مهى عون السياسة الكويتية
بدأت سورية بتصنيع وتجهيز المواد الكيماوية ضمن ترسانتها العسكرية في فترتي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي, على خلفية فكرة تحويلها قوة ضاربة ضد إسرائيل التي من المفترض أنها عدوها الأول. ولقد تمكنت من احتلال المرتبة الثالثة في العالم من ناحية أهمية هذه الترسانة النوعية التي تعتمد في تصنيعها على غازين للأعصاب فائقي الخطورة وهما “السارين” وال¯”في إكس”. علماً أن هذا النوع من السلاح محظور ومحرم دولياً باعتباره من أسلحة الدمار الشامل لقدرته على فناء أعداد هائلة من البشر في فترة قصيرة جداً. ولقد ورد تحريم استعمالها بموجب اتفاقيات دولية صارمة, تلتزم بها غالبية الدول, ما عدا الدول المارقة التي تمكنت من التنصل من التوقيع على هذه الاتفاقيات, ومنها سورية.
في الآونة الأخيرة أشيع موضوع احتمال استعمالها من قبل النظام السوري ضمن ستراتيجية تهدف إلى القضاء النهائي على الحراك الثوري, بعد أن عجزت حياله الأسلحة الكلاسيكية ومن ضمنها الطيران الحربي المدمر. أما الحدث الدراماتيكي الذي أماط اللثام وأضاء بشكل فجائي على نوايا النظام المبيتة بخصوص اللجوء الى استعمال هذا السلاح المحظور, كان انشقاق المسؤول الأول عن الترسانة الكيماوية الجنرال عدنان سيلو في شهر سبتمبر الماضي, حين أعلن وفي بيان متلفز ان النظام سوف يعمد إلى استعمال الأسلحة الكيماوية رغم إعلانه عكس ذلك. ولقد جاء إعلانه هذا في نهاية اجتماع ضمه الى مسؤولين أمنيين وسياسيين كبار, حيث أشار إلى أن القرار سوف يتخذ بشكل سريع في حال شعر النظام باحتمال خسارته لمناطق مهمة مثل حلب على سبيل المثال. ولقد تأكدت في الآونة الأخيرة نوايا النظام بهذا الشأن, بعد انشقاق المتحدث باسم وزارة الخارجية السورية جهاد مقدسي حيث اعتبر العديد من المراقبين طريقة انشقاقه وخروجه السريع عن الأراضي السورية, مؤشراً إضافياً على احتمال استعمال النظام لهذا السلاح الفتاك. ولقد زاد من وتيرة هذا التخوف ما كشفته أجهزة الاستخبارات الأميركية عن تحركات مشبوهة كانت تجري على الأرض في أماكن تخزين هذه المواد, وفي مستودعات الأسلحة التابعة لها. ولقد جاء الخبر ضمن تقرير مصور يظهر الجيش السوري وهو على تعبئة قنابل معدة للرمي بواسطة الطائرات الحربية على مواقع تجمعات الجيش الحر. ما دعا الرئيس الأميركي إلى توجيه تحذير قاسي اللهجة للرئيس السوري بهذا الخصوص.
وكردة فعل على هذا التمترس العالمي حيال نواياه المبيتة, سارعت “الخارجية
السورية لنفي مرة أخرى أي نوايا للنظام بهذا الخصوص. إلا أن الرئيس السوري بشار الأسد عمد وبخطوة استباقية تدل على نواياه الخبيثة, إلى نشر كل مخازن هذا العتاد الكيماوي الفتاك عبر البلاد تحسباً لأي قرار قد يتخذ على الصعيد الدولي من أجل مصادرته أو تعطيله بطريقة ما.
يبقى أن نسبة القلق العام لم تنخفض حتى الساعة ولا التخوف من تصرف أرعن للنظام يقوده الى عمل مجنون من هذا النوع. على العكس نلاحظ أن هواجس المجتمع الدولي وفي المقدمة الولايات المتحدة الاميركية زادت في الآونة الأخيرة مع تنامي فلاح الجناح العسكري للثورة السورية من تحقيق انتصارات ميدانية مهمة على الأرض. هواجس تبلورت منذ مدة بشكل موقف دولي عام يدعو لتدارك كارثة لجوء النظام الى استعمال الاسلحة الكيماوية للدفاع المستميت عن نفسه. وفي هذا السياق وضمن استعدادات الغرب لتفادي حصول هكذا كارثة كشفت بعض وسائل الإعلام الغربية عن برنامج غربي يتماشى مع تحذيرات الرئيس الأميركي باراك وباما من المحتمل أن تتم ترجمته على الأرض عن طريق تدخل غربي مباشر تأتي ضمنه ضربات جوية جراحية محدودة الإطار, يليها إرسال وحدات مسلحة تقتحم المراكز المعادية تماماً كما يحصل في أي ساحة حرب.
أحد هذه السيناريوهات المطروحة والتي وردت في صحيفتي, “لو بوان” الفرنسية وال¯”نيويورك تايمز” الأميركية يتضمن طلب تدخل لقوات من الجيش الفرنسي بشكل “كوماندوس” تدعمها مجموعة خاصة من قوات “الناتو” ومن بعض الدول العربية. ولقد ورد في الصحيفة الأميركية أيضاً أن عدد هذه القوة يناهز 75 الف عسكري باتوا على أتم الجهوزية لوضع اليد ولتأمين “ستوكات” ومخازن الأسلحة الكيماوية. أما الهدف من طريقة التشكيل المختلطة هذه فهو لاستبعاد السيناريو العراقي أو الليبي, وحتى تأتي عملية التدخل بشكل جراحي, محدودة وهادفة فقط لشل قدرة هذا السلاح الخطر والفتاك.
في النهاية ما من شيء يؤكد نية تجاوز بشار الأسد لتحذير الرئيس أوباما, كونه مدركاً تماماً لما قد ينتظره من جراء ذلك على الصعيد العالمي. وفي نفس الوقت قد يكون تخليه عن استعماله مؤشر الفلاح الثورة بتحقيق الانتصارات الميدانية الأكيدة واستمرارها في المضي باتجاه اقتلاعه. في كل الأحوال مع أو من دون السلاح الكيماوي لقد أصبحت أيامه معدودة, واستمراره مسألة وقت ليس أكثر.
كاتبة لبنانية