كامل النجار
الرشوة: في اعتقادي أن الرشوة هي أكبر آفة تنخر في جسد المجتمع، كما ينخر السوس في الخشب. فالذي يدفع الرشوة يحصل على امتيازات لا يستحقها بمؤهلاته، ولكنه يشتريها بماله ويحرم المؤهلين منها. وفي النهاية يتسنم مواقع صنع القرار أشخاص غير مؤهلين، ولصوص في نفس الوقت، همهم استرجاع ما دفعوه في الرشوة أضعافاً مضاعفةَ من قوت عامة الناس.
والقرآن يقول (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحُكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون (البقرة 188). وهذا تحذير واضح للمسلمين بألا يرشوا الحكام والذين في السلطة ليسمحوا لهم بأكل أموال الناس بغير حق. ولكن هل التزم نبي الإسلام ومن بعده الأتباع المؤمنون بهذا التحذير المهم؟
في موقعة هوازن، انهزم المسلمون باديء الأمر وفروا من حول الرسول الذي صار ينادي بأعلى صوته، أيها الأنصار أنا رسول الله. فرجع إليه الأنصار وحاربوا ببسالة وانتصروا، وأخذ المسلمون كمية كبيرة من الجمال والأغنام والسبايا، ويبدو أن بعض المسلمين أخذ أسلاباً بسيطة من القتلى قبل تقسيم الغنائم، فخطب فيهم محمد، وقال ” فأدوا الخيط والمخيط ، فإنّ الغلول {السرقة من الغنائم} يكون على أهله عاراً وناراً وشَنَاراً يوم القيامة، فمن أخذ شيئاً فليرده .” فردوا الأشياء البسيطة التي كانوا قد أخذوها، مثل سرج البعير أو الرسن، ثم أعطى محمد المؤلفة قلوبهم، وكانوا من أشراف الناس، فأعطى أبا سفيان وابنه معاوية، وحكيم بن حِزَام ، والعلاء بن جارية الثقفي ، والحارث بن هشام ، وصفوان بن أمية، وسهيل بن عمرو؛ وحُوَيْطب بن عبد العزى، وعيينة بن حصن ، والأقرع بن حابس ، ومالك بن عوف النصري، كل واحد منهم مائة بعير، وأعطى دون المائة رجالاً ، منهم مخرمة بن نوفل الزهري ، وعمير بن وهب بن عمرو، وسعيد بن يربوع. (الكامل في التاريخ لابن الأثير، ج2، ص 142). ولم يعط الأنصار الذين نصروه ولا بعيراً واحداً. وكانت غزوة هوازن بعد فتح مكة، وكان أبوسفيان وغيره قد أسلموا يوم الفتح ولم تكن هناك حاجة لتأليف قلولهم.
وفي نفس هذا الوقت قُتل عبدٌ لمحمد، أصابه سهم من الكفار يوم خيبر، فقال المسلمون : هنيئا له الجنة ، فقال لهم النبي: (كلا والذي نفسي بيده إن الشملة التي أخذها من المغانم يوم خيبر ولم تصبها القسمة، لتشتعل عليه نارا) (فتاوى بن باز، ج5، ص 226). فهذا العبد المؤمن الذي ضحى بحياته، يدخل النار من أجل شملةٍ أخذها من الغنائم، و يعطى محمد أغنياء قريش مائة بعير لكل رجل، كي يستميلهم إلى الإسلام. مع العلم أن محمد كان يجود بما ليس له. فالإبل التي وزعها على المؤلفة قلوبهم لم تكن إبله وإنما إبل قبيلة هوازن الذين غزاهم محمد ونهب إبلهم ونساءهم وأطفالهم. فلو كان محمد قد وزع هذه الإبل على الفقرء، كان من الممكن أن نقول إنه روبن هود العرب الذي يأخذ من الأغنياء ليعطي الفقراء، غير أن روبن هود العرب فعل العكس. وهذه رشوة بكل معاني الكلمة، لأن محمد أعطاهم الإبل ليحصل منهم في المقابل على دخولهم في الإسلام. واستمرت هذه الرشوة حتى ألغاها عمر بن الخطاب، وقال إن الإسلام قد قويت شوكته ولم يعد في حاجة لتأليف القلوب.
