خطط تفتيت المنطقة وتقسيم العراق/2

ALI_Kashقال الفيلسوف الايرلندي برنارد شو” إن تمثال الحرية موجود في الولايات المتحدة بالذات دون إي مكان آخر في العالم؛ لأن الناس عادة لا يقيمون التماثيل إلا للموتى”.
2. الموقف الأمريكي المتذبذب من تقسيم العراق والمنطقة
تتضارب تصريحات المسؤولين الأمريكان حول تقسيم العراق وبعض الدول العربية المجاورة له، فتارة هناك تأكيدات على أهمية التقسيم دون الإشارة بالطبع الى أن الغرض منه هو تعزيز أمن الكيان الصهيوني، وتارة هناك تصريحات أقل وطأة تنفي هذا التوجه. من خلال إستعراض تصريحات المسؤولين الأمريكان سنتوصل الى حقيقة واضحة وهي أن فكرة التقسيم تغلب نفيها في الإدارة الأمريكية سيما في المواقف المعلنة، فكيف الأمر بالمواقف غير المعلنة؟
أ. مواقف امريكية مؤيدة للتقسيم
طبقت الإدارة الأمريكية ( نظرية الفوضى الخلاقة) من أجل تحقيق مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يقضي بتقسيم دول المنطقة إلى ما بين 54 ـ 56 دولة على أسس عرقية ودينية ومناطقية. حيث قدم السيناتور الحزب الديموقراطي (جوزيف بايدن) سنة 1991 خلال ولاية جورج هيربرت بوش مشروعا حول الشرق الأوسط الجديد يتضمن تقسيم العراق نشرته مؤسسة (راند) الأمريكية، مع تعليق مديرها (فاولر) الذي تضمن السؤال التالي: هل سيبقى العراق موحداً عام 2002؟ وقال (بايدن وليزلي جيلب) الكاتب في صحيفة (نيويورك تايمز) ” لقد تمحور الاقتراح الأمريكي حول تولي الأكراد والسنة والشيعة مسؤولية سنٌ قوانينهم المحلية، والمواضيع الإدارية والأمن الداخلي، أما الحكومة المركزية فيمكنها تولي مسؤولية الدفاع عن أمن الحدود والعلاقات الخارجية، وقطاع النفط. وقد تبنى مجلس الشيوخ الأمريكي خطة بايدن عام 2007 لكن إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش تجاهلتها، وبعد سبع سنوات يبدو أن تقسيم العراق أصبح خياراً وارداً أكثر من غيره”. وقال جورج بوش الأب ” إن تقسيم العراق هو المخرج الوحيد من المأزق”، بالطبع يقصد المأزق الذي خلفه في البلد المنكوب. كما صرح جوزيف أدوردز من معهد (بروكينكز) الإستراتيجي” إذا لم يتم التخطيط جيداً لعملية تقسيم العراق، فإن ذلك سيؤدي الى حالة عدم إستقرار بل وسيهدد بإنتشار الفوضى”. وذكر الكاتب الامريكي (جاك مايلز)” سيكون تقسيم الشرق الأوسط إلى دويلات متجانسة دينيًا وعرقيًا مستحيلًا دون الهجرة الجماعية. وهذه الهجرة التي تبدو جارية بالفعل الآن، قد تكون الصيغة الوحيدة المتاحة عمليًا لتحقيق السلام هناك. لقد ذبحت داعش أو طردت الشيعة والمسيحيين من الموصل، ولكن السلطات الرسمية في العراق تغاضت أيضًا عن الطرد العنيف للسنة من بغداد. وقد يكون من الضروري أن تستمر عملية الطرد المتبادلة هذه حتى يتم فصل هذه العناصر البشرية بالكامل تقريبًا، وبالتالي تنطفئ نار الحرب في نهاية المطاف”. (هافينغتون بوست في 2/11/2014).
