خداع وتنتاقضات القرضاوي 2
كامل النجار
قدم الشيخ القرضاوي حلقة في برامج “الشريعة والحياة” يوم الخميس 10 أبريل 2008، عنوانها “معنى التسامح وملامحه في الإسلام”. وبعد أن شرح الشيخ معنى كلمة “تسامح” من الناحية اللغوية، قال (كلمة التسامح قلما عرفت بهذا المعنى عند الأقدمين فهي من المصطلحات المحدثة التي شاعت في ظلال الثقافة العربية الحديثة، وتعني التساهل مع المخالف، الرفق مع المخالف، عدم التشدد مع من يخالفه. لا يحمل هذا المعنى أي معنى أنك بتمن على الآخر، لا، هذه في معاني بطبيعتها لما تقول البر، لما تبر بالآخرين يعني معناها تمد يد المعونة وكذا، هذا ليس معناه أنك تمنن عليه، هذا المن يفسد البر كما قال تعالى {..لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى..}[البقرة:264]) انتهى.
ليت الشيخ يبين لنا متى شاع مصطلح التسامح في الثقافة العربية الحديثة، ومن هم الذين أشاعوه. هل هم خطباء المساجد الذين يلعنون اليهود والنصارى في كل بلد إسلامي وفي كل خطبة ويسألون الله أن يقطع دابرهم وينصر المسلمين عليهم؟ هل هم الحكام المسلمون الذين برعوا في تعذيب وقتل المخالف لهم؟ أم هم وعاظ الوهابية الذين كتبوا عدة كُتب في شتم الشيخ القرضاوي نفسه وسموه “الكاذب العاوي يوسف القرضاوي”؟ وغريب أن يسارع الشيخ بإنكار المن في تعامل المسلمين مع غيرهم. فالمسلمون يعتبرون أي شيء يقدمونه للآخر تنازلاً وكرماً من جانبهم يمنون به على الآخر. حتى حوارهم الشكلي مع بابا الفاتيكان يعتبرونه مناً منهم على البابا ولذلك علقوا الحوار عندما ألقى البابا محاضرته المشهورة في ألمانيا، كأنما البابا هو الوحيد المستفيد من مثل هذا الحوار. وليس غريباً أن يمن المسلمون على الآخر لأن القرآن يخبرهم أن الله نفسه قد منّ على العرب، فقال لنبيه (يمنون عليك أن اسلموا قل لا تمنوا عليّ إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان) (الحجرات 17). وقال كذلك (قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر ولكن الله يمن على من يشاء من عباده) (إبراهيم 11). فالمن ليس غريباً على المسلمين.
وكان لابد للشيخ أن يذكر المقولة المحفوظة (لأن الإسلام كما شرحنا دائما هو دين الاعتدال والوسطية والتوازن، لا يحب الغلو ولا التفريط يعني، ولذلك كان السلف يقولون ديننا هذا بين الغالي فيه والجافي عنه) ثم أردف في شرح هذا الاعتدال وقال (وحينما بعث {الرسول} معاذ بن جبل وأبا موسى الأشعري إلى اليمن أوصاهما بهذه الوصية الجامعة، قال: “يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا وتطاوعا ولا تختلفا”، وحينما دخل أحد الأعراب وأراد أن يبول في المسجد، أعرابي جاي من البادية لم يتهذب بآداب الإسلام الجديدة، والمسجد لم يكن مفروشا بالحصير ولا بالسجاد، بالحصباء، فبدأ يبول هاج عليه الصحابة، فالنبي عليه الصلاة والسلام قال لهم “لا تزرموه” لا تقطعوا عليه بولته “وصبوا عليه ذنوبا من ماء فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين”. فاتهام الإسلام بأنه دين التشدد أو دين التطرف هذا لا أصل له في تعاليم الإسلام، في نصوص الإسلام، في قواعد الإسلام، إنما وجد من بعض المسلمين للأسف في سائر العصور وخصوصا في عصرنا هذا وجد من المسلمين من يتسم بالتشدد ومن يتسم بالتطرف وبالغلو، وهذا يقاومه دائما أهل العلم) انتهى.
