التهديدات الإيرانية بحرب إقليمية مدمرة لا تخفي أن إيران تمددت كثيرا بشكل يكشفها، بسبب تورطها العميق في سوريا. لكن كل هذا لا يخفي أيضا أن مصلحتها الأساسية تبقى في لبنان، بسبب وجود حزب الله.
حتى الآن ليس واضحا طبيعة وتوقيت العملية العسكرية «المحدودة» ضد النظام السوري. فالرئيس الأميركي باراك أوباما منذ انتخابه في الفترة الرئاسية الأولى يريد أن يدير ظهره لمنطقة الشرق الأوسط. الآن، وقد مضت سنتان ونيف على الحرب في سوريا، رفض الإقدام على أي خطوة حتى جاء الهجوم بالكيماوي. هناك من يقول إن السماح بتمرير تجربة الكيماوي، التي قد تكون «بروفة» لتجربة إيرانية لاحقا بالسلاح النووي، لا يمكن أن يمر. ثم إن لجوء أوباما الأخير إلى الكونغرس للتصويت على الضربة العسكرية «المحدودة»، لمعرفته أنه خلال السنوات الثلاث المتبقية من رئاسته سيجد نفسه في مواجهة إيران وبرنامجها النووي، وبالتالي يريد أن يكون الكونغرس الأميركي والشعب الأميركي معه في تلك المرحلة الفاصلة.
بالنسبة إلى سوريا، لا يبدو أن هناك شهية لعمل عسكري كبير قد يورط الغرب في المستنقع السوري، كما حصل في العقد الماضي في المستنقعين الأفغاني والعراقي، ومع ذلك، تستمر إيران في تأجيج نيران الحرب، وتستمر في تهديد عدد من دول المنطقة، وما هو أبعد منها. هذا الضجيج الإيراني هدفه تثبيت الاهتمام بعيدا عن إيران، لكن إذا استمرت إيران في اتباع النهج ذاته في تعاطيها بالشؤون الدولية، فمما لا شك فيه أنه، وبعد فترة ليست بالطويلة، ستكون هي نقطة التركيز الأساسية، مهما حاولت تحويل الانتباه إلى مكان آخر، لأن هذه التهديدات تخفي تحت ظلها السياسة التي تعتمدها إيران وتتبعها منذ نجاح ثورتها.
مساء الاثنين الماضي على شاشة «إم تي في»، بذل السفير الإيراني لدى لبنان غضنفر ركن آبادي جهدا كبيرا ليبهر المشاهدين، قال إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تقف مع «المقاومة»، هذا في رده على الدور الإيراني في سوريا، وإن قضيتها الأولى منذ 34 عاما هي فلسطين. رفض أن يتحدث عن العمل العسكري ضد سوريا، بل عن ورقة الحل الإيراني التي تشابه ورقة «جنيف 2». طبعا هو ضد «المشروع الأميركي» في المنطقة.
منذ بداية العلاقة الإيرانية – السورية وإيران هي الجانب الأقوى، تستعمل سوريا ممرا لها للوصول إلى لبنان عبر حزب الله، واستعملتها لتمرير مقاتلي «القاعدة» إلى العراق، عندما كانت القوات الأميركية هناك، واستعملتها لإيصال السلاح والصواريخ إلى حزب الله ولتدريب مقاتليه. الآن هي تغرق مع الرئيس السوري بشار الأسد في المستنقع السوري. السفير ركن آبادي تجاوز احتمالات الضربة العسكرية، وطرح مباشرة «مشاركة» بلاده في الحل السياسي. وذلك كي تبقى إيران في سوريا، وتبقى سوريا بنظره عقدة رئيسة في السلسلة التي عملت إيران جاهدة على تركيبها، حتى لو رحل نظام بشار الأسد.
عندما كثر الحديث عن ضربة عسكرية على سوريا، لم نسمع تهديدا من ضابط سوري كبير، بل أعلن رئيس الحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري أن «الحرب على سوريا ستتسبب في تدمير إسرائيل». تبعه رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية الجنرال حسن فيروز آبادي قائلا: «إن الهجوم الأميركي المحتمل على سوريا سيشعل الغرب وإسرائيل». ثم أدلى العميد محمد رضا نقدي رئيس «الباسيج» (منظمة تعبئة المستضعفين) بدلوه، عندما قال: «الهجوم على سوريا سيجعل تحرير فلسطين أسهل» (وكأنهم اشتروا سوريا).
لكن إسرائيل أغارت مرتين على سوريا في الفترة الأخيرة. الإعلام الإسرائيلي كشف عن هذه الغارات، ولم نسمع من المسؤولين الإيرانيين مثل هذه التصريحات النارية التي تتدفق علينا الآن. فهل إيران مقبلة حاليا على حرب هي غير «مستعدة» لها؟ حسب تقارير موثوقة، فإن الولايات المتحدة أبلغت «المقاومة» ودول «الممانعة» أن الضربة ستكون محدودة، وستبقى كذلك، لكن إن ردوا، فستكون الضربة أقوى وأوسع.