كما نشرت المجلة العسكرية الأمريكية المتخصصة (أرمد فورسز جورنال) خارطة جديدة للشرق الأوسط، وضعها الجنرال (المتقاعد رالف بيترز) حيث قسّم فيها المنطقة إلي دول سنية وشيعية وكردية، إضافة إلي دولة اسلامية تضم الأماكن المقدسة مستقلة عن دولة السعودية، ومملكة الأردن الكبري ودويلات أخرى، منوها” أن تقسيم المنطقة علي أساس الطوائف والاثنيات، بحيث تعيش كل طائفة أو قومية منفصلة عن الطوائف والقوميات الأخرى في دولة سياسية مستقلة، وهذا من شأنه أن ينهي حالة العنف في هذه المنطقة”. لكنه لم يسأل تفسه كيف كانت هذه المكونات تعيش بوئام وسلام منذ آلاف السنين؟ ومن يقف وراء سياسة العنف والتفريق والتمذهب؟ ومتى حصل هذا التخندق الديني والطائفي في المنطقة، ولماذا؟ ومن هي الأطراف التي تساهم في تحقيق هذا المشروع في المنطقة؟
كما أضاف الجنرال بيترز في تقرير نشره مع خارطة المنطقة في عدد المجلة العسكرية الشهرية بعنوان (حدود الدم) إن” الولايات المتحدة الأمريكية أضاعت فرصة ثمينة لأنها لم تقدم علي تقسيم العراق إلي دول بعد سقوط النظام السابق، حيث كان من الممكن مثلا إعلان قيام الدولة الكردية وجميع الأكراد يطالبون بذلك، كذلك تجميع الأكراد من إيران وسوريا وتركيا في هذه الدولة”. وفي بداية شهر مايو 2015 نشرت مجلة ( التايم الأمريكية) التي تعبر عادة عن وجهة نظر إدارة البيت الأبيض، في تقرير موسع من ثماني صفحات تحت عنوان (نهاية العراق) تفاصيل مخطط تقسيم العراق إلى ثلاث دول. الأولى في شمال العراق (كردستان)، والثانية للطائفة السنية بمحاذاة سوريا، والثالثة للشيعة، ومكانها في جنوب العراق وتضم مساحات واسعة منه. ونشرت المجلة خرائط مفصلة توضح مناطق توزيع الكرد والسنة والشيعة، فيما قدر التقرير نسبة السنة في العاصمة بغداد بنحو 30%. وتحدثت المجلة، في تقريرها عن ضم المناطق الكردية في سوريا إلى الدولة الكردية التي ستكون عاصمتها كركوك، إضافة إلى ضم بعض المناطق السنية في سوريا للدولة السنية. وحسب التقرير فان الدولة الشيعية الجديدة، سوف تتجه جنوبا حيث تصل إلى الكويت، لتستقطع مناطق حيوية منها وتصل أيضا إلى ضم بعض أجزاء من شمال شرق السعودية. وقد اعتبر بعض المراقبين أن الهدف من هذا التوسع الجغرافی الافتراضی فی خارطة التايم هو خداع أنصار الإنفصال الشيعة بأن أخذ بغداد منهم سيُعوض بأراضِ من السعودية تضم للعراق”.
في 12/4/2015 صرح (فيل مود) المحلل الأمني الأمريكي والعميل السابق بمكتب مكافحة الإرهاب في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي أن) بأن العراق” سينقسم إلى ثلاث دول، فالأكراد في الشمال، باشروا بالفعل الانفصال، والأكثرية الشيعية التي وصلت إلى الحكم عبر الانتخابات في بغداد، فضلا عن الأقلية السنية التي توجد في مدن عراقية تشعر بالقلق حيال المسلحين الشيعة، وإن إيران ستسرع من انقسام العراق لأنه من مصلحتها أن يبقى الشيعة في سدة الحكم بالعراق”. وقال الجنرال (جاي غاردنر أول) قائد سلطة الاحتلال الأمريكي في العراق إن أفضل مايمكن أن تطمح إليه واشنطن لإبقاء العراق موحدا هو تأسيس دولة فيدرالية من ثلاثة أقسام للسنة والشيعة والأكراد، وأضاف لصحيفة الغارديان البريطانية “اعتقد أن العراق قُسم بالفعل وعلينا أن نقبل ذلك، فالعراق الذي كنا نعرفه قد انتهى”. وذكر السيناتور الديمقراطي (جو مانشين) إن “الجميع سخر في البداية من الفكرة، لكن خلاصة القول إننا جربنا كل شيء آخر بدون جدوى، وعلى الولايات المتحدة والمجتمع الدولي إحتضان فكرة تقسيم العراق لثلاث دول منفصلة من أجل اخماد العنف الطائفي”.
