خداع وتناقضات القرضاوي 1
كامل النجار
الشيخ القرضاوي يستغل جهل العامة بالقرآن والسنة وبتاريخ الإسلام الدموي ليبيع لهم الادعاء بأنه من شيوخ الوسطية وبأن الإسلام دين السلام، وكلا الادعاءين كذب. وقد قال أحد الحكماء: تستطيع أن تخدع كل الناس بعض الوقت، وبعض الناس كل الوقت ولكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت. والمخادع دائماً يكذب ويُدخل نفسه في تناقضات تكشف أمره. وخداع وتناقضات الشيخ القرضاوي أكثر من أن نشملها في مقال واحد، ولذلك أخترت واحدة من محاضراته لهذا المقال، وإحدى حلقات “الشريعة والحياة” لمقال آخر، لأبين نوعية الخداع الذي يتفوق فيه الشيخ القرضاوي على بقية الشيوخ
فإذا أخذنا مثلاً محاضرته عن “النفس المعصومة” بتاريخ 23 ديسمبر 2007، نجد أن المحاضرة كلها تناقضات والتفاف حول الحقائق. حتى عنوان المحاضرة يتناقض مع محتواها. فالعنوان يقول “النفس المعصومة” ونفهم منه أن النفس المعصومة هي نفس كل إنسان، بصرف النظر عن معتقداته الدينية أو إثنيته أو لونه أو حجمه. ولكن الشيخ عندما يتحدث عن النفس يقصد فقط نفس المسلم، كما بدا واضحاً من الأحاديث التي أوردها. فهو يقول (حرَّم الله سبحانه الدماء والأموال والأعراض، وأكَّد رسول الله صلى الله عليه وسلم، حرمة هذه الثلاثة، في حَجَّة الوداع، على ملأ من المسلمين، حيث يسمعه عشرات الألوف، في هذه البلد الحرام، وفي اليوم الحرام، قال لهم: “إن الله حرَّم عليكم دماءكم وأعراضكم وأموالكم؛ كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا”، وقال: “كُلُّ المسلم على المسلم حرام، دمه وعرضه وماله”) انتهى.
أولاً: الشيخ مغرم بالمبالغة، فهو يقول إن خطبة النبي سمعها عشرات الألوف ولكنه لم يقل لنا كيف أسمع النبي خطبته لعشرات الألوف يوم حجة الوداع، هل كان لديه مايكرفون كالذي يستعمله الشيخ في محاضراته ليُسمع العشرات، وليس الألوف؟ فالمتحدث الذي يقف على صندوق خشبي بركن “هايد بارك” بلندن، بالكاد يسمع حديثه خمسون أو ستون شخصاً من مجموع الناس المتجمهرين حوله، بينما يكتفي الباقون بتفسير حركات الأيدي وربما قراءة الشفاة. وربما يكون هذا من أحد أسباب اختلاف الأحاديث المحمدية. فالذين كانوا بالقرب من النبي سمعوه، أما عشرات الالوف الذين كانوا حول الكعبة يوم حجة الوداع لم يسمعوا منه مباشرة لبعدهم عنه وإنما سمعوا عن من سمعه، أو عن، عن، عن من سمعه. ولا يستطيع أحد أن ينقل خطبة كاملة لغيره من الناس. ومن هنا بدأ الاختلاف في ما قاله النبي لأن الأقوال تتغير مع عدد ناقلي القول. ثانياً: أن الأحاديث التي أوردها الشيخ تتحدث فقط عن النفس المسلمة، فنفس الكافر غير معصومة في الإسلام. فعنوان المحاضرة لا ينم عن محتواها.
ويستمر الشيخ فيقول (ولهذا قال عليه الصلاة والسلام في حديث آخر: “لو أن أهل السماوات وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبَّهم الله في النار”) انتهى. فإذاً نفس المسلم فقط هي المعصومة والتي من الممكن أن يُلقي الله كل البشرية في النار من أجلها. ولكن الشيخ يناقض نفسه ويقول لنا (ذلك أن هذا الإنسان بُنيان الله تعالى، ولا يحق لأحد أن يَهْدم هذا البناء، إلا صاحبه وبانيه، وهو الله عز وجل) انتهى. ونفهم من هذه الجملة شيئين: أما أن كل الناس هم بنيان الله وبالتالي أنفسهم معصومة، أو أن الكافر ليس إنساناً، فالإنسان هو المؤمن فقط حسب الأحاديث. فمن يا تُرى بنى نفس الإنسان الكافر؟ فيبدو من كلام الشيخ أن الله لم يبنِ إلا النفس المسلمة ولذلك جعلها معصومة.