والغريب أن القرآن الذي منع الرشوة في الآية المذكوره أعلاه، أباح رشوة المتنفذين والأغنياء وجعل لهم نصيباً من أموال الزكاة مع الفقراء والعبيد (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل) (التوبة 60). فالذين يرفضون الاقتناع برسالة الإسلام، يشترى المسلمون ضمائرهم بالمال إذا كانوا من الأغنياء المتنفذين، أما الفقراء فلا رشوة لهم. (الأديان عموماً جاءت لخدمة الأغنياء). فهاهم شيوخ السعودية يسكنون القصور ويملكون الحسابات المليونية بالبنوك، والإخوان المسلمون لهم شركات في جميع أنحاء العالم يقدر رأس ماله بمئات الملايين من الدولارات، وشيوخ قم وطهران أصبحوا من أغنى رجالات الأعمال، كما فعل نظراؤهم في حكومة ثورة الإنقاذ في السودان. وفي جميع هذه البلاد ازداد الفقراء فقراً.
رجلٌ واحد في تاريخ الإسلام رفض أن يرتشي بالإبل ليعتنق الإسلام، (وهو نصير بن الحارث بن علقمة القرشي، من مسلمة الفتح، ومن حكماء قريش، وقيل إن النبي أعطاه مائة من الإبل من غنائم حنين، يتألفه بذلك. فتوقف في أخذها وقال: لا أرتشي على الإسلام) (تاريخ الإسلام للذهبي، ج2، ص 99). ومحمد قتل النضر بن الحارث، شقيق نصير بن الحارث، بعد موقعة بدر لأن النضر كان رجلاً مثقفاً قد سافر في بلاد فارس والشام وعرف أصل القصص التي كان يقصها محمد على أتباعه.
قصة جُعيل بن سراقة تثبت لنا أن محمداً كان يتجاهل الفقراء الذين يقاتلون في صفوفه، ويرشي الأغنياء الذين لا يحتاجون المال: (جُعال بن سراقة الضمري ويقال: جُعيل، وغيّر النبي إسمه فسمَاهُ عمر. وكان دميمًا قبيح الخلق إلا أنه كان رجلًا صالحًا أسلم قديمًا وشهد أحدًا والمشاهد بعدها وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيرًا إلى المدينة بسلامتهم في غزاة ذات الرقاع، ولما قسّم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائمِ حنين قال سعد بن أبي وقاص: يا رسول اللّه أعطيت الأقرع وعيينة وتركت جُعيلاَ! فقال: ” والذي نفسي بيده لجُعيل خير من طلاع الأرض كلها، مثل عيينة والأقرع، ولكني تألفتهما ليسلما ووكلت جعيل بن سراقة إلى إسلامه ) (المنتظم في التاريخ لابن الجوزي، ج4، ص 136).
وعندما فشل محمد في إقناع عمه “أبو جهل” برسالته الجديدة، عمد إلى الرشوة ليدخله في الإسلام (حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن أبان بن إسحاق عن عبدالله بن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس قال أهدى رسول الله صلى الله عليه و سلم عام الحديبية في هداياه جملا لأبي جهل في رأسه برة من فضة) (تاريخ الطبري، ح2، ص 124).
ولأن محمداً قد استن سنة الرشوة رغم تحذير القرآن، فقد انتشرت الرشوة في جميع محافل الدولة الأموية وكذلك العباسية (وفي سنة 349 بذل القاضي الحسين بن محمد الهاشمي مائتي ألف درهم على أن يُقلد قضاء البصرة، فأخذ منه المال ولم يُقلد. قلت يرحم الله من فعل معه ذلك وخاتله ويرحم من يقتدي بفعله مع كل من يسعى في القضاء بالبذل و البرطيل.) (النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، لجمال الدين بن تغري بردي، ج1، ص 431). فالرشوة كانت معلومة حتى في تعيين القضاة.