وكان رأى السيناتور الأمريكي (تيم كين) أن تقسيم العراق لثلاثة أقاليم هو الحل الواقعي الوحيد لمشاكل البلاد، موضحا أن غالبية الجهات تدعم تقسيم العراق، ونائب الرئيس الأمريكي جو بايدن قدم مقترحا في هذا الخصوص منذ فترة. وطرح بايدن فكرة التقسيم إلى 3 دويلات قبل سنوات، حينما كان في مجلس الشيوخ، ولكن الاقتراح جوبه بالرفض من قبل الوسط السياسي الأمريكي والعراقي”. وأشار كين إلى أنه على الرغم من معارضتنا نحن الديمقراطيين لتقسيم العراق، لكنه في النهاية سيكون البديل الحقيقي الوحيد للخلاص من المشاكل”. وقال الخبير بمجلس العلاقات الخارجية الأميركي (ستيفن كوك) في تصريح لإحدى وسائل الإعلام الأميركية إنه ” لم يعد من المنطقي للناس الذين يعيشون هناك (اي العراق) أن يبقوا في بلد واحد”.
كما صرحت هيلين توماس، التي تعد أجرأ صحفية في تاريخ الولايات المتحدة الامريكية ” إنني أرى أن بريطانيا سوف تستحضر روح البريطاني (مارك سايكس) وفرنسا سوف تستحضر روح الفرنسي (فرانسوا بيكو) وواشنطن تمهد بأفكارهما الأرض لتقسيم الدول العربية بين الثلاثة، وتأتي روسيا لتحصل على ما تبقى منه الثلاثة، صدقوني انهم يكذبون عليكم ويقولون: إنهم يحاربون الاٍرهاب نيابة عن العالم، وهم صناع هذا الاٍرهاب والإعلام يسوق أكاذيبهم، لأن من يمتلكه هم يهود اسرائيل”. ومن أشهر أقوالها” الغرب يعيش على غباء العالم الثالث والدول الفقيرة”. وقال (جيمس وولسي) رئيس الاستخبارات الأمريكية السابق أن” المنطقة العربية لن تعود كما كانت، وسوف تزول دول وتتغير حدود دول موجودة الآن”. كما أطلق (مايكل هايدن) مدير المخابرات الأمريكية السابق تصريحات خطيرة للغاية من خلال تأكيده أن عدّة دول عربية ستختفي عن خارطة الشرق الأوسط قريبًا، على حدّ تعبيره. وقال المسؤول الأمنيّ الأميركيّ السابق في تصريحاته لصحيفة (لو فيجارو الفرنسية) إنّه على الأقل هناك دولتان عربيتان ستختفيان من الشرق الأوسط قريبًا، وذلك على ضوء اتفاقية سايكس بيكو التي تمّت بمبادرة من القوى الأوروبية عام 1916 فساعدت هذه الدول النامية في تكوين كيانها، لنُواجه الحقيقة، لم يعد هناك وجود للعراق ولا سوريا، ولبنان في اتجاه الفشل، أصبح كل هذا تحت مسميات عديدة فهناك داعش والقاعدة والأكراد والسنة والشيعة، تحت مسّمى سابق هو سورية والعراق.