ويحاول الشيخ أن يستدرك هنا فيقول (لقد حرَّم الله هذه الدماء، وجعل لها هذه المنزلة، وحرَّمها في سائر شرائعه، وفي كافة رسالاته ودياناته: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} [المائدة:32].) انتهى.
فشريعة بني إسرائيل كانت أكثر إنسانية من شريعة الإسلام، لأن الله كتب على بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير حق فكأنما قتل الناس جميعاً ولم تُعرّف النفس بأي هوية أو معتقد أو لون أو أيدولوجية، بينما شريعة الإسلام تُعرّف النفس بالنفس المؤمنة فقط. وحتى النفس المؤمنة نفسها أدخل عليها الفقهاء شروطاً سوف نتعرض لها لاحقاً.
وتظهر محاولة الخداع في هذه الجملة (لا يجوز أن تُقتل نفس بغير حق … أي نفس معصومة، صغيرة كانت أو كبيرة، نفس غني أو نفس فقير، نفس أمير أو نفس خفير … كل نفس، حرَّم الله قتلها ما دامت غير معتدية بالكفر أو بالظلم، {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الأنعام:151].) انتهى.
يقول الشيخ (أي نفس معصومة، صغيرة كانت أو كبيرة. كل نفس حرّم الله قتلها ما دامت غير معتدية بالكفر) فإذاً أي كافر يُعتبر معتدياً على الإسلام بكونه كافراً لم يؤمن بمحمد، ولذلك يُباح دمه، ونفسه غير معصومة كنفوس المؤمنين. فالشيخ حاول التمويه عن هذه الحقيقة وبدل أن يقول إن نفس الكافر غير معصومة، قال إن كل نفس معصومة ما دامت غير معتدية بالكفر.
يقول الشيخ إن الإسلام يبيح القتل في ثلاث حالات فقط: الحالة الأولى ( الزاني المُحصَن المُتزوِّج، فمن زنى وهو مُتزوِّج بعد أن عرَف الطريق إلى الحلال الطيب، وعرَف نعمة الله عليه بالزوجية، ونعمة الله عليه بظلِّ الأسرة يظلِّله، بعد أن عرَف ذلك، ثم خان زوجته، أو عرَفت المرأة ذلك، ثم خانت زوجها؛ مَن فعل ذلك فقد استحقَّ الموت) انتهى.
ولم يذكر الشيخ للمستمعين أنه شارك في مؤتمر فقهاء الإسلام بمكة والذي أباح زواج المسيار وزواج الفرند الذي اقترحه الشيخ اليمني الزنداني وغيره من أنواع الزواج المؤقت الذي هو نوع من الدعارة المقننة. فالرجل المتزوج يدفع لامرأة أخرى مبلغاً من المال ويتفق معها على أن تظل ببيت أهلها ويأتي هو لها مرة أو مرتين بالأسبوع ليمارس معها الجنس ثم يذهب إلى زوجته، ولا حق لهذه المرأة الأخرى عليه. إذا لم تكن هذه دعارة وخيانة للزوجة، فما هي الدعارة وما هي الخيانة الزوجية؟ هل أوصى الشيخ برجم هؤلاء المسلمين؟
وفي محاولة لإضفاء الشرعية على ما يقوله الشيخ، أتى لمستمعيه بقصص وهمية من التراث فقال (رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، رجلاً اسمه ماعز، ورجم امرأة من غامد تعرف بالغامدية، ورجم يهوديين، وأمر أحد أصحابه -واسمه- أُنيس أن يرجم امرأة زنت وهي متزوجة -إذا اعترفت بذلك- فاعترفت فرجمها) انتهى.