أولاً: قصة معاذ هي أبعد شيء عن التسامح، فكما روى البغدادي في تاريخه (وجاء معاذ وعند ابى موسى رجل، فقال هذا كان كافر اسلم ثم ارتد، فقال معاذ: لا انزل ولا اجلس حتى يُقتل. قال فقتل) (تاريخ بغداد للبغدادي، ج3، ص 97). فمعاذ الذي بعثه رسول الله إلى اليمن وأوصاه أن يتسامح ولا يُعسر، رفض أن ينزل من على حماره حتى يُقتل الرجل الذي زعموا أنه قد ارتد، دون أن يسأل معاذ الرجل ويتأكد بنفسه أنه ارتد، ودون أن يحاول إقناع الرجل بالتوبة، إن كان فعلاً قد ارتد. فهل هذا هو التسامح الذي يتحدث عنه الشيخ؟ أما كون النبي قد سمح للأعرابي أن يبول في المسجد فلا يعني هذا أن الإسلام دين تسامح إنما يعني أن الدعوة كانت في أولها وكان الرسول يأمل في أن يكسب ذلك الأعرابي فيدخل في الإسلام، ولذلك تهاون معه. وحينما استقر الأمر للإسلام منع النبي المسلمين من دخول المسجد حتى بأحذيتهم، ناهيك عن البول فيه. ثم أن النبي كان يصطحب الحسن والحسين إلى المسجد وهما صغيران وكانا يبولان عليه وفي المسجد. ولا فرق بين بولهما وبول الأعرابي. والإسلام يبيح الصلاة في معاطن الإبل، أي في الأماكن التي تستريح وتبول وتُبعّر فيها الإبل. فما الفرق بين بول الإبل وبول الرجل العربي؟ ونشكر للشيخ أنه اعترف أن هناك بعض المتشددين في الإسلام. ولكن في الحقيقة فإن الإسلام نفسه مبني على التشدد. والشيخ يناقض الواقع عندما يقول إن أهل العلم يقاومون التطرف. من هم أهل العلم الذين قاموا التطرف. هل يقصد ابن تيمية أو ابن قيم الجوزية أو الشيخ محمد بن عبد الوهاب أو الشيخ بن باز أم سلمان العودة أو الإمام أحمد بن حنبل؟ التطرف ليس حديثاً في الإسلام ولا غريباً عنه.
وفي مجافاة واضحة للواقع يقول الشيخ (. فالفقه الإسلامي والشريعة الإسلامية والقواعد الإسلامية تسع الحياة وتجعل الحياة ميسرة لا معسرة) انتهى. الفقه الإسلامي الذي يجعل المرأة كلها عورة ويمنعها من الخروج من بيت زوجها إلا إلى قبرها، ويزوجها دون مشورتها وهي طفلة، ويمنحها نفقة ثلاثة أشهر فقط بعد طلاقها ويحرمها من أطفالها، ويبيح امتلاك وبيع العبيد وسبي النساء والأطفال، ويمنع الموسيقى والغناء، ويقول: اللهم قنا شر علم لا ينفع، ويقول إن خير العلوم هو علم الشريعة، مما قاد إلى تخلف المسلمين على مر العصور، هل هذا الفقه جعل الحياة ميسرة على المسلمين، ناهيك عن غير المسلم الذي فرض عليه الإسلام إعطاء الجزية عن يدٍ وهم صاغرون، ومنعهم من الاستفادة من أموال الزكاة رغم أنه يجبي منهم الجزية والخراج؟ لا تناقضوا الواقع أيها الشيخ. فالخداع ما عاد ينطلي على الناس.