بالطبع الآن تتأكّد هذه الحقائق على الأرض، فالمنطقة تعيش حالة عدم استقرار وسيبقى الأمر على حاله المتشرذم في السنوات القادمة إذا لم يحرك الشعب العربي ساكنًا، ان ساسة التحالف الشيعي وقادة العملية السياسية الهجينة في العراق وسوريا ونظام الملالي الحاكم في طهران يتحملوا مسؤولية اختفاء العراق من الخارطة الدولية، وهم يعملوا بجد لتحقيق هذه الغاية، وأعلنوا أكثر من مرة ان ايران والعراق روح وجسد، ولكن الإيرانيين كانوا أكثر جرأة في طروحاتهم بضم العراق الى إيران من ثم البحرين والأردن وبقية دول الخليج العربي.
سبق أن سوقت واشنطن لمصطلح الشرق الأوسط الجديد بذريعة تغيير ما يعرف بالشرق الأوسط الكبير بوضعه الراهن الذي يقال إن حدوده المفتعلة وغير الطبيعية قد تقادمت ولم تعد تصلح للمستقبل. وبدأ تداول هذا المصطلح في الميدان السياسي لأول مرة في تل أبيب، في يونيو من عام 2006 على لسان وزير الخارجية الأمريكية السابقة غونداليزا رايس.
من جهة أخرى ذكرت وكالة الاسوشييتد بريس الأميركية في تقرير نقلا عن مدير وكالة استخبارات الدفاع الاميركية الجنرال (فنسنت ستيوارت) إن” العراق و سوريا قد يكونان قد تشظيا اربا على نحو دائم بسبب الحرب والتوترات الطائفية، وارى ان البلدين يمران بمحنة عصيبة يتعذر عليهما الرجوع لما كانا عليه. لا يمكنني استيعاب فكرة رجوع الكرد إلى حكومة العراق المركزية واعتقد ان هذا الامر مستبعد تماما. كما ان سوريا ستنشطر مستقبلا الى جزئين او ثلاثة اجزاء. ان ذلك لا يعتبر هدفاً تسعى اليه الولايات المتحدة بقدر ما انه يبدو امرا من المحتمل حدوثه على نحو كبير”. من جانبه قال مدير وكالة المخابرات المركزية الـ CIA جون برينان ان “حدود البلدين العراق وسوريا لاتزال قائمة على حالها ولكن حكومات البلدين فقدت السيطرة عليها حيث تتواجد دولة الخلافة التي انشاها تنظيم داعش والتي تمتد بين حدودهما. كما ان العراقيين والسوريين بدأوا الان يعرفون انفسهم ويحددون هوياتهم باسم العشيرة او الطائفة الدينية التي ينتمون اليها بدلا من هويتهم الوطنية. سوف يشهد الشرق الاوسط تغييرات عبر العقد او العقدين القادمين بحيث انه سيكون مختلف عن الوضع الذي كان عليه”. كما قال (جون كاسيتش) المرشح للانتخابات الأمريكية عن الحزب الجمهوري في 18/8/2015 خلال مقابلة مع شبكة سي أن ان ” على الأغلب فإن مآل الأمور في العراق والحملة الدولية ضد تنظيم داعش سينتهي بتقسيم البلاد. وفي إجابة على سؤال حول قرار الرئيس الأمريكي السابق، جورج بوش بشن حربه على العراق قال” ما كنت لأدخل نفسي في الملف العراقي، وكما ترون الآن فإنه وبالنهاية سينتهي المطاف بالعراق على الأغلب إلى الانقسام لثلاثة أجزاء”. وذكر رئيس هيئة الاركان السابق في الجيش الأمريكي (راي اوديرنو) إن ” تقسيم العراق قد يكون الحل الوحيد لحل الأزمة التي تعصف بهذا البلد الذي يغلب عليه الطابع الطائفي. وأضاف الجنرال الأميركي في مؤتمر صحفي عقد يوم 12/8/2015 بأن” تحقيق المصالحة بين طائفتي السنة والشيعة في هذا البلد تزداد صعوبة، لذا قد يكون التقسيم هو الحل الوحيد”.

