صرح (رفائيل موريس) مؤسس حركة (عودة إلى جبل الهيكل) في 7/11/2016 ” لن نكتفِ بالقدس وسوف نقهر أيضا الأردن وسوريا ونحتلهما حتى نتمكن من إقامة دولة يهودية على كل أرض إسرائيل الكبرى وهذه هي الحقيقة”. وأضاف” حين نقول إن جبل البيت هو لنا وفقط لنا وليس فيه مكان لأحد آخر، عندها سننتصر في عمونة، عندها سنحتل ليس فقط جبل البيت بل وأيضا الأردن وسوريا ونقيم دولة يهودية حقيقية على كل بلاد إسرائيل الكاملة”. (موقع نيوز وان).
حلم (إسرائيل الكبرى) لا يختلف عن حلم ( بلاد فارس الكبرى) فكلاهما يقوم على التوسع والهيمنة الإستعمارية وتوسيع النفوذ على حساب دول الجوار وتحويلها الى كيانات هشة تنشغل بالحروب الطائفية والعنصرية. بمعنى تأكل بعضها البعض وما يتبقى منها يمضغه الفرس والصهاينة بهدوء وشهية. فالفرس يدعمون أكراد العراق لكنهم من جهة ثانية ينكلون بأكراد إيران ويحرمونهم من أبسط الحقوق لأنهم غير محسوبين على قائمة محبي آل البيت وفق رؤيتهم المريضة، كما إنهم يدعمون شيعة العراق وبنفس الوقت يهضمون سنة إيران! ويدعمون أقليات العراق لكنهم يهضمون حقوق الأقليات الإيرانية كالاحوازيين والبلوش والأكراد. يدفعون عملائهم من حكام العراق الى تقسيم العراق عبر الفدراليات المزعومة ويعملون بقوة على توحيد دولتهم وتوسيعها.
على الرغم من دعوة إيران المحافظة على وحدة العراق من التقسيم لكن الحقيقة هي خلاف ذلك لأن عراق قوي موحد كما أثبتت الوقائع على الأرض يحول دون تحقيق إيران لأهدافها التوسعية في تصدير البغض والطائفية والحقد الى الدول الأخرى وما عرف بتصدير الثورة الصفراء. فقد كشفت وثيقة في عهد الرئيس السابق محمد خاتمي جاء فيها” بعد أن قامت دولة الأثنى عشرية في إيران بعد عقود عديدة، نحمل واجبا خطيرا وثقيلا يتمثل بتصدير الثورة”، مترجما بذلك مقولة الخميني في بيان الذكرى السنوية لأنصار الثورة في شباط عام 1980 بأننا ” نعمل على تصدير ثورتنا الى مختلف أنحاء العالم”. وبإتفاق مسبق مع الشيطان الأكبر تم تشكيل حكومة طائفية عنصرية في العراق على رأسها ممثل نظام الملالي السابق في العراق عبد العزيز الحكيم وذراعه العسكري فيلق بدر الملقح بفيلق القدس الايراني. وكان أول نتائج زفاف عبد العزيز الحكيم الى الحاكم المدني بول بريمر أن حمل الحكيم جنين الفدرالية الذي بشر به العراقيين وهو تقسيم للعراق تحت يافطة جديدة. وكانت مداولات الحكيم مع المنظر اليهودي هنري كيسنجر قد إنصبت على مشروع تقسيم العراق وهي رؤية مشتركة للصهيونية ( يمثلها كيسنجر) والإيرانية ( يمثلها الحكيم) .