وعندما سأل مقدم البرمج الشيخ قائلاً (انطلاقا من ذلك فضيلة الدكتور، هل ترون أننا اليوم بحاجة إلى إشاعة ثقافة التسامح بين الناس؟) رد عليه الشيخ بقوله (نحن أحوج ما نكون إلى إشاعة هذه الثقافة. نريد أن تتسع الصدور لمن يخالفنا، لا نريد أن نضيق ذرعا بمن يخالفنا، نفتح له صدورنا، نرطب له ألسنتنا، نحاوره بالتي هي أحسن، ندعوه بالحكمة والموعظة الحسنة، ندعوه بالحب .. ثقافة الحب لا الكراهية، ثقافة الحوار لا الصدام، ثقافة التقارب لا التباعد، كل هذا يحث عليه الإسلام وفيه نصوص وفيرة من القرآن ومن السنة وفي من تراث السلف الكثير والكثير) انتهى.
لله درك أيها الشيخ. ما دام الإسلام يحث على تلك الصفات والقرآن مليء بالنصوص التي تحث عليها، لماذا نحن أحوج ما نكون إلى إشاعة هذه الثقافة الآن وبعد مرور ألف وأربعمائة عام من ظهور الإسلام؟ ألم تكن كل هذه القرون كافية لإشاعة هذه الثقافة بين المسلمين لو كان القرآن مليئاً بنصوص التسامح؟ والشيخ هنا يدخل في تناقض عجيب، إذ أنه أرغى وأزبد وغضب وخرج من مؤتمر حوار المذاهب الذي عُقد في الدوحة في يناير 2007 للحوار بين السنة والشيعة لطي صفحة الخلاف بينهما. وسبب غضب الشيخ هو أن الشيعة لم يلتزموا بوقف التبشير في البلاد السنية. وقد حدا هياجه وغضبه بالشيخ محمد باقر المهري، وكيل المرجعيات الشيعية في الكويت إلى دعوة «اتحاد العلماء المسلمين» إلى عزل رئيسه، لأنه متشنج وغير متزن ويخضع لتأثير جماعات غسلت مخه، ويجب على من يشغل هذا المنصب أن يمثل الجميع، لا أن يحرض الحكومات ضد طائفة لمصلحة أخرى (الشرق الأوسط 26/1/2007). فإذا كان شيخ الوسطية يهيج ويرغي ويزبد ويطالب الشيعة بوقف التبشير في بلاد السنة، فماذا نتوقع من شيوخ الوهابية الذين يكفرّون الشيعة؟ وماذا نتوقع من المسلم العادي الأمي الذي لا يعرف من الإسلام إلا ما يراه ويسمعه من الشيوخ، مثل الشيخ القرضاوي؟ ومع ذلك يقول الشيخ: نفتح صدورنا لمن يخالفنا ونجادلهم بالتي هي أحسن. وفي تناقض واضح لهذه المقولة، ومما يُثبت أن الإسلاميين يقولون شيئاً ويفعلون ضده، قاطع الشيخ القرضاوي مؤتمر الأديان الذي عُقد بالدوحة في يونيو 2005 للحوار بين الأديان الثلاثة، احتجاجاً على مشاركة حاخامات من إسرائيل) (إيلاف 29/6/2005). وياله من فتح للصدور ومجادلة بالتي هي أحسن.
وعندما سأل مقدم البرامج الشيخ، قائلاً (لعل القرآن الكريم كما ذكرتم فضيلة الدكتور أبرز مصادر ثقافة هذا التسامح. ما هي أبرز ملامح التسامح، كيف تتجلى في القرآن الكريم)؟ رد عليه الشيخ بقوله (ملامح كثيرة جدا أبرزها الدعوة إلى الحوار، القرآن كله كتاب حوار، حوار بين الأنبياء وأقوامهم، حوار بين الله وعباده، حتى ربنا حاور الملائكة {..إني جاعل في الأرض خليفة ..}[البقرة:30]، حتى حاور إبليس يعني قال لإبليس {..ما منعك أن تسجد..}[ص:75] لآدم، {قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين، قال فاخرج منها فإنك رجيم) انتهى.