إذن هذه التصريحات النارية تخفي قلقا إيرانيا حقيقيا، لذلك تخطط إيران لإرسال تسعة آلاف مقاتل من لواء «الحرس الثوري» إلى لبنان على مراحل.
هذا جزء من استراتيجية تهدف إلى مماطلة التطورات الخطيرة في لبنان التي تخوضها المعارضة، في محاولة منها لتقويض السلطة السياسية والعسكرية لحزب الله، علاوة على تدهور الأوضاع فيه. يأتي هذا نتيجة لتورط حزب الله عميقا في سوريا، الأمر الذي يكبده ثمنا ملحوظا من الخسائر في الأرواح، إضافة إلى الأضرار التي لحقت بصورة الحزب في لبنان؛ فهو حاد تماما عن خطه المعلن بأنه لمقاومة إسرائيل وتحرير ما بقي تحت الاحتلال من الأراضي اللبنانية، وفي جميع أنحاء المنطقة.
وحسب مصادر أمنية لبنانية، فإن إحدى الصحف اللبنانية الموالية للحزب، نشرت مقالا قبل شهرين (الأول من يوليو/ تموز) يهدف إلى توفير الشرعية لخطة إرسال قوات من الحرس الثوري إلى لبنان، وإرساء الأسس اللازمة لتطبيقها. وأشار المقال إلى أن الاستقرار في لبنان يخرج عن السيطرة، والتوترات المذهبية معرضة للاندلاع في أي لحظة، ثم إن هناك خططا لمجموعات سلفية تهدف لاغتيال نبيه بري رئيس المجلس النيابي، والعماد جان قهوجي قائد الجيش، وهدفها نشر حالة من الفوضى العامة في البلاد.
توسع الانتفاضة العسكرية الدموية من سوريا إلى لبنان، أدى إلى تفاقم الانتقادات لحزب الله من داخل الطائفة الشيعية ومن المعارضة السنية، خصوصا السلفيين (ظاهرة أحمد الأسير)، وما يحدث في عرسال وطرابلس وعكار.
هذا الواقع الخطير للمعارضة التي تكثف من تحديها لهيمنة حزب الله في لبنان، يُنظر إليه على أنه كارثة تلوح في الأفق بالنسبة إلى إيران وحزب الله، خصوصا إذا ارتبط هذا بعدم اليقين العميق بالنسبة إلى مستقبل نظام بشار الأسد.
وإذا ما أُسقط هذا النظام في نهاية المطاف، على الرغم من المساعدات الضخمة التي يحصل عليها من إيران وحزب الله، فسوف يصبح لبنان المعقل الوحيد المتبقي لإيران، وإذا لم يجرِ الحفاظ على قوة حزب الله، فإن إيران بالتأكيد ستخسر نفوذها في قلب المنطقة.
قرار إرسال قوات من الحرس الثوري إلى لبنان في المستقبل القريب يحتاج إلى المزيد من الجهود المنسقة من قبل قائد فيلق القدس قاسم سليماني، الذي يعد قريبا من صناع القرار في إيران، ومن قيادة حزب الله، ويُعتقد أن له تأثيرا عليهم. أيد هذا القرار القائد العام للحرس الثوري الجنرال محمد علي جعفري، ووافق عليه المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي. سيشرف على إرسال القوات إلى لبنان قائد القوات البرية في الحرس الثوري محمد باكبور القائد السابق لفيلق لبنان. سيجري إرسال القوات إلى لبنان من مختلف فرق المشاة الإقليمية، مثل تلك التي في طهران وأصفهان وخورام آباد، لتجنب تقويض الأمن الداخلي في إيران. تتطلب هذه العملية استعمال الأسلحة الإيرانية الموجودة في مستودعات الجيش السوري، وبعض هذه الأسلحة ستُنقل جوا. ويبدو أن معظم هذه القوات الإيرانية سيجري نشرها على طول الحدود بين سوريا ولبنان بالقرب من القصير.
هذه الخطة تؤكد أن إيران لن تتورط إذا ما وُجهت ضربة عسكرية إلى سوريا. هي تريد حماية حزب الله. إذا سقط الحزب، سقط معه خط دفاع إيران الأول وسلاحها الرادع، وهذا لا ينطبق على النظام السوري.
لقد دأبت إيران على إشعال النار في دول المنطقة، كي تبقى هي محمية. مساء الاثنين الماضي على قناة «بي بي سي»، حذر مختار لاماني نائب مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا من احتمال وقوع «مجازر كبيرة». كان القلق باديا على وجهه، مما دفع بمحاوره إلى التعليق؛ النيران الكثيفة قد تكسب الحرب، لكن الكراهية المذهبية هي التي ستفتت هذه البلاد.
تحذير يجب أن يصل إلى مسامع إيران، وبطريقه إلى الدولة اللبنانية!
نقلا عن الشرق الاوسط