لإرساء فكرة التقسيم وتطبيقها على أرض الواقع كان لا بد من إشعال نار الفتنة الطائفية والعنصرية كنموذج عملي للتقسيم وشد الإذهان الى ضرورته لعدم قدرة الطوائف على العيش معا بوفاق وإنسجام، والهجرة الداخلية والخارجية أفضل تعبير على عدم قدرة الطوائف على التعايش معا، رغم إن التاريخ يكذب هذه الدعوة الجوفاء فمنذ اكثر من ألف سنة عاشوا جميعا بسلام ووئام وسؤدد. ومن الملاحظ ان جريدة الوفد المصرية سربت أخبارا في نهاية شهر تشرين الثاني من عام الغزو بأن مجلس الحكم سيء الصيت ناقش إقتراحا خطيرا لتقسيم العراق الى عدة دويلات. ثم تجسدت الرغبة بواقع عملي على تقسيم العراق من خلال الدستور العراقي سيء الصيت الذي صاغته أنامل الخبير القانوني اليهودي نوح فيلدمان لإقامة فدراليات في الشمال والجنوب والوسط وما سمي في حينها شيعستان وسنيستان وكردستان فتهلهل وجه القادة الشيعة والأكراد بهذا التقسيم المريب والذي يتوافق مع رؤياهم الضيقة لمستقبل العراق الأسود. وقد تضمن الدستور الفيلدماني غرائب وعجائب منها تمثيل الأقليم الفدرالي خارج العراق بمعزل عن الحكومة المركزية، وفي الوقت الذي إدعى فيه (القائم بأعمال أبيه) عمار الحكيم بأن الفدرالية ليست موضوعا جديدا، فإنه كان محقا في ذلك فقد ناقشت احزاب العمالة تقسيم العراق منذ مؤتمر لندن سيء الصيت, وبعد الغزو الأمريكي وزعت مؤسسة شهيد المحراب خارطة جديدة لتوزيع الأقاليم طبعت في طهران. وقد عبر عادل عبد المهدي عن رؤيته بأن تجربة الإمارات العربية يمكن تطبيقها على العراق منطلقا من حماقة فريدة في بابها متجاهلا ان الامارات لم تأخذ بمبدأ الفدرالية على أسس طائفية كما هو الحال في العراق. من المؤكد إن احزاب الولاء لدولة فارس الكبرى الممثلين في مجلس النواب وحكومة الإحتلال عندما طرحوا موضوع تقسيم العراق فأنهم ينفذون بدقة أجندة أسيادهم نظام الملالي الذين يطمحون بضم جنوب العراق الغني بالبترول الى إيران وبالتالي الهيمنة على أكبر احتياطي نفطي في العالم. كما إن إقامة دولة كردية في شمال العراق من شأنه أن يحي أحلام الأكراد بإحياء فكرة مهاباد الميته بضم إكراد الدول المجاورة للعراق، وفعلا منذ الغزو بدأت أسراب من الأكراد الإيرانيين والأتراك تحط في شمال العراق بإيعاز من حزبي برزاني والطالباني، وتم ودفع اعداد غفيرة منهم الى محافظة كركوك بهدف التكريد. ومن شأن تقسيم العراق طائفيا ان يدفع بقية الأقليات للمطالبة بالمثل، وقد تجلى ذلك على لسان علي عبد المهدي رئيس (حزب تركمان أيلي) في تصريح أدلى به الى صحيفة الشرق الأوسط في نهاية شهر ايلول عام 2007 بأن” التركمان يعتزمون إعلان إقليم رابع في العراق إذا تم تقسيم العراق الى ثلاث دويلات”، ومن المتوقع ان تعلن أقليات أخرى نفس الرغبة، ولا يحق لأحد ان يمنعها، فليس من المنطق ان تسمح لقومية أو طائفة بإقليم وتحرم غيرها منه.
الخلاصة أن عراق واحد موحد قوي متماسك يفشل مشروعي إيران والكيان الصهيوني فنظرية الأمن القومي الإيراني والإسرائيلي تجد في تقسيم العراق الى كنتونات هشة من شأنه أن يضعفه ويسمح بالسيطرة على موارده الغنية ويوفر فرصة ذهبية للتوسع على حسابه لإبتزاز دول الخليج الضعيفة وغير القادرة على مجابهة التحديات الفارسية لتحقيق حلم الفرس (الإمبراطرية الفارسية الكبرى). كما ان عراق موجود على الخارطة من شأنه أن يجهض حلم الكيان الصهيوني بتحقيق ( دولة إسرائيل الكبرى) كما إعترف الصهاينة أنفسهم.