هل ممكن أن تقبل أي محكمة في الدنيا بمثل هذه الشهادات؟ رجم الرسول رجلاً اسمه ماعز. هل أتى ماعز هذا من لا شيء. ألم يكن له أهل وأب وقبيلة فيعرّفونه بها؟ ومتى زنى هذا الماعز وفي أي بلدة وماذا حدث للمرأة التي زنى بها؟ وإذا كانت هذه أول حالة يأمر النبي فيها بالرجم، ألا نتوقع أن يؤرخ لها المسلمون وقتها ويذكروا لنا تفاصيلها كاملة، فهم قد أرخوا وذكروا حتى أسماء حمير وسيوف النبي، أيكون السيف أهم من اسم أول امرأة رجمها النبي؟ ثم هل يُعقل أن يأتي اليهود للنبي ليحكم لهم على المرأة والرجل الذين زنيا، وعندهم التوراة وهي أقدم رسالة سماوية مكتوبة؟ والقرآن نفسه يقول (إنا أنزلنا التورات فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار) (المائدة 44). فأحبار اليهود يحكمون بتوراتهم التي بها حكم الرجم للزاني. وكيف يأتي اليهود للنبي ليحكم بينهم وهم لم يصدقوا أنه رسول؟ وكذلك يقول ابن رشد القرطبي في قصة الرجم (وكذلك ما خرّج أهل الصحاح عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني أنهما قالا “إن رجلا من الأعراب أتى النبي عليه الصلاة والسلام قال: يا رسول الله أنشدك الله إلا قضيت لي بكتاب الله، فقال الخصم وهو أفقه منه: نعم اقض بيننا بكتاب الله وائذن لي أن أتكلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: قل، قال: إن ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته، وإني أّخْبرت أن على ابني الرجم فافتديته بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبروني أنما على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأن على امرأة هذا الرجم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله: أما الوليدة والغنم فرد عليك، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها، فغدا عليها أنيس فاعترفت، فأمر النبي عليه الصلاة والسلام بها فرجمت) (بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ج2، ص 852). ويكفي أن الحديث رواه أبو هريرة. فالنبي هنا لم يحكم بكتاب الله وإنما حكم بما قاله الإعرابي له. فكتاب الله يقول بجلد الزانية مائة جلدة. ثم من هم أهل العلم الذين قالوا له إنّ على ابنه جلد مائة وتغريب عام؟ وهل كان أحد يفتي والنبي موجود بينهم؟ لم يكن أحدهم يبدي رأياً والنبي حي بينهم لدرجة أنه سأل أصحابه في مكة: في أي بلد أنتم؟ فبدل أن يقولوا “مكة” قالوا: الله ورسوله أعلم. وكيف يحكم النبي بجلد الفتى المتهم بالزنى وهو لم يسمع منه؟ هل يكفي أن يقول الرجل إن ابنه زنى. أين الشهود الأربعة الذين رؤوا الميل في المكحلة؟ هل اكتفي الرسول بالشهادة السماعية فقط؟ يستعمل الشيخ وأمثاله هذه القصص الموضوعة ليعارضوا صريح نص القرآن الذي يقول (الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة). والغريب أن هذه الآية جاءت في سورة النور وهي آخر سورة نزلت من القرآن. فهل من المعقول أن يُنزل الله القرآن على مدى ثلاث وعشرين سنة، وفي آخر سورة منه يأتي بحكم الجلد ثم يقول سراً للنبي أرجم الزانية؟ فأما أن يكون الله متردداً في أحكامه أو يكون الشيخ وأمثاله قد افتروا على الله الكذب، خاصة وأن بداية سورة النور تقول (سورة أنزلناها وفرضناها وأنزلنا فيها آيات بينات لعلكم تذكرون). فكيف يقول الله في آخر سورة أنزلها أنه فرضها فرضاً على الناس وأنزل فيها آيات بينات، منها جلد الزانية والزاني، ثم يقول لنبيه سراً أرجم الزانية؟
واقرءوا هذا التبرير من الشيخ (وكأن القرآن الكريم يُشير إلى أن المسلم المُحصَن المُتزوِّج ليس من شأنه أن يزني، فلم ينزل في شأنه قرآن، بل تُرك القرآن ذلك، ليُعلِّم الناس وليدلَّ الناس بالإشارة والإيماء على أن هذا أمر لا ينبغي أن يقع فيه المسلم المُحْصَن) انتهى.