ياله من حوار يتعلم منه المسلمون آداب الحوار. الله حاور الملائكة بأن قال لهم: إني جاعل في الأرض خليفة. فلما قالوا له: أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء؟ رد عليهم بقوله: إني أعلم ما لا تعلمون. وكانت هذه نهاية الحوار. بمعنى آخر، قال لهم أنتم جهلاء لا تعلمون ما أعلم. ولذلك نسمع الإسلاميين يصفون كل من يحاورهم بأنه جاهل. حتى الشيخ نفسه وصف الدكتورة وفاء سلطان بالجهل، وهي لم تكن تحاوره شخصياً. وأما حوار الله مع إبليس كان كالآتي: لماذا لم تسجد لآدم عندما أمرتك؟ أجاب إبليس: أنا أحسن منه. خلقته من طين وخلقتني من نار. فرد عليه الله: أخرج من الجنة فإنك رجيم. انتهى الحوار. ياللتسامح ورحابة الصدر. إنها لغة العاطفة التي يخدع بها الشيخ البسطاء من الناس الذين يترنحون مع حركات يديه. ولكن كلام الشيخ يخلو من الحقائق.
ثم ينتقل الشيخ إلى مسألة التعدد العقدي والمذهبي، فيقول (وقلنا إن التعدد الديني واقع بمشيئة الله فمن يريد إلغاء التعدد الديني أو الاختلاف الديني كأنما يضاد مشيئة الله عز وجل التي أرادت للناس أن يكونوا مختلفين {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين، إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ..}[هود:118-119]، {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين..}[يونس:99]، فهذا التعدد الديني واقع بمشيئة، ولذلك ربنا، ورغم كل هذا الاختلاف والتعدد لم يحاسب الناس عليه في الدنيا، يحاسب الناس عليه في الآخرة) انتهى.
ألا يناقض الشيخ نفسه هنا؟ يقول إن التعدد الديني والمذهبي هو مشيئة الله ومن يعارضه يعارض مشيئة الله، ثم يمنع الشيعة من التبشير بمذهبهم، ولا يعترف بالبهائية ويشترك مع بقية المسلمين في القول بأن اليهود أحفاد القردة والخنازير؟ وأشك أن القرضاوي يعتبر الشيعة من المسلمين، فالشيخ القرضاوي هو رئيس اتحاد العلماء المسلمين، ولو كان يعتبر الشيعة مسلمين، فهو رئيسهم ولا يجوز أن يمنعهم من التبشير، لأن رئيس الاتحاد لا يمنع أعضاء الاتحاد من ممارسة ما يمارسه هو. والقرآن يقول (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) ونحن نقول للقرضاوي: أفأنت تكره الناس حتى يكونوا سنيين؟ وماذا عن حاخامات اليهود الذين قاطع من أجلهم مؤتمر الدوحة للحوار؟ أليس دينهم بمشيئة الله؟
وعندما سأل مقدم البرامج الشيخ القرضاوي قائلاً (ذكرتم أن الاختلاف هو بمشيئة الله عز وجل وأنه نظريا، الخلاف رحمة. هل يعني التسامح الإبقاء على الخلاف دون معالجته؟) رد الشيخ (لا، لا مانع أن نعالج الخلاف ولكن المهم أن نقر بأن الخلاف لا بد واقع، نحن عالجنا هذا في حلقة سابقة وقلنا الاختلاف واقع، وهذ الاختلاف رحمة، الاختلاف ضرورة ورحمة وسعة، الاختلاف ضرورة، ضرورة دينية وضرورة لغوية وضرورة بشرية وضرورة كونية لأن ربنا خلق الكون {..مختلفا ألوانه..}[النحل:13]) انتهى.