3. مواقف أخرى
صرح وزير الخارجية البريطاني السابق (وليام هيغ) في مقال نشرته صحيفة (ذي تيليغراف البريطانية) في25/11/2015 ” أن دبلوماسيين بريطاني وفرنسي رسما حدود سوريا والعراق عام 1916، ويجب أن لا نعتبرها مقدسة ـ في اشارة الى اتفاقية سايكس بيكوـ ان قادة كل من العراق وسوريا اذا كانوا لا يستطيعون تأسيس دولة تعيش فيها كل القوميات، فيجب دراسة الدعم الدولي لتقسيم كلا الدولتين العراق وسورية”. كما أوضح وزير الخارجية البريطاني” أن الكرد أظهروا قدرة فائقة على ادارة شؤونهم”، مشيرا الى ” ان سوريا المقسمة قد تكون وحدها القادرة على العيش بسلام”. جاء في كتاب (البندقية وغصن الزيتون) للكاتب البريطاني (ديفيد هيرست) ” تتجسد رغبتنا في إنحلال لبنان وتجزئنه الى خمس مناطق ذات حكومات محلية، ثم يأتي تفكيك وتجزئة سوريا، وبعدها العراق إلى أقاليم ذات أقليات عرقية ودينية على النسق اللبناني”. كما دعا في سبعينيات القرن الماضي (زبغنيو بريجنسكي) إلى إشعال الحروب الدينية والمذهبية خاصَّة في المجتمعات التي ترتبط بـالدِّين ارتباطًا مطلقًا على نحو ما هو عليه الحال في المجتمعات العربيَّة.
واعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في 25/8/2015 رفض بلاده تقسيم العراق مؤكدا أن العراقيين بجميع أطيافهم يجب أن يحددوا مصيرهم بأنفسهم. وأضاف لافروف في كلمة أمام المنتدى الشبابي الروسي في مقاطعة فلاديمير” أن روسيا لن تتخذ أبدا موقفا صرح عنه منذ فترة دون أي خجل نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي قال بصراحة : يجب تقسيم العراق إلى أجزاء سنية وشيعية ومنح الأكراد ما يريدونه، وهذا الموقف غير مقبول. أن محاولات الغرب الحفاظ على هيمنته من خلال التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى حولت منطقة الشرق الأوسط إلى بؤرة للإرهاب”. مؤكدا ” ان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحولتا إلى بؤرة للإرهاب والتطرف العنيف، وتجتاح أوروبا الآن بسبب السياسات الغربية موجات كبيرة من المهاجرين غير الشرعيين.
4. الموقف الإيراني
الموقف الإيراني المعلن من تقسيم العراق يختلف عن الموقف المبطن تماما، فالنظام الإيراني يسعى جاهدا لتمزيق العراق وإضعافه، لأنه يعلم علم اليقين بأن العراق هو الطرف الأقوى الذي يمكن أن يواجهه، وأن تأمين الجبهة الغربية للنظام الايراني من شأنه أن يساهم بالتركيز على بقية الجبهات سيما التركية والأفغانية، الحقيقة أن أية دولة لها ماضِ عدائي مع دولة مجاورة فهي بما لا يقبل الشك تسعى جاهدة بصورة مباشرة او غير مباشرة لإضعاف جارتها، فهناك تناسب عكسي بين الجارتين كلما قوي طرف كلما ضعف الطرف الآخر. وهذا الأمر ثابت في العلاقات الدولية وليس بالنسبة للعراق وإيران فحسب، وهناك الكثير من الشواهد في المنطقة وخارجها تؤكد هذا الكلام.
الموقف الإيراني المعلن من تقسيم العراق هو رفض التقسيم، كما يتبين من التصريحات الإيرانية المعلنة. فقد ذكرت المتحدث باسم الخارجية الايرانية (مرضية افخم) في مؤتمرها الصحفي يوم 27/8/2015 ردا علی سؤال حول وجود مخطط لتقسیم العراق وکیفیة الاجراءات لمعالجة ازمته ” ان القیادة العراقیة والمرجعیة الدینیة وکافة المسؤولین السیاسیین في الحكومة والشخصیات السیاسیة العراقیة یتابعون اوضاع بلادهم بحساسیة وتیقظ وان هذه القضیة قد واجهت ردود افعال جادة وسریعة وحازمة في العراق نفسه. اننا نتطلع الی الهدوء والاستقرار وحفظ وحدة وسیادة اراضي کافة البلدان خاصة بلدان المنطقة ودول الجوار، واننا واثقون بان هكذا مخططات لن يُكتب لها النجاح في ظل حكمة ووعي الشعب العراقي والقیادة السیاسیة والشخصیات المؤثرة خاصة المرجعیة الدینیة. كما ان الشعب العراقي أظهر بان مصیر بلاده هام جدا بالنسبة له وان کافة المرجعیات الدینیة یسعون لتقدم العراق الموحد الی الامام، واننا کدولة جارة ندعم هذه المواقف الواضحة والصریحة والحازمة للعراقیین ونعتقد بان هذا المخطط یعكس عدم النضج السیاسي الذي یطرح من قبل اشخاص ودول مختلفة ولن یكتب له النجاح مطلقاً”. وصرح اللواء (حسين همداني) مستشار القائد العام للحرس الثوري الإيراني في 11/3/2015″ أنّ أمريكا تريد تقسيم العراق إلى ثلاث دول، وسوريا إلى دولتين، وإيران إلى خمس دول، وذلك لحفظ المصالح الأمريكية في المنطقة، يوجود محوران في المنطقة، أحدهما أميركا وكل دول أوروبا وجميع الدول العربية بلا دون استثناء، وثانيهما محور إيراني يقف بوجه مستكبري العالم”. (صحيفتا رسالت وموقع زمان الإيرانيين).