أي أفك هذا؟ فإذا كان المسلم المتزوج ليس من شأنه أن يزني، أي أنه معصوم من الزنا، ولذلك لم ينزل في شأنه قرآن، أليس المسلم من شأنه ألا يقتل أو يسرق؟ فلماذا أنزل في شأنه قرآنٌ يحدد العقوبة؟ أم أن الزنى في الإسلام أكثر ضرراً من القتل؟
ويستمر الشيخ في مخادعته للبسطاء فيقول (لا تظنوا أن الإسلام منع الزنى وحاربه بمجرد الرجم أو الجلد … ولكن هذه هي الوسيلة الأخيرة التي لا يُغني شيء عنها… كما حارب الإسلام الفواحش بتطهير المجتمع من أسبابها ودواعيها، التي تدعو إليها، وتغري الناس بها، وتجرِّئهم على ارتكاب الحرام. فالكلمة الخليعة، أو الصورة العارية أو شبه العارية، أو الأغنية المثيرة، أو كل ما نرى ونسمع في هذا العصر من أساليب الإغراء، والدعوة إلى الفجور، يُحرِّمه الإسلام) انتهى.
فإذا كانت الصور والموسيقى هي التي تدعو إلى الرذيلة والزنا، فهل كان الصحابي المغيرة بن شعبة يستمع إلى أغاني البوب عندما زنى بأم جميل وشهد عليه ثلاثة من الصحابة بأنهم رؤوا الميل في المكحلة وتردد الرابع وقال إنه رأه بين رجليها وسمع أصوات النكاح لكنه لم ير الميل في المكحلة؟ أتقوا ربكم أيها الشيخ. قرآنكم يقول (وابتغ فيما أتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا) (القصص 77). دع الشباب يستمتعوا بنصيبهم من الحياة الدنيا من الموسيقى والغناء والصور.
الحالة الثانية التي يبيح فيها الإسلام القتل هي قتل النفس التي حرّم الله، كما يقول الشيخ (أي مَن قتل نفسا يُقتل، فإن نفسه ليست أفضل ولا أعظم من نفس غيره، فمَن قتل نفسا فقد أهدر عصمة نفسه، وأهدر حُرمة دمه، ويجب أن يقتصَّ منه، كما قال الله عز وجل: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:179]) انتهى.
ويتجاهل الشيخ أن يذكر لمستمعيه أن الإسلام لا يعامل المؤمنين بالتساوي، فالآية التي سبقت هذه الآية تقول (يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم القصاص في القتلى الحُر بالحُر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى) (البقرة 178). وبناءً على هذه الآية فقد اتفق فقهاء الإسلام بأن الحُر لا يُقتل بالعبد ولا الرجل يُقتل بزوجته أو ابنه إذا مات أي منهما نتيجة تأديبه لهما بالضرب. يقول ابن حجر العسقلاني (ذكر ابن عطية عن الشعبي: أن أهل العزة من العرب والمنعة كانوا إذا قُتل منهم عبد قتلوا به حراً، وإذا قُتلت امرأة، قتلوا بها ذكراً، فنزلت الآية في ذلك تسويةً بين العباد وإذهاباً لأمر الجاهلية) (العُجاب في بيان الأسباب، ص 240). وقال مالك (الحر والعبد إذا قتلا عبداً، يُقتل العبد ويكون على الحر نصف قيمة العبد المقتول (الاستذكار في شرح الموطأ لابن رشد القرطبي، ج8، ص 50). فإذا قتلوا رجلاً بامرأة أو حراً بعبد، تكون جاهلية أما إذا قتل الحر عبداً مؤمناً ودفع قيمته فلا تكن هذه جاهلية. ثم أن فقهاء الإسلام قد أقروا بأن المسلم لا يُقتل بكافر. فأين حرمة النفس التي بناها الله؟
ويقول الشيخ (ولهذا فإن الذين يدعون إلى إلغاء عقوبة الإعدام للقاتل: هم قوم يخالفون عن دين الله، ذلك لأن القصاص مفروض في الإسلام بقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} [البقرة:178]، كما أن الصوم مفروض في قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183] … فالفريضة في كلا الأمرين سواء … ومن هنا فإن الدعوة إلى إلغاء عقوبة الإعدام خروج عن دين الله، وتعطيل لحكم مفروض من أحكامه … ومُحادَّة لله ورسوله جهارا علانية) انتهى.
