على الخرافة يقتات داعش، مثل أي تنظيم ديني. فقد استنزف طاقته الأخلاقية، ولجأ إلى الهلوسات الدينية، وأحدثها قصة دابق.
وموجز قصة دابق يقول إن الدواعش يروجون لبلدة دابق في ريف حلب السورية، بكونها مسرحاً لمعركة منتظرة بين المسلمين والكفار ورد ذكرها في الحديث النبوي الشريف، وإنها بداية لتمدد التنظيم إلى باقي المناطق العربية وتركيا وصولاً إلى العاصمة الإيطالية. ولا تقوم هذه المعركة إلا بنزول الجيوش الدولية على الأرض السورية.
هذا الحديث النبوي الشريف رددوه – من غير توسع وانتشار – قبل ضرب أفغانستان وعند غزو العراق. ولا يوجد في نصه ما يشير إلى دابق. لكن التاريخ يقول إن هذه البلدة الصغيرة شهدت معركة مفصلية للعثمانيين. تمددت إمبراطوريتهم بنصرهم لتبلغ جزيرة العرب ومصر. أي أن رمزية المدينة الصغيرة مرتبطة بالمشروع العثماني الكبير، وليس بما نسب إلى رسول الأمة.
ولأن الناس مهووسة بالدين وتهابه، والخوف قياس علاقتها به، فحتماً تجد هذه الخرافة عدداً ليس بالقليل من المصدقين والمسوقين. والقائمون على داعش ومسوقو بضاعته يفهمون العقلية الهشة القابلة لمثل هذا الهوس، فتلجأ لبضاعة الغيبيات وأحلام الانتصارات، فتلغي العقل والوعي، وقبل ذلك تحرم المسلم مما تفضل به الإسلام من قواعد ترسخ الحكمة.
أما هؤلاء الدواعش فبضاعتهم ليست حديثة. فعلها قبلهم أول المنادين بتطبيق فريضة الجهاد في أفغانستان. فقد كان عبدالله عزام مولعاً بالخرافة، وأشهر من سوق لبضاعة الكذب تحت غطاء الكرامات. ويمكن التسلية بكتابه الصغير ذي الثمانين صفحة، واسمه “آيات الرحمن في جهاد الأفغان”.
خرافات كبير الجهاديين استمرت إلى يومنا، وعاش الرأي العام العربي على القصص ذاتها، وما زالت البضاعة في السوق. باعتها معلومون ومشتروها كذلك. فالبائع يلجأ إلى الخرافة لسد فراغ تنظيمه، والشاري يدفع لتعويض نقص في إيمانه. وكلاهما يتجنب الأدلة العلمية والعقلية. وما الخرافة إلا فساد للعقل. والدواعش التقى فيهم فساد العقل والدين والأخلاق.