ربما يظن البعض أن هناك تعارض في الموقف الإيراني، لكن الحقيقة التي لا يدركها البعض ان إيران لا تعارض فكرة تقسيم العراق إلا من ناحية أنها تريد الإستيلاء على العراق كله، وليس أجزاءا منه كالجنوب مثلا، لذلك فأنها أمنت محافظة ديالى وهي الأقرب إلى حدودها من خلال تسليمها الى فيلق بدر الموالي لإيران، وتم تهجير الآلاف من العوائل السنية لإحداث تغيير ديموغرافي، ونفس الأمر فيما يتعلق بمحافظة صلاح الدين، فميليشيا الحشد الشعبي هي التي تسيطر على محافظة صلاح الدين في الوقت الحاضر.
سبق أن صرح (فيل مود) المحلل الأمني الأمريكي والعميل السابق بمكتب مكافحة الإرهاب في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي أي) بشأن الوضع في العراق في 12/4/2015 إن “العراق ينقسم ببطء إلى ثلاث دويلات، وإن القيادة الشيعية في العاصمة بغداد تسحق السنة. وما تشهده مدينة تكريت من دخول لقوات عراقية مدعومة بمليشيات شيعية، يعد تمهيدًا لتقسيم العراق إلى ثلاث دول للأكراد والسنة والشيعة. إن ما يشغل بال السنة في تكريت هو أن القيادة الشيعية في بغداد تتطلع إلى سحق الأقلية السنية، وما تشهده تكريت يدل على ذلك، وأن الأمر سينتهي بانقسام العراق بين السنة والشيعة، كما أن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي حليف إيران ولن يلقي القبض على من قام بأعمال نهب في تكريت. إن إيران يهمها أن تظل العراق دولة محكومة بعقيدة شيعية، وما يقلق السلطات العراقية هو نظر المجتمع الدولي إليها”. محذرا من” اندلاع حرب أهلية في البلاد، بسبب ضغط إيران التي تسعى لتطبيق أجندة شيعية في العراق وتدشين جمهورية فارسية”.
5. موقف الحكومة العراقية واقليم كردستان العراق
يتبنى حزب الدعوة العراقي وبقية الأحزاب الشيعية الدائرة في فلك الخامنئي نفس الرؤية الإيرانية، وهي تعمل جاهدة على تسليم العراق كاملا إلى إيران، مع إنها تجاهر زيفا بوحدة العراق في حين إنها أول من نادي بالفدرالية وسرعان ما تبرأت منها حسب التوجيهات الإيرانية عملا بعقيدة التقية السياسية. فقد نقل موقع ويكيليكس عن (غوست) قوله في وثيقة سربها موقعه مؤخرا وتتضمن ثلاثة أقسام حول التطورات الأخيرة في العراق عقب انسحاب قوات الاحتلال الأمريكية من العراق ” إن المالكي يرفض تشكيل الأقاليم في المحافظات ذات الغالبية العربية السنية لانها ستنجي أبناء تلك المحافظات من الثأر الذي أوكل المالكي بأخذه منهم لصالح إيران. ان الاقسام الثلاثة هي ثأر المالكي، والشراكة الوطنية، وتفاصيل تكشف النقاب لأول مرة عن إعدام الرئيس الراحل صدام حسين” . واوضح ( غوست ) ان المالكي رد على عدد من أعضاء حزب الدعوة الذين يشجعون فصل العرب السنة في اطار أقاليم بقوله : أنا أحكم العراق كله من أبعد نقطة في جنوبه إلى أبعد نقطة في شماله، بما في ذلك اقليم كردستان، فإذا قامت الأقاليم لن يبقى عندي ما أحكمه سوى الجنوب الشيعي المتخلف، وهي المنطقة التي لا أجد صعوبة في حكمها أصلا، فأهل الجنوب أميون يكتفون بأن أقيم لهم كل سنة مراسم أربعينية الحسين وهم بالمقابل يدينون لي بالولاء المطلق، المهم عندي هو كسر شوكة الكرد والعرب السنة، فقد آن الأوان لوضع حد لهم إلى الأبد” .