والقضاة، منذ فجر الإسلام، اشتهروا بموالاة الحاكم وجمع المال بكل الطرق المتاحة لهم (غضب المتوكل على أحمد بن أبي جاود القاضي وآله وصادرهم وأخذ منهم ستة عشر ألف ألف درهم) (شذرات الذهب للدمشقي، ج2، ص 126). فمن أين لقاضي نزيه أن يجمع ستة عشر مليون درهم؟
وفي سنة 237 للهجرة عزل المتوكل يحيى بن أكثم عن القضاء وأخذ منه مائة ألف دينار وأخذ له من البصرة أربعة آلاف جريب. (النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، ج1، ص 305)
كتب الخليفة المأمون أيام محنة خلق القرآن، إلى إسحق بن إبراهيم الخزاعي، نائبه على بغداد (وأما الفضل بن غانم فأعلمه أنه لم يخف على أمير المؤمنين ما كان منه بمصر وما اكتسب من الأموال في أقل من سنة ” يعني في ولايته القضاء ) (نفس المصدر، ص 270). فالقضاة في صدر الإسلام كانوا مشهورين بأخذ الرشاوى وكنز المال بأسرع وسيلة ممكنة لأن فترة توليهم المنصب غير معروفة، وقد يُعزل القاضي بعد أشهر من توليه المنصب.
يقول المقريزي إن (القادر، الخليفة العباسي، جمع في بغداد مجلساً من القضاة والأشراف والفقهاء وجعلهم يكتبون محضراً يتضمن القدح في نسب الخلفاء الفاطميين ونفيهم من الانتساب لعلي بن أبي طالب. {ففعلوا وأصدروا محضراً بذلك} وكتب نًسخاً من هذا المحضر فسُيرت في الآفاق) (وعاظ السلاطين، علي الوردي، ص 216). فكل هؤلاء المرتشين من قضاة وفقهاء، استجابوا لطلب الخليفة ولم تهمهم الحقيقة بقدر ما كانت تهمهم كروشهم التي كان يملأها لهم الخليفة. وهؤلاء الفقهاء والقضاة هم الذين كان عليهم حفظ تعاليم الدين الإسلامي. ولم يتغير أي شيء في موقف الفقهاء والقضاة منذ بداية الإسلام، فهاهم فقهاء الوهابية يطوعون الدين لمتطلبات آل سعود، والذي يخالف الأوامر يُزاح من منصبه الكبير وربما يفقد قصره المنيف والعقود السخية مع الفضائيات. وفي إيران يفعل القضاة ما يريده النظام ويغلقون الصحف ويسجنون، بل يعدمون من يعارض النظام. وفي السودان هناك هيئة علماء السودان التي لا تعدو أن تكون بوقاً لحكومة الإنقاذ الإسلامية، وتصدر الفتاوى التي تشد من أزر البشير. فهل منكم من رأى أي قاضي شرعي في أي بلد، يبدو عليه الهزال وضعف الجسم، من عدم الأكل الدسم أو من مخافة الله؟
يقال إن معاوية أعطى ذات مرة جماعة من الزعماء كلاً مائة ألف، إلا رجلاً واحداً حيث أعطاه سبعين ألفاً. فاحتج الرجل على هذا التفريق وسأل عن السبب فيه، فأجابه معاوية قائلاً: ” إني اشتريت من القوم دينهم.. ووكلتك إلى دينك” فقال الرجل: ” وأنا فاشتر مني ديني”. ( وعاظ السلاطين، علي الوردي، ص 223)
ورجال الدين منذ فجر الإسلام كانوا، وما زالوا صيادين للفوائد، مثلهم مثل الأمراء والملوك والرؤساء. (في سنة 329 توفي بجكم التركي الأمير أبوالخير، كان أمير الأمراء قبل بني بويه وكان عاقلا يفهم العربية ولا يتكلم بها، بل يتكلم بترجمانه ويقول أخاف أن أتكلم فأخطىء والخطأ من الرئيس قبيح. وكان عاقلا سيوسًا عارفًا يتولى المظالم بنفسه. قال القاضي التنوخي: جاء رجل من الصوفية إلى بجكم فوعظه بالعربية والفارسية حتى أبكاه، فلما خرج قال بجكم لرجل: احمل معك ألف درهم وأدفعها إليه. فأخذها الرجل ولحقه، وأقبل بجكم يقول: ما أظنه يقبلها، فلما عاد الغلام ويده فارغة قال بجكم: أخذها؟ قال نعم. فقال بجكم بالفارسية: كلنا صيادون ولكن الشباك تختلف.) (النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، ص 414).
