د. محمد علي زيني
تفائلت بتسلّم العبادي السلطة من المالكي بعد أن ساهم الأخير بتخريب البلاد وتسليم ثلثها الى داعش. بل ظننت أنه سيتوجه فوراً لإيقاف عمليات التخريب ثم البدء بكل جد ونشاط لإعادة البناء والضرب على أيادي الفاسدين. ولكن أياً من ذلك لم يحدث. بل على العكس، لم نر منه غير المغالطة ومعسول الكلام لتخدير المستمعين فيما الفساد يتفشى والجريمة تنتشر ومافيات الخطف والتنكيل والقتل والسرقة تسرح وتمرح دونما رادع، والمخدرات توزع على شباب العراق بالمجان. ويستمر كبار مسؤولي السلطة في الإستحواذ على المال العام وصغارهم بتعاطي الرشى وحلب المواطنين دون رحمة أو ضمير.
ولقد جاء على ذكر بعض ما قلناه، وزاد عليه بكثير، ماورد بمقال الدكتور هاشم حسن التميمي (عميد كلية الإعلام جامعة بغداد) بعنوان “هل يدري العبادي بما يجري …؟”1 وهذه مقتطفات منه “البلاد بالحسابات الموضوعيىة وليس بالميول العاطفية والاحكام المسبقة انحدرت للهاوية لجهل الساسة واستحواذهم على المال العام. هل يعلم صاحب المعالي ان سياسة الاقتراض التي تجاوزت الحدود المعقولة هي سياسة كارثية ستدمر مستقبل البلاد وتذل العباد؟ وهل يعلم العبادي ان مستشاريه يجاملونه ورسموا له خططا كارثية باتباع سياسة مالية فاشلة اهدرت احتياطي البنك المركزي واستمرت ببيع العملة لاصحاب المصارف التخريبية التي تغسل اموال المتنفذين وتهربها للخارج..؟ وهل يعلم رئيس الوزراء بان النفط مازال يهرب في وضح النهار وباشراف اغلب قادة الكتل وكذلك الاثار والمخطوطات وكل ثمين واصبحت عندنا مافيات اخطر من المافيات الايطالية والكولومبية؟ وهل يدري بان الدستور والقانون لاوجود لهما في قاموس المافيات ولا اثر له في الشارع الذي تتحكم فيه المليشيات المسلحة وعصابات الجريمة المنظمة والعشائر المنفلتة؟ هل يعلم القائد العام حجم الثروات التي تنهبها العناصر المكلفة بجباية الضرائب؟ هل تعلم يا رئيس حكومة التوافق اللا وطني ان عدد المتسربين من المدارس بسبب الفقر والجوع تجاوز الملايين ومثلهم اعداد المشردين والنازحين والهاربين والمهاجرين والعاطلين عن العمل من الخريجيين الذين استبدلتهم حكومتك بالاميين من المولايين..؟ وهل تعلم بانهيار الطبقة الوسطى؟ وهل تعلم بحجم التصحر واندثار الزراعة، وتحول البساتين والمزارع لعشوائيات ومخازن للتجارة المحرمة؟”
هذا غيض من فيض مما جاء في مقال العميد المحترم. ثم تأتي الناشطة النجيبة “بيداء حامد” كما ذكر ذلك الكاتب سعد السعيدي في مقال له بعنوان “الى حيدر العبادي: من يستلم الرشى يقدم استقالته”2 ندرج منها مقتطفات تستحق الذكر “الرئيس الفاسد هو أداة طيعة بيد من جاءوا به الى السلطة أجانباً كانوا أم محليين، وهو يخضع طوال فترته لإبتزازهم وتهديدهم له بالفضيحة والتشهير. هو ببساطة “مكسورة عينه” ولا يستطيع أن يرفعها بوجوههم! هل سأل أحد نفسه عن سر إحتفاء كل الكتل بتنصيب العبادي؟ لماذا لم يستخدم العبادي التفويضات الكبيرة التي حصل عليها لمحاصرة الفاسدين؟ لماذا يهددهم بالاعلام ويحميهم على أرض الواقع؟ لماذا هرول فور تسلمه السلطة الى صندوق النقد الدولي واغرق البلد بديون هائلة ويرفض كشف عقودها للشعب؟ لماذا يسوق البلد عنوةً الى الخصخصة واقتصاد السوق، دون أن يكون وضع العراق مهيئاً لذلك؟ لماذا تُغلق المصانع وتُدمر الزراعة ويُحطم التعليم لدينا؟ لماذا يمرر قانون عفو يخرج الارهابيين بموجبه بدون عقاب؟ لماذا لا يُحاسب ضباط الجيش الخونة الذين انسحبوا من الموصل والانبار؟ ولماذا يسكت على الإعتداءات الامريكية
المتكررة على الجيش العراقي والحشد؟ ثم تستمر الناشطة النجيبة “بيداء” بغضبها متكلمة عن تقرير قدمه في 2004 قسم “أمن التكنولوجيا الدولية” في وزارة الدفاع الأمريكية عن أحد الفاسدين الأمريكيين وهو متهم باختلاس مئات ملايين الدولارات من المبلغ المخصص لبناء منظومة الإتصالات في العراق وردت فيه تفاصيل دقيقة تثبت تواطؤ المسؤولين العراقيين في تمرير العقود الفاسدة، وتلقيهم رشاوي وصلت احداها الى 5 مليون دولار استلمها وزير الاتصالات حيدر العبادي.
هنا، أتقدم أنا كاتب هذه السطور، بما علمت حين وصلت بغداد في 26/4/2003 ضمن فريق “المجلس العراقي للإعمار والتطوير” وكانت مهمتي آنذاك المساعدة في إعادة بناء البنية التحتية النفطية التي تعرضت للدمار. هناك سمعت بأذنَيّ أحد المستشارين الأمريكيين وهو يوجه نقداً لاذعاً لتصرف حيدر العبادي الدنيئ، وكان بتلك الفترة القصيرة وزيراً للإتصالات، باستلامه رشوة مقدارها ما بين 5 الى 8 ملايين دولار تقاسمها مع إبراهيم الجعفري، إذ كان الأخير رئيساً للوزراء آنذاك. وبعد مرور نحو خمسة شهور في خضم النتانة والفساد الذي استشرى في ظل الحاكم المدني الأمريكي “بول بريمر”، وبعد الإنتهاء من مهمتي بتحظير المشروع لإعادة بناء المنشآت النفطية التي تعرضت للسرقة والدمار، قدمت استقالتي وقفلت عائداً الى عملي كخبير بمركز دراسات الطاقة العالمية بلندن.
ختاماً أقول أن لرئيس الوزراء حيدر العبادي مطلق الحرية والحق بأن يتقدم لكي يعيد انتخابه من جديد. على أن العراق الآن هو بأمس الحاجة الى كفاءات مهنية مخلصة لهذا الوطن العريق، لإعادة بنائه من جديد وإرساء الأسس اللازمة لحكم ديمقراطي وطني نزيه. فهل سيتقدم الناخب العراقي الوطني النبيه، بعد هذه الفترة الطويلة المظلمة، لينتخب الأكفاء الوطنيين الأحرار بدلاً من ترك الأمر لاحتمالات التلاعب من قبل هذه السلطة الأجنبية وتلك، بضمنها المخابرات الأمريكية؟ أنا كلي أمل بأن يقوم الناخب العراقي اللبيب بكشف الظلام لتشرق الشمس أخيراً على العراق وشعبه المظلوم.