارضة. كانت سوريا في السابق دولة مركزية بشكل كبير، لكن التشرذم ولا مركزية السلطة قد بدآ. والتحدي الذي يواجه المعارضة السورية وحلفاءها هو ملء هذه المساحة المحررة بحكومة فاعلة وأمن جيد بدلا من أمراء الحرب.
تحركت الولايات المتحدة أخيرا لمساعدة المعارضة في بناء سوريا جديدة في المناطق التي تحررت حديثا، كما هو الحال في بعض محافظات إدلب وحلب ودير الزور. وقد وافق وزير الخارجية جون كيري مؤخرا على تقديم 60 مليون دولار لمشروعات الإدارة المحلية تشمل تدريب الشرطة وإدارة المجالس المحلية وتطهير مياه الشرب وإصلاح البنية التحتية المحطمة.
في الوقت ذاته، تفكر الولايات المتحدة جديا في وسائل لحماية المناطق المحررة الخاضعة لحكم ذاتي من الضربات الجوية، وتقدم دول عربية بعض الصواريخ المضادة للطائرات المحمولة بمباركة الولايات المتحدة.
ورغم هذه الجهود لتعزيز الاستقرار، فإن ما يثير الأسى هو أن سوريا لا تزال ماضية في طريقها لكي تكون دولة فاشلة. هذه الحقيقة تشير إلى بعض البراغماتية داخل المعارضة للتأكيد أن سوريا ستكون بحاجة إلى حكومة عسكرية انتقالية، نسخة أكثر شبها بالجنرالات الذين حكموا مصر بعد الثورة ثم سلموا السلطة إلى حكومة منتخبة. والآمال معلقه في أن يتمتع النظام المؤقت بوجه مدني.
لنكن صرحاء، عندما يرحل الأسد وتعيد سوريا بناء دولتها، فسوف تكون بحاجة إلى مساعدات اقتصادية وعسكرية أجنبية هائلة، ربما تشمل قوات حفظ سلام من الجامعة العربية أو حتى إحدى دول الناتو مثل تركيا. والبديل سيكون فراغا أمنيا يمكن من خلاله للإرهابيين أن يؤكدوا وجودهم في قلب الشرق الأوسط.
* خدمة «واشنطن بوست»