وبالطبع لم تمت السنة التي سنها محمد في الرشوة بموته، يقول البلاذري (قالت امرأة من بجيلة يقال لها أم كرز: إن أبي هلك وسهمه ثابتٌ في السواد {جنوب العراق}. وإني لن أسلم. فقال لها {عمر}: يا أم كرز! إن قومك قد أجابوا. فقالت له: ما أنا بمسلمة أو تحملنى على ناقة ذلول عليها قطيفة حمراء وتملأ يدي ذهبًا. ففعل عمر ذلك.) (فتوح البلدان للبلاذري، ص 280). فعمر لم يحاول إقناع المرأة بسماحة الإسلام أو بأنه دين السلام، وهي تعلم ما هو لأن أباها قد قتل بسببه، فلجأ عمر إلى الرشوة لإدخالها في الإسلام.
واستمرت الرشوة منذ حياة محمد إلى يومنا هذا، ونخرت قوائم الحكم في جميع الدول الإسلامية منذ دولة المدينة، مروراً بدولة بني أمية، ثم الدولة العباسية، واستفحل أمرها في الخلافة العثمانية، ثم في دول الإسلام الحديثة، الغنية منها والفقيرة، وفتح الحكام والمسؤولون حسابات سرية في بنوك سويسرا التي منعت بناء المآذن، وامتنع أصحاب الحسابات عن التعليق على قرار منع بناء بناء المآذن، خوفاً على أموالهم.
الكذب: علمونا في الصغر أن الصدق منجٍ والكذب حرام، وأن محمداً قد اشتهر بكونه الصادق الأمين. والقرآن مليء بالآيات التي تحض على عدم الكذب، ولكن كالعادة فإن ما يقوله القرآن والأحاديث شيء، وما يفعله نبي الإسلام وأتباعه شيء آخر. ففي الحديث (إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم ودع أذى الخادم، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك، ولا تجعل فطرك وصومك سواء.) (الدر المنثور في التفسير بالمأثور، لجلال الدين السيوطي، تفسير سورة البقرة، الآية 281)، نرى أن محمد كان يعلم أن المسلمين يكذبون في في كل يوم ويؤذون الخادم ويتلفظون بالألفاظ النابية، ولذلك طلب منهم أن يكفوا عن هذه الأشياء في رمضان فقط حتى لا يكون صومهم مثل فطرهم. أما بقية العام فليكذبوا ويزنوا وليؤذوا الخادمين لهم.
والإسلام أباح للمسلم الكذب في عدة مواقع (أخرج البيهقي عن أسماء بنت يزيد قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يصلح الكذب إلا في ثلاث: الرجل يكذب لامرأته لترضى عنه، أو إصلاح بين الناس، أو يكذب في الحرب) (الدر المنثور للسيوطي، ج2، تفسير سورة النساء، الآية 114). وأضافوا كذلك أن الرجل يحل له أن يكذب إذا كان في كذبه منفعة للإسلام والمسلمين. وهذا ما ظل يفعله المسلمون على مر القرون، ومن ثم تبنته جماعة الإخوان المسلمين وبقية الجماعات الإسلامية المنشقة عنها، فأصبحوا يكذبون على المسلمين، وعلى الغربيين المسيحيين، وحتى على أنفسهم.