وما دام الاختلاف ضرورة إلهية ورحمة للناس، لماذا لا يعترف الشيخ بالشيعة وبالبهائية والهندوسية والزرادشتية والبوذية والمانية والأيزدية والدرزية، وفوق كل ذلك بالمسيحية التي يسميها “النصرانية” وباليهودية. أيكفي أن نعترف بعيسى وموسى كأنبياء ثم نقول إن كتبهم محرّفة وهم أحفاد القردة والخنازير وهم الضالون؟ أيكفي أن نعترف بموسى وعيسى ثم نقول إن آخر الأنبياء قال (لا يجتمع في جزيرة العرب دينان) ونمنع بناء الكنائس والمعابد بالجزيرة العربية، مع أن الشيخ يقول إن الاختلاف والتعددية ضرورة إلهية ورحمة؟ أم أنها سياسة التحدث بلسانين؟
وعندما تعرض مقدم البرامج للعنف وقال (بالعودة إلى القرآن الكريم وأنه من أهم مصادر ثقافة التسامح في الإسلام، هناك بعض الآيات يفهم منها بعض المعادين للإسلام أنها تحض على العنف. هل في القرآن ما يحمل على العنف فضيلة الدكتور؟) رد الشيخ بالآتي: (بعضهم يقول في آية اسمها آية السيف زعموا أن دي آية السيف دي يعني نسخت 140 آية أو 200 آية أو كلام من ده، وحتى هذه الآية للأسف لم يحددوا أي آية هي، قولوا لنا آية السيف إيه؟ اختلفوا فيها ومعظم الآيات، أربع آيات ذكروها، لما تيجي تحللها لا تجد أنها آية سيف، أشهر الآيات هذه التي جاءت في الآية الخامسة من سورة التوبة {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد ..}[التوبة:5]، المشركون دول اللي هم أهل مكة الذين تعدوا الحدود ونقضوا العهود وفعلوا الأفاعيل بالمسلمين ثلاثة عشر عاما في مكة، ساموهم سوء العذاب وأخرجوهم من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله.. وثمانية سنين، تسعة سنين في المدينة صدام مسلح دامي حرب مستمرة، وغزوا المسلمين في عقر دارهم مرتين أرادوا أن يستأصلوهم في غزوة أحد وغزوة الخندق، فهؤلاء الآية دي نزلت فيهم.. ربنا مع هذا أعطاهم مهلة أربعة أشهر قال {فإذا انسلخ الأشهر الحرم..} الأربعة الأشهر دي خلاص ما عادش لهم خيار {..خذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد..}) انتهى.
قد برع الشيخ في اللف والدوران. كل المفسرين من أمثال ابن كثير والقرطبي والطبري والجلالين قالوا إن الآية الخامسة من سورة التوبة هي آية السيف لأنها أمرت المسلمين أن يقتلوا المشركين أينما وجدوهم بعد انتهاء الأشهر الحرم. ولأن كلمة السيف لم تذكر في الآية حاول الشيخ أن ينكر وجودها. فهلا أخبرنا الشيخ بماذا أمرهم الله أن يقتلوا المشركين؟ هل أمرهم أن يقتلوا المشركين بالزهور والعطور؟ المفسرون سموها آية السيف لأن القتل وقتها كان بالسيف. وأغلبهم اتفق على أنها نسخت أكثر من 120 آية تسامح من القرآن المكي عندما كان محمد ضعيفاً ولا جيش له، ولذلك تسامح. يقول هبة الله ابن سلامة البغدادي (ت 410 هجرية) في هذه الآية (هذه الآية الناسخة، وذلك أنها نسخت من القرآن مائة آية، وأربعاً وعشرين آية) (الناسخ والمنسوخ لهبة الله بن سلامة البغدادي، ص 128). ونفس القول نجده في “البرهان في علوم القرآن” للإمام بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي، ج2، ص 40) أما قوله إن أهل مكة نقضوا العهود وفعلوا الأفاعيل، فقول لا سند له. هلا ذكر لنا العهود التي نقضوها؟ وما موقعة أحُد إلا ثأر لموقعة بدر التي هاجم فيها المسلمون قوافل مكة التجارية وقطعوا عليها الطريق. وإذا أراد الشيخ أن نعدد له الآيات القرآنية التي تحض على القتل وضرب الرقاب فإن ذلك من أسهل الأمور، ولكن يكفي أن نذكر له الآية الرابعة من سورة محمد (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فأما مناً بعد ذلك وأما فداء). يقول القرطبي في شرح هذه الآية (قال الزجاج: أي اضربوا الرقاب ضرباً. وخص الرقاب بالذكر لأن القتل أكثر ما يكون بها …. وقال: “فضرب الرقاب” ولم يقل فاقتلوهم، لأن في العبارة بضرب الرقاب من الغلظة والشدة ما ليس في لفظ القتل لما فيه من تصوير القتل بأشنع صوره وهو حز العنق وإطارة العضو الذي هو رأس البدن). هل يكفي الشيخ هذا الوصف الجميل لعملية قتل الكفار الذي يدل على تسامح الإسلام؟
ويقتصد الشيخ في الحقيقة اقتصادا واضحاً عندما يقول ({وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ..}[البقرة:193] حتى لا يفتن أحد عن دينه، لأنه هم كانوا يصادرون من يدخل في الإسلام ويعذبونه العذاب الشديد ويصبون عليه سياط الأذى والتعذيب، فيقول لا، لازم يترك الناس أحرارا {.. حتى لا تكون فتنة..) انتهى.