ب. مواقف معارضة للتقسيم
وهي مواقف أقل أهمية سواء بالنسبة لوزن من أدلوا بها السياسية أو من ناحية مصداقيتها. فى 26 ايلول عام 2007، صوت مجلس الشيوخ الأمريكي بـ75 صوتا مقابل 23 صوتا معارضا لتمرير خطة نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن، بتقسيم العراق إلى ثلاث مناطق كبيرة، عربية سنية، وكردية، وعربية شيعية، مع حكومة مركزية محدودة الصلاحيات في بغداد تتركز مهامها بحماية أمن الحدود وإدارة وتوزيع الموارد النفطية، وحاز المقترح على موافقة الكونغرس حينها، رغم ما يشكله من سابقة خطيرة فى العلاقات الدولية، وانتهاك صارخ لمبدأ سيادة الدول ووحدة أراضيها، ومن شأنه كذلك إيجاد كيانات متشرذمة في عملية يمكن وصفها بأنها تجزئة للمجزأ فالمنطقة العربية خضعت بالفعل لمخطط تقسيم وتجزأة حسب اتفاق سايكس بيكو”‏.‏ من ثم تبنى بايدن في مقال نشر في صحيفة (واشنطن بوست) في أغسطس2014 فكرة ” إنشاء نظام فيدرالي فعال” كوسيلة لتجاوز الانقسامات في العراق لأن ذلك سيؤمن تقاسما عادلا لعائدات النفط بين كل الأقاليم ويسمح بإقامة بنى أمنية متمركزة محليا مثل حرس وطني لحماية السكان في المدن ومنع تمدد تنظيم داعش”.
في 29 أبريل 2015 وافقت لجنة القوات المسلحة في الكونغرس الأمريكي على مشروع قانون يفرض على واشنطن التعامل مع إقليم كردستان الشمالي ومنطقة الأنبار كدول مستقلة، وذلك في إطار الموافقة على ميزانية الدفاع والمساعدات الخارجية لعام 2016، وينص على تقديم المساعدات العسكرية لقوات البيشمركة الكردية والمليشيات (السنية) التي تقاتل تنظيم داعش في مناطق الكثافة السنية كمحافظة الأنبار بشكل مباشر، دون الاعتماد على آليات الحكومة العراقية المركزية لذلك. وتمت إحالة مشروع القانون من (لجنة القوات المسلحة) إلى مجلس النواب للتصويت عليه بشكل كامل ونهائي ليصبح قانونا يفرض على الولايات المتحدة الالتزام بالنموذج المشرع إلا في حالة استخدام الرئيس الأميركي باراك أوباما حق (الفيتو/النقض) شريطة أن لا يحظى القانون في الكونغرس على 66% من التأييد. ويفرض مشروع القانون على الحكومة العراقية شروطا مقابل تخصيص مساعدات بقيمة 715 مليون دولار من ميزانية البنتاغون للعام 2016، لدعم الجيش العراقي في معركته ضد داعش. ولم توفِ الولايات المتحدة ما ورد في القانون بضغط من الحكومة الشيعية في العراق التي ترى في تسليح أهل السنة خطرا يهدد وجودها.
كما إشترط مشروع القانون أن تعطي الحكومة العراقية للأقليات (غير الشيعية) دورا في قيادة البلاد خلال ثلاثة أشهر بعد إقرار القانون، وأن تنهي بغداد دعمها للميليشيات، وإذا لم تلتزم بالشروط تجمد 75% من المساعدات لبغداد، ويرسل أكثر من 60% منها مباشرة للأكراد والسنة. وقالت الناطقة الرسمية باسم وزارة الخارجية الأمريكية (ماري هارف) في معرض ردها على أسئلة الصحافيين بشأن قرار اللجنة النيابية ” إن سياستنا معروفة وواضحة تقوم على تأييد عراق موحد ومستقر وان دعمنا السياسي والعسكري والاقتصادي للعراق يبقى كما كان عليه دائما ينسق بشكل كامل مع الحكومة المركزية، ذات السيادة الكاملة في بغداد، كون هذه السياسة هي السياسة الوحيدة الفعالة في محاربة التطرف وتعزيز التحالف في مواجهة داعش”.