أما موقف الأكراد فقد اكد رئيس مجلس الامن في إقليم كوردستان مسرور بارزاني في 18/9/2016 ان إقليم كوردستان جرب جميع السبل مع الحكومة الاتحادية في بغداد الا انه من دون اية نتيجة، مؤكداً ان الإقليم يريد الاستقلال عن المركز ولكن بشكل سلمي بلا عنف واقتتال. وقال بارزاني في مقابلة مع صحيفة (واشنطن بوست)، انه “من الآن وصاعداً نحن لسنا مواطنين عراقيين، ولا توجد اية روابط ثقة بيننا وبين بغداد، ان الحل الوحيد لما يجري هو الانفصال بالنسبة لنا. فالتعايش الاجباري في العراق بلا فائدة كونه بلداً قد فشل في كل شيء، وإقليم كوردستان ماض في اجراء استفتاء لتقرير المصير”.
من جهة أخرى رد النائب عن كتلة بدر النيابية (محمد ناجي)على تصريحات رئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني الاخيرة بشان انفصال اقليم كردستان عن العراق، معتبرا اياها خيانة للوطن والشعب. وأكد مسؤول الهيئة العامة في المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني، ملا بختيار، في وقت سابق،” بأن 28 دولة غربية، ومن ضمنهم أمريكا وروسيا قد وقعوا على مذكرة وقاموا بتقديمها إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني وإلى الاتحاد الوطني الكردستاني، مؤكدين عدم موافقتهم على إعلان استقلال إقليم كردستان”. الحقيقة أن إن الأكراد يجاهروا بإعلان الإستقلال ويخفوا حقيقة أنه لا يخدمهم لعدة أسباب يمكن ان نستشفها من خلال ترجيحنا كفتي المزايا والعيوب ومنها.
أ. ان حكومة الأقليم تحكم الدولة العراقية أيضا، فالرئيس كردي، ونائب رئيس الوزراء كردي ووزير المالية كردي، وكذلك وزير الثقافة، ورئيس اركان الجيش كردي. فلماذا التفريط بهذه الميزة؟
ب. ان الكتلة الكردية في البرلمان العراقي كبيرة ومؤثرة على التصويت، مع ان للأكراد برلمان مستقل (معطل حاليا)، فهم يحكمون برلمانين معا، والبرلمان الكردي لا يضم أي نائب عربي، فعلام يخسرون هذه الميزة؟
ج. تستفيد حكومة الاقليم من 17% من ميزانية العراق، علاوة على تهريب النفط عن طريق تركيا، وتهريب البضائع عبر تركيا وايران الى بقية محافظات العراق مما يحقق لهم ربحا وفيرا، كما ان الأقليم شهد إستثمارت كثيرة من قبل رؤوس الأموال التي هربت من المحافظات الساخنة، فلماذا يفقدون هذه الميزات؟
د. حكومة الاقليم لا تعترف أصلا بالحكومة العراقية ولا بأوامر رئيس الحكومة حيدر العبادي، هي تتبع توجيهات البرزاني والطالباني فقط، بمعنى ان قرارها السياسي والإقتصادي مستقل، فعلام التفكير في الإستقلال عن العراق وإرادتها مستقلة تماما؟
هـ. تصرف رواتب ميليشيا البيشمركة من قبل الحكومة المركزية لكنهم لا يأتمرون بأوامر القائد العام للقوات المسلحة العراقية ولا علاقة لهم بأمن المحافظات العراقية خارج حدود الأقليم، وهذا ما عبر عنه صراحة مسعود برزاني في 17/10/2016 بقوله” البيشمركة هي بيشمركة جميع كردستان وانتصار البيشمركة انتصار لجميع الكردستانيين”. لذا فأن الإستقلال من شأنه ان يثقل ميزانيتهم بسبب الإنفاق على البيشمركة وتدريبهم وتسليحهم وتمويلهم.
و. العراق لجميع العراقيين ولكن اقليم كردستان لجميع أكراد العالم وليس للعرب مكانا بينهم، لا يستطيع العراقي العربي الدخول الى كردستان الا بموافقات أمنية مشددة وكفالات، لكن الكردي السوري والإيراني والتركي ضيفا عزيزا على الأقليم، فمعظم اللاجئين الإيرانيين الأكراد محطتهم الأولى كردستان العراق وبعدها ينطلقوا الى أوربا.