أولاً: الشيخ بتر الآية التي تقول (وقالتوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله). والدين عند الله هو الإسلام، كما هو معروف للجميع بحكم الآية (إنما الدين عند الله الإسلام) وكذلك (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين). ثانياً: يقول ابن كثير في شرحه للآية (ثم أمر الله بقتال الكفار “حتى لا تكون فتنة” أي شرك، قاله ابن عباس وأبو العالية ومجاهد والحسن وقتادة والربيع ومقاتل بن حيان والسدي وزيد بن أسلم. “ويكون الدين لله” أي يكون دين الله هو الظاهر العالي على سائر الأديان كما ثبت في الصحيحين – أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله”) فالشيخ القرضاوي أمام أمرين هنا: أما أنه يؤمن بما جاء في الصحيحين من أن النبي أمِرَ أن يقاتل الناس حتى يسلموا، وبالتالي تكون آية السيف صحيحة كما قال جميع المفسرين، أو أنه لا يصدق الأحاديث ويعتمد فقط على القرآن، ويكون قد أنكر السنة، وبالتالي فهو مرتد، حسب رأي فقهاء الإسلام. وحتى بدون الأحاديث، الآية هنا واضحة في عنفها. قالتوهم حتى يكون الإسلام هو الأعلى على جميع الأديان. يعني ناقضت هذه الآية قول الشيخ من أن التعددية والاختلاف ضرورة إلهية.
وفي نفاق يعلو ولا يُعلى عليه، يقول الشيخ (هناك دستور أخلاقي للحرب في الإسلام، دستور لا يقاتَل إلا من يقاتِل، لما وجد النبي امرأة مقتولة في.. غضب وأنكر ونهى عن قتل النساء والصبيان قال “لا تقتلوا امرأة ولا وليدا” طفل، لما تقارن بين هذا وبين ما جاء في التوراة، لا تستبقوا نسمة حية، تعاليم التوراة. بيقول لك “لا تقتلوا امرأة ولا وليد” ولا تقتلوا الرهبان في الصوامع ولا تقتلوا الحراث في أرضهم ولا تقتلوا التجار في متاجرهم، وبعدين نهى عن المُثلة لا يجوز أنه يُمَثل بالشخص بعد أن يموت يشوهه، حرم الإسلام هذا، حينما جاء لأبي بكر برأس واحد من قادة الفرس غضب فتح منديل كده وجد رأس، قال ما هذا؟ قالوا يا خليفة رسول الله إنهم يفعلون بنا ذلك، قال آتستاسون بفارس والروم؟! لا يحمل إلي رأس بعد اليوم، لا تحملوا هذه الجيف إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم) انتهى.