من جهة أخرى أوضح السفير الأميركي في بغداد ( دوغلاس سيليمان) في 26/9/2016 على موقع السفارة في موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك. إن ” التقارير التي ألمحت بأن الولايات المتحدة تؤيد تقسيم أجزاء من العراق، عارية عن الصحة تماماً”. مضيفا ” دعوني أكون واضحاً، بأن الولايات المتحدة تدعم عراقاَ موحدأ وديمقراطيأ ومزدهرأ وذو سيادة يلبي تطلعات جميع العراقيين، وفقا لدستور العراق. وأن العراقيين سيقومون باتخاذ قراراتهم بأنفسهم بشأن هيكلة حكومتهم”.
تجدر الإشارة الى أن تقسيم العراق قد طبق فعلا من قبل الإدارة الأمريكية الصهيونية عام 1991 بفرض خطوط الطول والعرض من خلال الضغط على ما يسمى بالشرعية الدولية وإبتزاز عرابها الامين العام لتشكيل كنتونات مذهبية وعرقية تحت ما يسمى (مناطق تتمتع بالحماية الدولية)، فقد قسم العراق الى ثلاثة أقسام، أثنان منها وهما شمال العراق وجنوبه شُمل بالحماية الدولية والوسط غير مشمول بها في مفارقة غريبة! و يبدو ان الصهاينة بخسوا تقسيم العراق الى ثلاثة دويلات فاقترحوا هذه المرة بأن تكون أربع كانتونات! وكشفت صحيفة (يديعوت أحرونوت) عن خطة أخرى لتقسيم العراق الى أربعة دويلات على أسس عرقية وطائفية ولكل دويلة برلمان وموازنة مالية وإدارة محلية. وهي ولاية الشمال ومركزها الموصل وتضم محافظات(دهوك، اربيل، السليمانية، الموصل، كركوك وصلاح الدين). والثانية ولاية الوسط ومركزها بغداد وتضم محافظات (بغداد والكوت والأنبار وديالى)، وولاية الفرات الأوسط ومركزها النجف وتضم (الديوانية، كربلاء، النجف وبابل) وأخيرا ولاية الجنوب ومركزها البصرة وتضم (ميسان، البصرة، المثنى وذي قار). كما اشار (عاموس مالكا) المدير السابق لشعبة المخابرات العسكرية للكيان الصهيوني صراحة بأن مسح العراق من الخارطة كدولة” سيقلل من المخاطر الإستراتيجية للأمن القومي الإسرائيلي، فعالم عربي بلا عراق موحد هو الأفضل لإسرائيل من عالم عربي فيه العراق”. والآن تحقق حلمه، فالعالم العربي بعراق فارسي.