ز. تم تكريد المؤسسات العراقية في الحكومة والبرلمان والسفارات العراقية في الخارج، حتى الوثائق الرسمية ومنها الجوازات تستخدم فيها اللغة الكردية، وفي حال الإستقلال سيفقد الأكراد هذه الميزة ويفقدوا بريقهم الرسمي.
ح. كما لاحظنا ان معظم دول العالم ما عدا الكيان الصهيوني لا يرحبون بفكرة استقلال الأقليم عن العراق، بمعى انه لا يوجد تعاطف دولي أصلا مع فكرة الإستقلال، وهذا الأمر يحبط عزيمة حكومة الاقليم.
ط. ان التهديد باستقلال الإقليم ورقة ضغط فاعلة و قوية بيد حكومة الاقليم ضد الحكومة المركزية، كلما ضاق الأمر بها لوحت بها، وحصلوت على ما تريد، فلماذا التفريط بها؟
ي. للأكراد تجربة سابقة في فشل إقامة دولة مستقلة، فجمهورية مهاباد التي تأسست عام 1946 بدعم من السوفيت وأدت في دورها الجنيني، ولم تدم أكثر من (11) شهرا. فقد إستغل (مصطفى البرزاني) و(قاضي محمد) هروب رضا بهلوي بسبب توغل الجيش السوفيتي داخل ايران فأعلانا الجمهورية، وبسبب الضغط الامريكي على السوفيت وانسحابهم من ايران، تم إسقاط الجمهورية بسهولة، فأعدم القاضي عام 1947 وهرب الطالباني الأب الى خارج إيران.
ك. إستقلال اكراد العراق سوف يُحي آمال اكراد سوريا وإيران وتركيا في الإستقلال ايضا مما يعرض هذه الدول الى مشاكل داخلية هي في غنى عنها، وستبدأ المطالبات بالحقوق أولا وتنتهي بالإستقلال كما حدث في العراق. في تركيا مثلا لا يجوز استخدام كلمة (كرد)، حتى القانون التركي يشير اليها بعبارة (استخدام لغات غير التركية) ، كما أن الراديو والتلفزيزن الكردي غير قانوني. ويمنع تدريس اللغة الكردية في المدارس، وإستخدامها في وسائل الأعلام، بل وحتى في الاعلانات، ولا يجوز تسمية الابناء بأسماء كردية.
ل. يشكل الأكراد ورقة ضغط ايرانية واسرائيلية على حكومة العراق، وقد إستفاد الطرفان من هذه الورقة في إضعاف موقف العراق، مثلا تنازل العراق عن اتفاقية شط العرب، واضعاف الجيش العراقي بإشغاله في حروبهم معه خدمة لإيران، سيما خلال الحرب العراقية الإيرانية، علاوة على الكيان الصهيوني. يذكر علي سنجاري ” سرعان ماهبت الرياح الإسرائيلية من بوابات إيران تجاه شمال العراق، وأصبح هاجس إسرائيل إدامة التمرد الكردي وتدمير قدرات العراق العسكرية والإقتصادية والبشرية”. (الحركة الكردية مواقف وآراء). وجا في تقرير(بيك) المؤرخ في 19 كانون الثاني 1976 الذي اعدته لجنة في مجلس النواب الامريكي” قدمت واشنطن 16 مليون دولار كمساعدة مالية للبرزاني عبر إيران، وقامت الاخيرة بتزويد اكراد العراق بالأسلحة الإيرانية والإسرائيلية، وان هدف إيران وإسرائيل هو انهاك عدوهما المشترك العراق”. وخلص التقرير بأن ” الاكراد ليسوا اكثر من ورقة بالنسبة لطهران وواشنطن، فهم أداة فريدة لإضعاف قدرة العراق”. لذا فأن إيران والكيان الصهيوني سوف يقللا من دعمها للدولة الكردية بسبب إنتفاء ورقة الضغط هذه. بالطبع كلامنا عن الأكراد لا يتعلق بشعبنا الكردي الأصيل، فحكومة الأقليم في وادي والشعب الكردي في وادي آخر. الشعب الكردي يعاني من حكم دكتاتوري قمعي، وعشائري يهيمن على مقدرات الاقليم، علاوة على الفقر وبقية المشاكل، والدليل هو إستمرار هجرة الأكراد الى أوربا.
علي الكاش