أي دستور أخلاقي يتحدث عنه الشيخ؟ هل الذي يأمر بقتل النساء في السلم يتورع عن قتلهن في الحرب؟ من الذي أمر بقتل الشاعرة عصماء بنت مروان وهي ترضع طفلها؟ من الذي قال للمسلم الأعمى الذي قتل المرأة اليهودية التي كانت تٌحسن إليه “لا ينتطح فيها عنزان”؟ (الصارم المسلول في شاتم الرسول لابن تيمية، ج1، ص 50). من الذي أمر بقتل أم قرفة؟ (تاريخ الطبري، ج2، ص126). من الذي قتل زوجة حسن القريظي لأنها رمت بحجر يوم قتل جميع رجال بني قريطة؟ من الذي أمر بقتل أطفال بني قريظة الذين بدأ الشعر ينبت في عاناتهم؟ (نفس المصدر). وقد جمع الواقدي عن شيوخه أسماء من لم يؤمّن يوم فتح مكة وأمر الرسول بقتله وإن وجدوه متعلقاً بأستار الكعبة، وكانوا عشرة أنفس ستة رجال وأربع نسوة. فالذي يأمر بقتل أربعة نسوة لأنهن هجونه بالشعر أو الغناء لن يتورع عن قتلهن في الحروب. والفقهاء قد أجازوا قتل أطفال ونساء الكفار، يقول ابن قيم الجوزية في الفوائد الفقهية المستنتجة من غزوة ثقيف التي رمى فيها النبي أهل ثقيف بالمنجنيق (و منها جواز نصب المنجنيق على الكفار، ورميهم به وإن أفضى إلى قتل مَن لم يُقاتل مِن النساء والذُرِّية) (زاد المعاد، ج3، ص 272). يقول مالك في المدونة (عن الليث بن سعد وعميرة بن أبى ناجية ويحيى بن أيوب عن يحيى بن سعيد أنه قال لا بأس باتبغاء عورة العدو بالليل والنهار لان دعوة الاسلام قد بلغتهم وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى خيبر فقتلوا أميرهم ابن أبى الحقيق غيلة والى صاحب بنى لحيان من قتله غيلة وبعث نفرا فقتلوا آخرين إلى جانب المدينة من اليهود منهم ابن الاشرف) (المدونة ج3، ص 3). فهل الذي يغتال الناس غيلةً يتورع عن قتل نسائهم وأطفالهم في الحرب؟ وإذا كان الإسلام يمنع قتل النساء والصبيان، لماذا أباح فقهاء الإسلام قتل المسلمين الذين يتترس بهم العدو، حتى إن كانوا نساءً وأطفالاً؟ أما ماقاله أبو بكر يوم حملوا له رأس القائد الفارسي، فلا يبرهن على كرهه لقطع رؤوس الأعداء، فهو لم يقل: لا تقطعوا رؤوس الأعداء. وإنما قال (لا يُحمل إليّ رأس بعد اليوم، لا تحملوا هذه الجيف إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم). فهو لم يحترم رأس العدو القائد، فقال عنه “جيفة”، ولم يقل لا نريد أن نرى رؤوسهم مقطوعة، وإنما قال: لا تحملوها إلى مدينة الرسول. ويمكن لهم أن يحملوها إلى مدن أخرى، كما أثبت تاريخ الدولة العباسية الذي شهد مئات الآلاف من الرؤوس المقطوعة يطاف بها في المدن
سأل مقدم البرامج الشيخ ( ربما هذا يقودنا إلى سؤال فضيلة الدكتور، يعني التسامح مع من يكون، بين من ومن؟ وحول ماذا يكون هذا التسامح؟”.) فرد الشيخ (التسامح يكون بين المتخالفين في العقيدة بين المسلمين والنصارى، وفي المذهب بين السنة والشيعة، وفي الأيديولوجيات بين القوميين والإسلاميين، وفي العرقيات بين العرب والبربر”.) انتهى
يصدر هذا الكلام من شيخ غضب وأزبد وأرغى وخرج من مؤتمر الحوار بين السنة والشيعة. يا للتناقض ومحاولة تجميل صورة الإسلام بالكذب والنفاق. وأخيراً نقول للشيخ القرضاوي: هل يُصلح العطار ما أفسد الدهرُ؟