في عام 1996 قدم المحافظون الأمريكان الجدد من الأصول اليهودية الى رئيس وزراء الكيان الصهيوني (بنيامين نتنياهو) خلال زيارته لواشنطن خطة لتقسيم العراق الى ثلاث دويلات. وقبل الغزو بعام قام وزير الدفاع الإسرائيلي (ديفيد اليعازر) بزيارة كردستان العراق وناقش موضوع تقسيم العراق مع القيادات الكردية مما أثار حفيظة رئيس الوزراء التركي آنذاك (بولند اجاويد) الذي اعتبر موضوع الزيارة يشكل تهديدا لأمن تركيا. وعلق مسؤول تركي رفيع المستوى بأن دعم إسرائيل للأكراد لتقسيم العراق من شأنه ” جلب المزيد من الموت والويلات لمنطقة الشرق الأوسط”. وفي اكتوبر من عام 2002 نشر المحلل السياسي (جاري دي هالبيرت) دراسة موسعة بشأن تقسيم العراق على أسس عرقية وإعادة ترسيم الحدود القومية. وفي نفس العام أصدر مركز (ستراتفور) للمعلومات الجيوسياسية دراسة مهمة تناولت الاستراتيجية الامريكية لقسيم العراق الى ثلاثة مناطق منعزلة عن بعضها كي ينتهي وجود العراق كدولة موحدة، وذلك بضم بغداد ومحافظة الانبار الى الاردن وتشكيل ما يسمى بالمملكة الهاشمية المتحدة. وضم الموصل وكركوك الى كردستان العراق لتصبح دولة ذات حكم ذاتي. وأخيرا ضم محافظات الجنوب الى الكويت. وحسب التقرير فأن هذا الوضع سيحقق للكيان الصهيوني الأمن التام لأن العراق من أشد أعداء الكيان الصهيوني المسخ.
اما بعد الغزو الأمريكي للعراق فقد اشتدت هذه الدعوات وبرزت بصورة اوضح. فقد كتب (جون ديو) الباحث السياسي في معهد (إنتربرايزر الصهيوني) مقالا في (لوس انجلوس تايمز) أكد فيه على ضرورة التعجيل بتقسيم العراق الى ثلاث دويلات. ومن الجدير بالذكر ان (ليزلي غلب) هو الرئيس الفخري لمجلس العلاقات الخارجية في الكونغرس الامريكي وقد كشف في أواخر عام 2003 عن مشروع لتقسيم العراق الى ثلاث دويلات نشرته صحيفة نيويورك تايمز بعنون” الدول الثلاث هي الحل” أما المحلل الصهيوني (جاي باخور) في (مركز هرتزليا) فقد أعتبر عدم تقسيم العراق بعد الغزو يعني” ان الحرب الأمريكية على العراق تعتبر فاشلة من الأساس ولم تتمكن من تحقيق أهدافها” ودعا الى ضرب حركات المقاومة السنية بقوة كي لا تتحول الى قاعدة لتهديد مصالح إمريكيا وإسرائيل”. وفي يناير من عام 2004 نشر المحلل السياسي (اريك ماكواردت) تقريرا حذر فيه من مغبة تقسيم العراق لأن ذلك من شأنه ان يحفز دول الجوار للتدخل في شئون تلك الدويلات الهشة والسيطرة عليها، وسيؤدي ذلك الى اضطراب الوضع الاقليمي. وفي آذار من العام نفسه صرح هنري كيسنجر لشبكة (بي بي سي) بأن العراق” يسير بنفسه بإتجاه يوغسلافيا السابقة”، قاصدا تقسيمه الى دويلات.
وقد حلل الصحفي البريطاني (جونثان كوك) في كتابه (إسرائيل وصراع الحضارات) الغرض من الغزو الأمريكي للعراق مفيدا بأنه لغرض تقسيمه وإجراء تغييرات في منطقة الشرق الأوسط. وقد لخص( ريتشارد باركر) السفير الأمريكي في بيروت في تموز عام 2007 إستراتيجية بلاده في منطة الشرق الأوسط بان الغرض منها هو” وضع أسس جديدة لمشروع خارطة الطريق الكبرى في المنطقة تتماشى وأهداف الأقليات الطائفية والعنصرية في تحقيق الإنفصال”.
للموضوع تابع… بعون الله.

علي الكاش

About علي الكاش

كاتب ومفكر عراقي . لدي مؤلفات سابقة وتراجم ونشرت ما يقارب 500 مقال ودراسة. لدي شهادة جامعية في العلوم السياسية واخرى في العلاقات الدولية شاركت في العديد من المؤتمرات الدولية لدي خبرة واسعة جدا في الكتب القديمة والمخطوطات
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.