فالإسلام الذي فرض عقوبة القصاص في القتل جعل للأغنياء مخرجاً عنها بدفع الدية لأهل القتيل الفقراء، أو بالعفو إذا كان القاتل من ذوي الجاه والسلطان. وحدد الفقهاء الدية بمائة بعير. فالغني الذي يقتل فقيراً يدفع لأهله مائة بعير ولا يُعاقب بعد ذلك. وعندما قتل الأمير السعودي فهد بن نايف بن سعود الشاب منذر القاضي في عام 2004، عفا والد القتيل عن الأمير ولم يُعاقب البتة مع أنه قتل نفساً بغير حق (إيلاف 1/5/2004). فإذا كانت الآية “كُتب عليكم القصاص” تعني أن القصاص مفروض على المسلمين، فماذا عن الآية (كُتب عليكم القتال” فهل القتال مفروض على كل مسلم، وهل قاتل الشيخ أو قاتل أحد أبنائه؟ وهل الذين ينادون بوقف القتال في العراق يعارضون الله ورسوله؟
ثم يسأل الشيخ عن الذين يطالبون بإلغاء عقوبة الإعدام (لماذا يرأفون بالقاتل المجرم، ولا يرأفون بالمقتول وأهل المقتول؟ إن الذي يستأصل شأفة الجريمة ويقضي عليها أن يُعاقب فاعلها … ويُؤخَذ على يده، ويُردع أن يرتكب مثلها، ويُردع غيره -أيضا- أن يقترفوا مثلما اقترف. وهذا هو الإسلام … {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الألْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة:179].) انتهى
ونحن نسأل: لماذا لم يرأف الإسلام بالمرأة التي يقتلها رجل، فلا يقتل الرجل بقتلها ويدفع فقط نصف دية الرجل، أي خمسين بعيراً فقط. هل نفس المرأة أقل قيمة عند الله من نفس الرجل القاتل؟ ثم أن قتل ورجم الناس لا يمنع الجريمة، والدليل على ذلك أن السلطات السعودية والإيرانية يقتلون كل عام مئات الرجال والنساء في جمهرة من الغوغاء، ومع ذلك تزداد معدلات الجريمة عندهم سنوياً. ثم أن الصين هي أكثر دولة في العالم تعدم مجرميها، ومع ذلك تزداد فيها الجريمة سنوياً. ومنذ ألف وأربعمائة عام يقتل المسلمون القاتل ومع ذلك يستمر القتل في البلاد الإسلامية، فهل منع القصاص الجريمة كما يدعي الشيخ؟
وليقرأ القاريء هذا النفاق من الشيخ (وكان الرومان قبل الإسلام لا يقتلون كل نفس بأي نفس، إنما إذا قتل الشريف رجلا من غير الأشراف والنبلاء، فإنه لا يستحقُّ القتل، ولكن إذا قتل رجل من طبقته، فإنه يستحقُّ القتل …) انتهى
فليقرأ الشيخ هذا المقتطف من ابن رشد القرطبي (وأما الشرط الذي يجب به القصاص في المقتول، فهو أن يكون مكافئا لدم القاتل. والذي به تختلف النفوس هو الإسلام والكفر، والحرية والعبودية ،والذكورية والأنوثية، والواحد والكثير. واتفقوا على أن المقتول إذا كان مكافئا للقاتل في هذه الأربعة أنه يجب القصاص. واختلفوا في هذه الأربعة إذا لم تجتمع. أما الحر إذا قتل العبد عمدا، فإن العلماء اختلفوا فيه، فقال مالك والشافعي والليث وأحمد وأبو ثور: لا يقتل الحر بالعبد؛ وقال أبو حنيفة وأصحابه: يقتل الحر بالعبد إلا عبد نفسه؛ وقال قوم: يقتل الحر بالعبد سواء كان عبد القاتل أو عبد غير القاتل، وبه قال النخعي؛ فمن قال لا يقتل الحر بالعبد احتج بدليل الخطاب المفهوم من قوله تعالى {كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد} ومن قال يقتل الحر بالعبد احتج بقوله عليه الصلاة والسلام “المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم” فسبب الخلاف معارضة العموم لدليل الخطاب، ومن فرق فضعيف. ولا خلاف بينهم أن العبد يقتل بالحر، وكذلك الأنقص بالأعلى.) (بداية المجتهد، ج2، كتاب القصاص، ص 824). فكبار الفقهاء كلهم قالوا لا يقتل الحر بالعبد ولا يُقتل الأنقص بالأعلى. هل يختلف حكم الإسلام عن حكم قدماء الرومان الذي انتقده الشيخ؟