في سنة 9 هجرية، أراد محمد أن يغزو الروم في تبوك، وكان الفصل صيفاً شديد الحرارة، ولم يكن محمد يملك حتى الطعام لجيشه، فلما دعا للغزوة، اعتذر له أكثر من ثمانين رجلاً وسمح لهم بالتخلف. وعاتبه ربه في القرآن (الذي هو أصلاً من تأليفه) فقال له (عفا الله عنك لِمَ أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين) (التوبة 43). فرب محمد كان يعلم أن جزءاً كبيراً من الذين اعتذروا كانوا كاذبين. وعندما رجع محمد من الغزوة، أتاه حوالي ثمانين رجلاً من المتخلفين وذكروا له كذباً الأسباب التي دعتهم للتخلف، فسامحهم محمد واستغفر لهم. ومحمد وربه كانا يعلمان أنهم كاذبون (لو كان عرضاَ قريباً وسفراً قاصداً لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم أنهم لكاذبون) (التوبة 42).
ثلاثة رجال فقط، هم كعب بن مالك، ومررة بن ربيعة العمري وهلال بن أمية، لم يكذبوا عليه وأخبروه أنهم تخلفوا لعدم رغبتهم في الحرب، فعاقبهم محمد بأن منع المسلمين من التحدث إليهم، وأمر بفراقهم لزوجاتهم. واستمر هذا الوضع لمدة شهرين حتى كاد بعضهم أن ينتحر، ثم أتى محمد بآية قرآنية تعفو عنهم (وعلى الثلاثة الذين خُلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم) (التوبة 118). (انظر تفسير القرطبي للآية). فأين حكمتهم التي تقول إن الصدق منجٍ؟ فكل الذين كذبوا عفا عنهم محمد، رغم أنه كان يعلم أنهم قد كذبوا، وإلهه أخبره أنهم كاذبون، والثلاثة الذين قالوا الصدق عاقبهم محمد ومنع عنهم حتى السلام، وفرقّهم من زوجاتهم.
والكذب بنى وعشعش في المجتمعات الإسلامية منذ أول يوم فيها. فعندما دخل محمد المدينة وأسلمت الأوس والخزرج، بنى محمد مسجده بالمدينة، فبنى مسلمون آخرون مسجداً بقريتهم ودعوا محمداً ليصلي به، فأمر محمد بإحراق ذلك المسجد الذي سماه “مسجد الضرار” وأتى بآية تقول (الذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن أن أردنا إلا الحسنى والله يشهد أنهم لكاذبون) (التوبة 107).
ومساجد الضرار كثرت في الإسلام منذ أيام دولة بني أمية وحتى الآن. كم مسجد استعمله المسلمون الأوائل ليسبوا من على منبره علي بن أبي طالب أو معاوية أو يزيد أو غيره، بمساعدة أئمة الإسلام المنتفعين من موائد معاوية الدسمة. وكم من مسجد بناه المنافقون في البلاد العربية والإسلامية ليزكوا أنفسهم ويزعموا أنهم حريصون على الإسلام، وربهم يعلم أنهم لكاذبون. وكم من مسجد شيعي بناه الشيعة ليفرقوا المسلمين، وكم مسجد سني بناه السنة في البلاد الشيعية لتفريق المسلمين؟ وكم مسجد شيعي دمره مسلمون سنة، والعكس كذلك.
فطوال تاريخ الإسلام كان الكذب والرشاوى ونفاق القضاة ورجالات الدين من العلامات المميزة لذلك التاريخ الطويل. فمتى بدأ عصر الإسلام الذهبي، ومتى انتهى؟ فتحديد هذا العصر مهم للغاية لأن السلفيين والإخوان المسلمين يودون أن يرجعونا لذلك العصر الهلامي الذي يستحيل تعريفه، ولو بالتقريب.
في الحلقة القادمة سوف أتحدث عن الزنى، والحيل الشرعية، والتعذيب في الإسلام