لم يكن شعار”الاسد يجب أن يرحل” سياسة أميركية جدية. ادارة الرئيس باراك أوباما لم تظهر يوماً رغبة حقيقية في اطاحة النظام السوري. محاولاتها للتدخل في النزاع، إن لنزع الشرعية عن النظام أم لدعم المعارضة، اتسمت بكثير من التردد والارتباك. وليس كلام وزير الخارجية جون كيري أخيراً عن وجوب التفاوض مع الاسد من دون أهداف واضحة لهذه الخطوة، الا آخر مظاهر اخفاق السياسة الاميركية حيال سوريا.
أياً تكن خلفيات موقف كيري، سواء بدت تودداً لإيران أم اقتناعاً بأن الأسد هو “أهون الشرين”، فهو لن يحقق الأمن والاستقرار لسوريا، لا بل على العكس، تبدو الأخطار المحتملة للتفاوض مع الاسد بلا استراتيجية واضحة أكثر من نتائجه الايجابية المؤملة بالتوصل الى تسوية سياسية.
ثمة اقتناع سائد في المنطقة بأن أحد أبرز الاسباب التي منعت واشنطن من توجيه ضربات “جراحية” الى النظام السوري صيف 2013 كان قلقها على المفاوضات مع طهران والتي كانت بدأت سراً في عُمان. ومع خروج المفاوضات الى العلن وبلوغها مراحل متقدمة، تبدو واشنطن أكثر حرصاً على منع إحباط المفاوضات والوصول بها الى خواتيم سعيدة، غير عابئة بتحالفاتها في المنطقة.
هذا التودد الاميركي لإيران من غير تبديد هواجس دول الخليج، يزيد حال الاستقطاب المذهبي، معززا المخاوف من اقرار بالنفوذ المتنامي لطهران في سوريا، بعد ترحيب بدورها المؤثر في بغداد. ومن شأن هذه المخاوف أن تدفع الدول السنية المتوجّسة من الطموحات الايرانية الى تكثيف دعمها للجماعات المعارضة للنظام، وخصوصاً المتطرفة منها باعتبارها الأكثر فاعلية على الارض، في محاولة لمنع خضوع سوريا لنفوذ طهران.
أما اذا كان هدف التفاوض مع الاسد تشكيل جبهة موحدة ضد “الدولة الاسلامية”، فليس ما يدل على أن استراتيجية كهذه ستؤتى ثمارها. لا شك في أن القضاء على “دولة” بدائية ومتوحشة ضرورة ملحة لإنهاء الجحيم السوري. بيد أن محاربة هذا التنظيم لم تكن يوماً أولوية للنظام السوري. وهو لم يجيّش قوات وعتادا لمواجهته الا عندما شكل تهديدا مباشراً لمصالحه الخاصة. فعندما كان هذا التنظيم يراعي مصالح النظام، كانت قوات الاسد تكتفي بالتفرج عليه يضعف قوات المعارضة من غير أن تتدخل، وحتى كانت تساعده ضمناً. من هذا المنطلق، لا يمكن اعتبار النظام السوري شريكاً موثوقاً به ضد “داعش”. ففي أحسن الاحوال لن يحارب النظام “داعش” الا لتحقيق مصالحه الاستراتيجية الخاصة، ولن يتوانى عن التنسيق معه عندما تقتضي مصلحته ذلك أيضاً.
*نقلاً عن “النهار”