ومرة أخرى اقتصد الشيخ في الحقيقة عندما روى قصة ابن ملجم الذي قتل علي بن أبي طالب، فقال (حينما طُعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، في رمضان في سنة أربعين هجرية، وكان الذي قتله غدرا أو اغتيالا عبد الرحمن بن مُلجَم، وقد أمسك المسلمون به، فقال علي رضي الله عنه، إن عشت فأنا مالك أمر نفسي، أقتص أو أعفو، فإن مت فضربة بضربة، وأن تعفوا أقرب للتقوى. هذا هو كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه.) انتهى
وقد ذكر الشيخ ما قاله علي بن أبي طالب لكنه لم يذكر لمستمعيه ما فعله أبناء علي بن أبي طالب بابن ملجم. ( دعا عبد الله بن جعفر بابن ملجم ، فقطع يديه ورجليه وسمل عينيه فجعل يقول : ” إنك يا ابن جعفر لتكحل عيني بملمول مض ” أي بمكحال حار محرق ” ثم أمر بلسانه أن يخرج ليقطع ، فجزع من ذلك ، فقل له ابن جعفر : قطعنا يديك ورجليك ، وسملنا عينيك ، فلم تجزع ، فكيف تجزع من قطع لسانك ، قال : إني ما جزعت من ذلك خوفاً من الموت ، لكني جزعت أن أكون حياً في الدنيا ساعة لا أذكر الله فيها . ثم قطع لسانه ، فمات ، والرواية يذكرها ابن سعد مضيفاً إليها حرقه بعد موته ويذكرها ابن كثير دون ترجيح ويقتصر الطبري وابن الأثير على الحرق بعد القتل.) فعليّ يقول شيئاً ويفعل أبناؤه وأحفاده شيئاً غيره. فرغم أن علي بن أبي طالب قال: إذا مت، فضربة بضربة” نجد أن عبد الله بن جعفر فعل أكثر من ذلك بابن ملجم. وهذه مشكلة الإسلام – يقولون شيئاً ويفعلون ضده.
أما الحالة الثالثة التي يُقتل فيها الإنسان فهي الردة، كما يقول الشيخ (والصنف الثالث من الناس، الذي نصَّ الحديث على أنه يحلُّ دمه، هو: “التارك لدينه المفارق للجماعة”. فالذي ترك الإسلام، ومَرَق من دين الله عز وجل، وفارق جماعة المسلمين، يجب أن يقتل … إنه مرتد … والمرتد عن الإسلام حكمه القتل.) انتهى.
يقول الشيخ بقتل المرتد رغم وجود أكثر من عشر آيات في القرآن تقول إن المرتد سوف يحاسبه الله يوم القيامة ولن يضر الله ولا المسلمين بردته. وناقض الشيخ نفسه عندما قال لمستمعيه في برنامج “الشريعة والحياة” يوم الخميس 10 أبريل 2008 (ما معنى التعصب؟ التعصب ضد الآخرين هذا ممنوع، الاعتزاز بدينك هذا مطلوب. يعني حأذكر لك سورة في القرآن تحمل نهاية الاعتزاز بالدين ونهاية التسامح مع المخالفين وهي سورة يحفظها أطفال المسلمين، {قل يا أيها الكافرون، لا أعبد ما تعبدون} حينما كان المشركون يساومون النبي صلى الله عليه وسلم أن هو يعبد آلهتهم أشهرا أو سنة أو كذا وهم يعبدون إلهه أشهرا أو سنة، مفاوضات، القرآن جاء قطع هذه المفاوضات حسم الأمر قال دعوكم من هذا {قل يا أيها الكافرون، لا أعبد ما تعبدون، ولا أنتم عابدون ما أعبد، ولا أنا عابد ما عبدتم، ولا أنتم عابدون ما أعبد}[الكافرون:1-5] يعني لا في الحاضر ولا في المستقبل ولا في الماضي حأعبد. منتهى الإيه؟ الاعتزاز والتمسك، وبعدين في الآخر قال إيه؟ {لكم دينكم ولي ديني}[الكافرون:6]، هذا هو التسامح.) انتهى. فالقرآن يقول بحرية العبادة (لكم دينكم ولي دين) ويقول (لا إكراه في الدين) ويقول (أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) ومع ذلك يقول الشيخ إن الإسلام المتسامح يأمر بقتل الخارج عنه لأن أبا هريرة روى حديثاً يقول إن النبي قال: (من بدل دينه فاقتلوه). هل تكرهون الناس على أن يظلوا مسلمين رغم آيات القرآن العديدة التي تسمح لهم بالتغيير؟ كفى خداعاً أيها الشيخ.